الاصول من الكافي تأليف ثقة الاسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي رحمه الله المتوفى سنة 328 / 329 ه مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري الجزء الثاني ناشر: دار الكتب الاسلامية نوبت چاپ: چهارم زمستان 1365 تيراژ: 2000 چاپ از چاپخانه حيدري آدرس ناشر: تهران بازار سلطاني - دار الكتب الاسلاميه تلفن: 520410
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم [ كتاب الايمان والكفر من كتاب الكافي ] [ تصنيف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ره) ] (باب) * (طينة المؤمن والكافر) *
1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله عن رجل، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إن الله عز وجل خلق النبيين من طينة عليين: قلوبهم وأبدانهم (1) وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و [ جعل ] خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين: قلوبهم وأبدانهم، فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه (2) وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه (3).
(1) الطينة: الخلقة والجبلة. وعليين جمع علي أو هو مفرد ويعرب بالحروف والحركات يقال للجنة والسماء السابعة والملائكة الحفظة الرافعين لاعمال عباد الله الصالحين إلى الله سبحانه والمراد به أعلى الامكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الاخبار الاتية من قولهم: " اعلى عليين ". وسجين فعيل من سجن ويقال للنار والارض السفلى (في) (2) أي تميل وتشتاق. (3) الاخبار مستفيضة في أن الله تعالى خلق السعداء من طينة عليين (من الجنة) وخلق الاشقياء من طينة سجين (من النار) وكل يرجع إلى حكم طينته من السعادة والشقاء وقد أورد عليها أولا بمخالفة الكتاب وثانيا باستلزام الجبر الباطل، أما البحث الاول فقد قال الله تعالى: " هو الذي خلقكم من طين " وقال: " وبدأ خلق الانسان من طين " فأفاد أن الانسان مخلوق من طين، ثم قال تعالى: " ولكل وجهة هو موليها - الاية " وقال: " ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها - الاية " فافاد أن للانسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء، وهو متوجه إليها، سائر نحوها. وقال تعالى: " كما بدأكم تعودون فريقا هدى
[ 3 ]
2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفار الجازي (1)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة
وخلق الكافر من طينة النار، وقال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره، قال وسمعته يقول: الطينات ثلاث: طينة الانبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الانبياء هم من صفوتها، هم الاصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع من طين لازب (2)، كذلك لا يفرق الله عز وجل بينهم وبين شيعتهم، وقال: طينة الناصب من حمإ مسنون (3) وأما المستضعفون فمن تراب، لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشيئة فيهم. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك من أي شئ خلق الله عز وجل طينة المؤمن فقال: من طينة الانبياء، فلم تنجس أبدا (4).
وفريقا حق عليهم الضلالة - الاية " فأفاد أن ما ينتهي إليه أمر الانسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طينا، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء، وآخر السعيد إلى الجنة وآخر الشقي إلى النار: فهما أولهما لكون الاخر هو الاول وحينئذ صح ان السعداء خلقوا من طينة الجنة والاشقياء خلقوا من طينة النار. وقال تعالى: " كلا ان كتاب الابرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون، كلا إن كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين - الايات " وهي تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهي إليه أمر الابرار والفجار من النعمة والعذاب فافهم. وأما البحث الثاني وهو ان أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميين للانسان ومعه لا يكون أحدهما اختياريا كسبيا للانسان وهو الجبر الباطل. والجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء، فيرجع الاشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حق الانسان قبل أن يخلق وأن ذلك يستلزم الجبر وقد ذكرنا هذا الاشكال مع جوابه في باب المشيئة والارادة في المجلد الاول من الكتاب ص 150 وحاصل الجواب أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد فهو فعل اختياري
في حين أنه حتمي الوقوع ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى يلزم منه بطلان الاختيار وأما شرح ما تشمل عليه هذه الاخبار تفصيلا فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر فليرجع فيه إلى مطولات الشروح والتعاليق والله الهادى. (الطباطبائى). (1) بالجيم والزاى وفى بعض النسخ [ الحارثى ]. (2) اللازب: اللازم للشئ واللاصق به. (3) الحمأ: الطين الاسود، والمسنون: المنتن. (4) أي بنجاسة الشرك والكفر. (آت)
[ 4 ]
4 - محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد وغيره، عن محمد بن خلف، عن أبي نهشل قال: حدثني محمد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا لانها خلقت مما خلقنا منه، ثم تلا هذه الآية " كلا إن كتاب الابرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم يشهده المقربون (1) " وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لانها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الآية: " كلا إن كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين (2) ". 5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وغير واحد، عن الحسين بن الحسن جميعا، عن محمد بن اورمة، عن محمد بن علي، عن إسماعيل بن يسار، عن عثمان بن يوسف قال: أخبرني عبد الله بن كيسان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك أنا مولاك، عبد الله بن كيسان، قال: أما النسب فأعرفه وأما أنت، فلست أعرفك، قال: قلت له: إني ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس وإنني اخالط الناس في التجارات وغير ذلك، فاخالط الرجل، فأرى له حسن السمت (3) وحسن الخلق و [ كثرة ] أمانة، ثم افتشه فأتبينه عن عداوتكم واخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق
وقلة أمانة وزعارة (4) ثم افتشه فأتبينه عن ولا يتكم، فكيف يكون ذلك؟ فقال لي: أما علمت يا ابن كيسان أن الله عز وجل أخذ طينة من الجنة وطينة من النار، فخلطهما جميعا، ثم نزع هذه من هذه، وهذه من هذه (5) فما رأيت من اولئك من الامانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه، وما رأيت من هؤلاء من قلة الامانة وسوء الخلق والزعارة، فمما مستهم من طينة
(1) المطففين 19 - 21. (2) المطففيين 7 - 10 (3) السمت: هيئة أهل الخير (4) الزعارة: سوء الخلق، لا يصرف منه فعل ويقال للسيئ الخلق الزعرور وفى بعض النسخ [ الدعارة ] وهو الفساد والفسوق والخبث (في). (5) معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار وطينة النار من طينة الجنة بعد ما مست احداهما الاخرى، فخلق أهل الجنة من طينة الجنة وخلق أهل النار من طينة النار (في).
[ 5 ]
النار وهم يعودن إلى ما خلقوا منه. 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن صالح بن سهل قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): المؤمنون من طينة الانبياء؟ قال: نعم. 7 - علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد (1)، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم (عليه السلام) بعث جبرئيل (عليه السلام) في أول ساعة من يوم الجمعة، فقبض بيمينه قبضة، بلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وأخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة اخرى من الارض السابعة العليا إلى الارض السابعة القصوى فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه والقبضة الاخرى بشماله، ففلق الطين فلقتين فذرا من الارض ذروا (2) ومن السماوات ذروا فقال للذي بيمينه: منك الرسل والانبياء والاوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته
فوجب لهم ما قال كما قال وقال للذي بشماله: منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته، فوجب لهم ما قال كما قال، ثم إن الطينتين خلطتا جميعا، وذلك قول الله عز وجل: " إن الله فالق الحب والنوى (3) " فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير و إنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد عنه وقال الله عز وجل: " يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي (4) " فالحي: المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج من الحي: هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي: المؤمن، والميت: الكافر وذلك قوله عز وجل: " أو من كان ميتا فأحييناه (5) " فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكان حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور
(1) في بعض النسخ [ الحسين بن زيد ]. (2) الفلق: الشق والفصل. والذرو: الا ذهاب و التفريق. (3) الانعام: 95. (4) في بعض النسخ [ ويخرج الميت من الحى ]. (5) الانعام: 122.
[ 6 ]
وذلك قوله عز وجل: " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين (1) ". (باب آخر منه) * (وفيه زيادة وقوع التكليف الاول (2) * 1 - أبو علي الاشعري ومحمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان، إن الله عز وجل قبل أن يخلق الخلق قال: كن ماء عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا، فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم أخذ طينا من أديم
الارض فعركه عركا شديدا (3) فإذا هم كالذر يدبون، فقال لاصحاب اليمين: إلى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي، ثم أمر نارا فاسعرت، فقال لاصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها (4)، فقال لاصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها، فقال: كوني بردا وسلاما فكانت برداو سلاما فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا (5)
(1) يس 70 - واعلم أن ما ذكر في هذا الباب وفى بعض الابواب الاتية من متشابهات الاخبار ومعضلات الاثار ومما يوهم الجبر ونفي الاختيار ولاصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك: الاول: ما ذهب إليه الاخباريون وهو أنا نؤمن بها مجملا ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنها من أي جهة صدرت، ونرد علمه إليهم (عليهم السلام). الثاني: أنها محمولة على التقية لموافقتها لروايات العامة ومذاهب الاشاعرة الجبرية وهم جلهم. الثالث: انها كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون فانه سبحانه لما خلقهم وكان عند خلقهم عالما بما يصيرون إليه فكأنه خلقهم من طينات مختلفة. الرابع: انها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم وهذا أمر بين لا يمكن انكاره فانه لا يريب عاقل في أن النبي (صلى الله عليه وآله) وأبا جهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابلية وهذا يستلزم وقوع التكليف فان الله تعالى كلف النبي (ص) بقدر ما اعطاه من الاستعداد والقابلية لتحصيل الكمالات وكلفه ما لم يكلف أحدا مثله وكلف أبا جهل ما في وسعه وطاقته ولم يجبره على شئ من الشر والفساد. الخامس: أنه لما كلف الله تعالى الارواح أولا في الذر وأخذ ميثاقهم فأختاروا الخير أو الشر باختيارهم في ذلك الوقت وتفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم كما دلت عليه بعض الاخبار فلا فساد في ذلك (آت). (2) انما افرد لتلك الاخبار بابا لاشتمالها على أمر زائد لم يكن في الاخبار السابقة، رعاية لضبط العنوان بحسب الامكان (آت). (3) اديم الارض: ظاهره وكذا السماء. والعرك: الدلك.
(4) هابه يهابه هيبا ومهابة: خافه. (5) من الاقالة.
[ 7 ]
فقال: قد أقلتكم فادخلوها، فذهبوا فهابوهها، فثم ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء من هؤلاء (1). 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى - إلى آخر الآية " فقال وأبوه يسمع (عليهما السلام) حدثني أبي أن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم (عليه السلام) فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا، ثم صب عليها الماء المالح الاجاج فتركها أربعين صباحا، فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار، فدخل أصحاب اليمين، فصارت عليهم بردا وسلاما وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم (عليه السلام) أرسل الماء على الطين، ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ثم ذرأهم فإذا هم يدبون، ثم رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها فلم يدخلوها ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها فأمر الله عز وجل النار فكانت عليهم بردا وسلاما، فلما رأى ذلك أهل الشمال قالوا: ربنا أقلنا، فأقالهم، ثم قال لهم: ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها، فأعادهم طينا (2) وخلق منها آدم (عليه السلام) وقال أبو عبد الله (عليه السلام): فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء. قال: فيرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أول من دخل تلك النار فلذلك قوله عز وجل: " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين (3) ".
(1) لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله تعالى في الانسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي، والماء الاجاج عما ينافى ويعارض ذلك من الدواعي إلى الشهوات ويكون مزجهما كناية عن تركيبهما في الانسان، فقوله: " أخلق منك " أي من أجلك جنتي وأهل طاعتي إذ لولا ما في الانسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد ولم يصر أحد مطيعا له تعالى وكذا قوله " أخلق منك نارى " إذ لولا ما في الانسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور (آت) (2) عبر عن إظهاره إياهم في عالم الخلق مفصلة متفرقة مبسوطة متدرجة بالاعادة لان هذا الوجود مباين لذلك متعقب له (في). (3) الزخرف: 81.
[ 8 ]
(باب آخر منه) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن داود العجلي، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا اجاجا، فامتزج الماءان، فأخذ طينا من أديم الارض فعركه عركا شديدا، فقال لاصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال: إلى النار ولا ابالي، ثم قال: " ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " (1)، ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على اولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي (عليهم السلام) وأن المهدي أنتصر به لديني واظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخسمة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الاقرار به وهو قوله عز وجل: " ولقد عهدنا إلى
آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " قال: إنما هو: فترك (2) ثم أمر نارا فاججت (3) فقال لاصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها، وقال لاصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما، فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا، فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها، فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل لما أخرج ذرية آدم (عليه السلام) من ظهره (4) ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية
(1) الاعراف: 172. (2) أي معنى النسيان هنا الترك لان النسيان غير مجوز على الانبياء (عليهم السلام)، أو كان في قراءتهم (عليهم السلام) " فترك " مكان فنسى. ولعل السر في عدم عزم آدم على الاقرار بالمهدي استبعاده أن يكون لهذا النوع الانساني اتفاق على أمر واحد. (3) الاجيج: تلهب النار. (4) في بعض النسخ [ صلبه ].
[ 9 ]
له وبالنبوة لكل نبي فكان أول من أخذ له عليهم المثياق بنبوته محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال الله عز وجل لآدم: انظر ماذا ترى، قال: فنظر آدم (عليه السلام) إلى ذريته وهم ذر قد ملاوا السماء، قال آدم (عليه السلام): يا رب ما أكثر ذريتي ولامر ما خلقتهم؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال الله عز وجل: يعبدونني لا يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم، قال آدم (عليه السلام): يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور؟ فقال الله عز وجل: كذلك خلقتهم لابلوهم في كل حالاتهم، قال آدم (عليه السلام): يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم؟ قال الله عز وجل: تكلم فإن روحك من روحي وطبيعتك [ من ] خلاف كينونتي: قال آدم: يا رب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد و طبيعة واحدة وجبلة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء لم يبغ بعضهم
على بعض ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شئ من الاشياء، قال الله عز وجل يا آدم بروحي نطقت وبضعف طبيعتك (1) تكلفت ما لا علم لك به وأنا الخالق العالم (2)، بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيئتي يمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري صائرون، لا تبديل لخلقي، إنما خلقت الجن والانس ليعبدون وخلقت الجنة لمن أطاعني وعبدني منهم واتبع رسلي ولا ابالي وخلقت النار لمن كفر بي و عصاني ولم يتبع رسلي ولا ابالي: وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم وإنما خلقتك وخلقتهم لابلوك وأبلوهم أيكم (3) أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم فلذلك خلقت الدينا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار وكذلك أردت في تقديري وتدبيري، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم، فجعلت منهم الشقي والسعيد والبصير والاعمى والقصير والطويل والجميل والدميم (4) والعالم والجاهل والغني والفقير والمطيع والعاصي والصحيح والسقيم ومن به الزمانة ومن لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به
(1) في بعض النسخ [ قوتك ] (2) في بعض النسخ [ العليم ]. (3) في بعض النسخ [ أيهم ]. (4) الدميم: القبيح وفى بعض النسخ [ الذميم ]
[ 10 ]
العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن اعافيه ويصبر على بلائي فاثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم (1) لابلوهم في السراء والضراء وفيما اعافيهم وفيما أبتليهم وفيما اعطيهم وفيما أمنعهم وأنا الله الملك القادر، ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت واقدم من ذلك ما أخرت واؤخر من ذلك ما قدمت وأنا
الله الفعال لما اريد (2) لا اسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون. 3 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة وخلق من أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال فقلت: وأي شئ الظلال؟ فقال: ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس بشئ، ثم بعث منهم النبيين فدعوهم إلى الاقرار بالله عز وجل وهو قوله عز وجل: " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله (3) " ثم دعوهم إلى الاقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض، ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله: " ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل (4) " ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): كان التكذيب ثم. (باب) * (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أول من أجاب وأقر لله عز وجل بالربوبية) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن بعض قريش قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): بأي شئ سبقت الانبياء (5) وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ فقال: إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فكنت أنا أول نبي قال: بلى، فسبقتهم بالاقرار بالله عز وجل.
(1) في بعض النسخ [ ما هديتهم فلذلك كلفتهم ]. (2) في بعض النسخ [ يريد ]. (3) راجع لقمان: 25. (4) الاعراف: 101 (5) أي فضلا ورتبة.
[ 11 ]
2 - أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن سنان قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إني لارى بعض أصحابنا يعتريه النزق
والحدة والطيش (1) فأغتم لذلك غما شديدا وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت (2) قال: لا تقل حسن السمت فإن السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء، فان الله عز وجل يقول: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود (3) " قال: قلت: فأراه حسن السيماء وله وقار فأغتم لذلك، قال: لا تغتم لما رأيت من نزق أصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك، إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين، ثم فرقهما فرقتين، فقال لاصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني، فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى، وقال لاهل الشمال: كونوا خلقا بإذني، فكانوا خلقا بمنزلة الذر، يدرج، ثم رفع لهم نارا فقال: ادخلوها باذني، فكان أول من دخلها محمد (صلى الله عليه وآله) ثم اتبعه اولو العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم، ثم قال لاصحاب الشمال: ادخلوها بإذني، فقالوا: ربنا خلقتنا لتحرقنا؟ فعصوا، فقال لاصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النار، لم تكلم النار منهم كلما (4)، ولم تؤثر فيهم أثرا، فلما رآهم أصحاب الشمال، قالوا: ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول، قال: قد أقلتكم فادخلوها، فلما دنوا وأصابهم الوهج (5) رجعوا فقالوا: يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا، فأمرهم بالدخول ثلاثا، كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر اولئك ثلاثا، كل ذلك يطيعون ويخرجون، فقال لهم: كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم، قال: فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين.
(1) عراه واعتراه أي غشيه وأتاه. والنزق بالفتح والتحريك: الخفة عند الغضب والحدة والطيش قريبان منه (آت). (2) " حسن السمت " في المصباح: السمت: الطريق والقصد والسكينة والوقار و الهيئة
(3) الفتح: 29. (4) الكلم: الجرح. (5) الوهج بالتحريك: حر النار.
[ 12 ]
3 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن إسماعيل، عن محمد بن إسماعيل، عن سعدان بن مسلم، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأي شئ سبقت ولد آدم؟ قال: إني أول من أقر بربي، إن الله أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى، فكنت أول من أجاب. (باب) * (كيف أجابوا وهم ذر) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه، يعني في الميثاق. (باب) * (فطرة الخلق على التوحيد) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: " فطرة الله التي فطر الناس عليها (1) "؟ قال: التوحيد. 2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: " فطرة الله التي فطر الناس عليها " ما تلك الفطرة؟ قال: هي الاسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: " ألست بربكم (2) " وفيه المؤمن والكافر 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " فطرة الله التي فطر
الناس عليها " قال: فطرهم جميعا على التوحيد. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: " حنفاء لله غير مشركين به (3) "؟ قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله،
(1) الروم: 30 (2) الاعراف: 172. (3) الحج: 31.
[ 13 ]
قال: فطرهم على المعرفة به، قال زرارة: وسألته عن قول الله عز وجل: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى - الآية (1) "؟ قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسة ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربه وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، كذلك قوله: " ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله (2) ". علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فطرة الله التي فطر الناس عليها " قال: فطرهم على التوحيد، (باب) * (كون المؤمن في صلب الكافر) * 1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي ابن ميسرة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك، فلا يصيبه من الشر شئ (3)، حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشر شئ، حتى تضعه فإذا وضعته لم يصبه من الشر شئ، حتى يجري عليه القلم. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن يقطين، عن
أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قلت له: إني قد أشفقت من دعوة أبي عبد الله (عليه السلام) على يقطين وما ولد، فقال: يا أبا الحسن ليس حيث تذهب، إنما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة يجي، المطر فيغسل اللبنة ولا يضر الحصاة شيئا (4).
(1) الاعراف: 172. (2) لقمان 25. (3) في بعض النسخ [ من الشرك شئ ]. (4) أي من الضرر. وفي بعض النسخ [ شئ ] أي من الافات واللعنات والشرور
[ 14 ]
(باب) * (إذا أراد الله عز وجل أن يخلق المؤمن (1) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن إبراهيم بن مسلم الحلواني، عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن في الجنة لشجرة تسمى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة، فلا تصيب بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله عز وجل من صلبه مؤمنا. (باب) * (في أن الصبغة هي الاسلام) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة (2) " قال: الاسلام، وقال في قوله عز وجل: " فقد استمسك بالعروة الوثقى (3) "؟ قال: هي الايمان بالله وحده لا شريك له. 2 - عدة، من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد الله بن فرقد، عن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " قال: الصبغة هي الاسلام.
3 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز وجل: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " قال: الصبغة هي الاسلام. وقال في قوله عز وجل: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " قال: هي الايمان.
(1) في بعض النسخ [ باب كيفة خلق المؤمن ]. (2) البقرة: 138. (3) البقرة: 256.
[ 15 ]
(باب) * (في أن السكينة هي الايمان) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته، عن قول الله عز وجل: " أنزل السكينة في قلوب المؤمنين (1) " قال: هو الايمان، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: " وأيدهم بروح منه (2) " قال: هو الايمان. 2 - عنه، عن أحمد، عن صفوان، عن أبان، عن فضيل قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): " أولئك كتب في قلوبهم الايمان (2) " هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع؟ قال: لا. 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: السكينة الايمان. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وهشام بن سالم وغيرهما، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين " قال: هو الايمان. 5 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن جميل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز وجل: " هو الذي أنزل السكينة في قلوب
المؤمنين " قال: هو الايمان. قال: " وأيدهم بروح منه (2) " قال: هو الايمان وعن قوله: " وألزمهم كلمة التقوى (3) "؟ قال: هو الايمان. (باب الاخلاص) 1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " حنيفا مسلما (4) " قال: خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الاوثان. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه رفعه إلى أبي جعفر
(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس إنما هو الله والشيطان، والحق والباطل، والهدى والضلالة، والرشد والغي، والعاجلة والآجلة، والعاقبة، والحسنات والسيئات، فما كان من حسنات فلله وما كان من سيئات فللشيطان لعنه الله. 3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان يقول: طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع اذناه ولم يحزن صدره بما اعطي غيره. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " ليبلوكم أيكم أحسن عملا (1) " قال: ليس يعني أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وإنما الاصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة (2) ثم قال: الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل، ثم تلا قوله عز وجل: " قل كل يعمل على شاكلته (3) " يعني على نيته.
5 - وبهذا الاسناد قال: سألته عن قوله الله عز وجل " إلا من أتى الله بقلب سليم (4) " قال: القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه، قال: وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة. 6 - بهذا الاسناد، عن سفيان بن عيينة، عن السندي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما أخلص العبد الايمان بالله عز وجل أربعين يوما أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله عز وجل أربعين يوما إلا زهده الله عز وجل في الدنيا وبصره داءها ودواءها فأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه، ثم تلا: " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين (5) " فلا ترى صاحب بدعة إلا ذليلا ومفتريا على الله عز وجل وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته (صلوات الله عليهم) إلا ذليلا
(1) الملك: 2. (2) في بعض النسخ [ والخشية ]. (3) الاسراء: 84. (4) الشعراء: 89. (5) الاعراف: 151.
[ 17 ]
(باب الشرائع) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن محمد بن مروان جميعا عن أبان بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام): التوحيد والاخلاص و خلع الانداد والفطرة الحنيفية السمحة ولا رهبانية ولا سياحة، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم، ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود و الفرائض والجهاد في سبيل الله. وزاده الوضوء وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل (1) وأحل له المغنم والفئ ونصره بالرعب وجعل له الارض مسجدا
وطهورا وأرسله كافة إلى الابيض والاسود والجن والانس وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم، ثم كلف ما لم يكلف أحد من الانبياء وانزل عليه سيف من السماء، في غير غمد وقيل له: " قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك (2) ". 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة ابن مهران قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) قول الله عز وجل: " فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل (3) " فقال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) وعليهم، قلت: كيف صاروا اولي العزم؟ قال: لان نوحا بعث بكتاب وشريعة، وكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه، حتى جاء ابراهيم (عليه السلام) بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به فكل نبي جاء بعد إبراهيم (عليه السلام) أخذ بشريعة إبراهيم و منهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وشريعته ومنهاجه، وبعزيمة ترك الصحف وكل نبي جاء بعد موسى (عليه السلام) أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيح (عليه السلام) بالانجيل، وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه، حتى جاء محمد (صلى الله عليه وآله) فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال إلى
(1) من سورة محمد إلى آخر القران (2) النساء: 84. (3) الاحقاف: 35
[ 18 ]
يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء اولو العزم من الرسل (عليهم السلام). (باب) * (دعائم الاسلام) * 1 - حدثني الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد الزيادي (1)، عن الحسن بن علي الوشاء قال: حدثنا أبان بن عثمان، عن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: بني الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم (2) والحج والولاية ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية.
2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عجلان أبي صالح قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أوقفني على حدود الايمان، فقال: شهادة أن لا إلة إلا الله وأن محمدا رسول الله والاقرار بما جاء به من عند الله وصلوة الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين. 3 - أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عباس بن عامر، عن أبان بن عثمان، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن العرزمي، عن أبيه، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال: أثافي الاسلام (3) ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها. 5 - علي بن ابراهيم، عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شئ من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لانها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن، قلت: ثم الذي
(1) كذا. (2) في بعض النسخ [ والصيام ]. (3) الاثافي جمع الاثفية بالضم والكسر وهي الاحجار التى توضع عليها القدر وأقلها ثلاثة.
[ 19 ]
يلي ذلك في الفضل؟ فقال: الصلاة إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الصلاة عمود دينكم، قال: قلت: ثم الذي يليها في الفضل؟ قال: الزكاة لانه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الزكاة تذهب الذنوب. قلت: والذي يليها في الفضل؟
قال: الحج قال الله عز وجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (1) " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لحجة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه اسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال: قلت: فماذا يتبعه؟ قال: الصوم قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصوم جنة من النار، قال: ثم قال: إن أفضل الاشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه، إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شئ مكانها دون أدائها وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك وليس من تلك الاربعة شئ يجزيك مكانه غيره، قال: ثم قال ذروة الامر وسنامه ومفتاحه وباب الاشياء و رضا الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: " من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (2) " أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الايمان، ثم قال: اولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته. 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أخبرني بدعائم الاسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شئ منها، الذي من قصر عن معرفة شئ منها فسد دينه ولم يقبل [ الله ] منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله
(1) آل عمران: 97. (2) النساء: 80.
[ 20 ]
ولم يضق (1) به مما هو فيه لجهل شئ من الامور جهله؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله والايمان بأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الاموال الزكاة، والولاية التي أمر الله عز وجل بها: ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله)، قال: فقلت له: هل في الولاية دون شئ فضل (2) يعرف لمن أخذ به؟ قال: نعم قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا أطيعو الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم (3) " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان عليا (عليه السلام) وقال الآخرون: كان معاوية، ثم كان الحسن (عليه السلام) ثم كان الحسين (عليه السلام) وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء (4) قال: ثم سكت ثم قال: أزيدك؟ فقال له حكم الاعور: نعم جعلت فداك قال: ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد بن علي أبا جعفر وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس وهكذا يكون الامر والارض لا تكون إلا بامام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذ بلغت نفسك (5)
(1) أي لم يضق عليه شئ مما هو فيه وفى بعض النسخ [ لم يضر به ]. على البناء للمفعول و " جهله " فعل ماض و " من " في " مما " صلة الضرر. أو على البناء للفاعل و " جهله " على المصدر فاعله ومن ابتدائية والجملة معترضة يقال: ضره وضربه. (2) يمكن أن يكون المراد: هل في الامامة شرط مخصوص وفضل معلوم، يكون في رجل خاص من آل محمد بعينه يقتضى أن يكون هو ولى الامر دون غيره " يعرف هذا الفضل لمن أخذ به " أي بذلك الفضل وادعاه وادعى الامامة فيكون من أخذ به الامام أو يكون معروفا لمن أخذ و تمسك به وتابع إماما بسببه ويكون حجته على ذلك، فالمراد بالموصول الموالى للامام ويمكن
أن يكون المراد به هل في الولاية دليل خاص يدل على وجوبها ولزومها " فضل " أي فضل بيان وحجة وربما يقرء بالصاد أي برهان فاصل قاطع يعرف هذا البرهان لمن أخذ به أي بذلك البرهان والاخذ يحتمل الوجهين ولكل منهما شاهد في ما سيأتي. وحاصل الجواب أنه لما أمر الله بطاعة اولى الامر مقرونة بطاعة الرسول وبطاعته فيجب طاعتهم ولابد من معرفتهم (آت). (3) النساء: 59. (4) أي ان ذلك الرجل اولا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم كان عليا وقال الاخرون: بل كان معاوية في زمن على إماما دون على، ثم كان الحسن (عليه السلام) إماما بعد على (عليه السلام) ثم كان الحسين (عليه السلام) بعد الحسن (عليه السلام) إماما وقال الاخرون: بل كان يزيد بن معاوية بعد معاوية إماما مع الحسين بعد على (عليه السلام) " ولا سواء " أي لا سواء على ومعاوية ولا الحسين (عليه السلام) ويزيد حتى لا يعرف الفضل ويلتبس الامر (في). (5) في بعض النسخ [ نفسه ].
[ 21 ]
هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - وانقطعت عنك الدنيا تقول: لقد كنت على أمر حسن (1). أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عيسى بن السري أبي اليسع، عن ابي عبد الله (عليه السلام) مثله. 7 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنى الحناط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمس: الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. 8 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن أبان عن فضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشئ ما نودي بالولاية يوم الغدير. 9 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد بن عثمان، عن عيسى بن السري قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): حدثني عما بنيت عليه دعائم الاسلام
إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرني جهل ما جهلت بعده، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الاموال من الزكاة، والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، قال الله عز وجل: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم (2) " فكان علي (عليه السلام)، ثم صار من بعده حسن ثم من بعده حسين ثم من بعده علي بن الحسين، ثم من بعده محمد بن علي، ثم هكذا يكون الامر، إن الارض لا تصلح إلا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه ههنا - قال: وأهوى بيده إلى صدره - يقول حينئذ: لقد كنت على أمر حسن 10 - عنه (3)، عن أبي الجارود قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم؟ قال: فقال: نعم، قال:
(1) وهو الاقرار بالولاية ومتابعة ولي الامر (لح). (2) النساء: 59. (3) الضمير - كانه - راجع إلى عيسى بن السرى.
[ 22 ]
فقلت: فإني أسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كل حين قال: هات حاجتك، قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله عز و جل به أنت وأهل بيتك لادين الله عز وجل به قال: إن كنت أقصرت الخطبة (1) فقد أعظمت المسألة والله لاعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عز وجل به، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاقرار بما جاء به من عند الله والولاية لولينا والبراءة من عدونا والتسليم لامرنا وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع. 11 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن علي ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك
أخبرني عن الدين الذي افترض الله عز وجل على العباد، مالا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال: أعد علي فأعاد عليه، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان، ثم سكت قليلا، ثم قال: والولاية - مرتين -، ثم قال: هذا الذي فرض الله على العباد ولا يسأل الرب العباد يوم القيامة فيقول ألا زدتني (2) على ما افترضت عليك؟ ولكن من زاد زاده الله، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سن سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الاخذ بها. 12 - الحسين بن محمد (3)، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن فضالة بن أيوب عن أبي زيد الحلال، عن عبد الحميد بن أبي العلاء الازدي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل فرض على خلقه خمسا فرخص في أربع ولم يرخص في واحدة (4). 13 - عنه، عن معلى بن محمد، عن الوشاء عن أبان، عن إسماعيل الجعفي قال: دخل رجل على أبي جعفر (عليه السلام) ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هذه صحيفة
(1) الظاهر أن الخطبة بضم الخاء أي ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب (آت) (2) " ألا " بالتشديد حرف تحضيض وإذا دخل على الماضي يكون للتعيير والتنديم وكان المعنى انه لا يسأل عن شئ سوى هذه من جنسها كما انه من أتى بالصلوات الخمس لا يسأل الله عن النوافل ومن أتى بالزكاة الواجبة لا يسأل عن الصدقات المستحبة وهكذا (آت). (3) في بعض النسخ [ الحسين بن على ] وفي بعضها [ على بن محمد ]. (4) لعل وجه الرخصة في الاربع سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء وعن فاقد الطهورين أيضا إن قلنا به والزكاة عمن لم يبلغ ماله النصاب والحج عمن لم يستطع والصوم عن الذين يطيقونه.
[ 23 ]
مخاصم يسأل (1) عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال: رحمك الله هذا الذي اريد، فقال أبو جعفر (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله
وتقر بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا والتسليم لامرنا والورع والتواضع وانتظار قائما فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها. 14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وأبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان، عن عمرو بن حريث قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت له: جعلت فداك ما حولك إلى هذا المنزل؟ قال طلب النزهة (2) فقلت: جعلت فداك ألا أقص عليك ديني؟ فقال: بلى، قلت: أدين الله بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده (صلوات الله عليهم أجمعين) وأنكم أئمتي عليه أحيا وعليه أموت وأدين الله به فقال: يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السر والعلانية، فاتق الله وكف لسانك إلا من خير ولا تقل إني هديت نفسي بل الله هداك فأد شكر ما أنعم الله عز وجل به عليك ولا تكن ممن إذا أقبل طعن في عينه وإذا أدبر طعن في قفاه (3) ولا تحمل الناس على كاهلك (4) فإنك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك (5). 15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: ألا أخبرك بالاسلام أصله وفرعه
(1) مخاصم أي مناضر مجادل سائل وفي بعض النسخ [ سأل ] أي فيها ويحتمل على هذه النسخة أن يكون " مخاصم " اسم رجل (آت). (2) النزهة البعد عن الخلق وفى القاموس التنزه: التباعد والاسم النزهة بالضم. (3) أي كن من الاخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ولا تكن من الاشرار الذين يذمهم الناس في حضورهم وغيبتهم، أو أمر بالتقية من المخالفين، أو حسن المعاشرة مطلقا (آت). (4) أي لا تسلط الناس على نفسك بترك التقية، أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة
والمداراة معهم بحيث تتضرر بذلك. كأن يضمن لهم ويتحمل عنهم ما لا يطيق أو يطمعهم في أن يحكم بخلاف الحق أو يوافقهم فيما لا يحل وهذا أقيد وإن كان الاول أظهر (آت). (5) الشعب بعد ما بين المنكبين.
[ 24 ]
وذروة سنامه؟ (1) قلت: بلى جعلت فداك قال: أما أصله فالصلاة وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد (2)، ثم قال: إن شئت أخبرتك بأبواب الخير؟ قلت: نعم جعلت فداك قال: الصوم جنة من النار، والصدقة تذهب بالخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل بذكر الله، ثم قرأ (عليه السلام): " تتجافى جنوبهم عن المضاجع ". (باب) * (أن الاسلام يحقن به الدم [ وتؤدى به الامانة ] وأن الثواب على الايمان) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن أيمن، عن القاسم الصيرفي شريك المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الاسلام يحقن به الدم، وتؤدى به الامانة، وتستحل به الفروج، والثواب على الايمان. 2 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الايمان إقرار وعمل، والاسلام إقرار بلا عمل. 3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم (3) " فقال لي: ألا ترى أن الايمان غير الاسلام. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سفيان بن السمط قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الاسلام والايمان، ما الفرق بينهما، فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق وقد أزف (4) من الرجل الرحيل، فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام): كأنه قد أزف منك رحيل؟ فقال: نعم فقال: فالقني في البيت، فلقيه فسأله عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما، فقال: الاسلام هو الظاهر الذي (عليه الناس): شهادة أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام، وقال: الايمان معرفة
(1) الاضافة بيانية أو لامية إذ للسنام الذي هو ذروة البعير ذروة أيضا هي أرفع اجزائه (آت). (2) الجهاد ذروة سنامه لانه سبب لعلو الاسلام (آت). (3) الحجرات: 14. (4) أي قرب وفى القاموس أزف الترحل كفرح أزوفا وأزفا: دنا.
[ 25 ]
هذا الامر مع هذا فان أقر بها ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالا. 5 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد جميعا عن الوشاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: " قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا (1) " فمن زعم أنهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنهم لم يسلموا فقد كذب. 6 - أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حكم بن أيمن (2) عن قاسم شريك المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الاسلام يحقن به الدم وتؤدى به الامانة وتستحل به الفروج، والثواب على الايمان. (باب) * (ان الايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سماعة قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن الاسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال: إن الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله)، به
حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس، والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام وما ظهر من العمل به والايمان أرفع من الاسلام بدرجة، إن الايمان يشارك الاسلام في الظاهر والاسلام لا يشارك الايمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة. 2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن موسى بن بكر، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان.
(1) الحجرات: 14. (2) في بعض النسخ [ حكم بن أعين ].
[ 26 ]
3 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الايمان يشارك الاسلام ولا يشاركه الاسلام، إن الايمان ما وقر في القلوب (1) والاسلام ما عليه المناكح والمواريث و حقن الدماء، والايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب عن أبي الصباح الكناني قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أيهما أفضل: الايمان أو الاسلام؟ فان من قبلنا يقولون: إن الاسلام أفضل من الايمان، فقال: الايمان أرفع من الاسلام قلت؟ فأوجدني ذلك (2)، قال: ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا؟ قال: قلت: يضرب ضربا شديدا قال: أصبت، قال: فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قلت: يقتل، قال: أصبت ألا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد وأن الكعبة تشرك المسجد والمسجد لا يشرك الكعبة وكذلك الايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان.
5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ; ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الايمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامره والاسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا إلى الايمان، والاسلام لا يشرك الايمان والايمان يشرك الاسلام وهما في القول والفعل يجتمعان، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان وقد قال الله عز وجل: " قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم (3) " فقول الله عز وجل أصدق القول قلت: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شئ من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال: لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم
(1) وقر في القلب أي سكن فيه وثبت من الوقار. (2) أي أظفرني ذلك. (3) الحجرات: 14
[ 27 ]
في أعمالهما وما يتقربان به إلى الله عز وجل، قلت: أليس الله عز وجل يقول: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (1) " وزعمت أنهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن؟ قال: أليس قد قال الله عز وجل: " يضاعفه له أضعافا كثيرة (2) " فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عز وجل لهم حسناتهم لكل حسنة سبعون ضعفا، فهذا فضل المؤمن ويزيدة الله في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير، قلت: أرأيت من دخل في الاسلام أليس هو داخلا في الايمان؟ فقال: لا ولكنه قد اضيف إلى الايمان وخرج من الكفر وسأضرب لك مثلا تعقل به فضل الايمان على الاسلام، أرأيت لو بصرت رجلا في المسجد أكنت تشهد أنك رأيته في الكعبة؟
قلت: لا يجوز لي ذلك، قال: فلو بصرت رجلا في الكعبة أكنت شاهدا أنه قد دخل المسجد الحرام، قلت: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قلت: إنه لا يصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد، فقال: قد أصبت وأحسنت، ثم قال: كذلك الايمان والاسلام. (باب) * (آخر منه وفيه أن الاسلام قبل الايمان) * 1 - علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أساله عن الايمان ما هو؟ فكتب إلي مع عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالاركان والايمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الايمان، ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام فان تاب واستغفر عاد إلى دار الايمان ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال
(1) الانعام: 160. (2) البقرة: 245.
[ 28 ]
أن يقول للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان، داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الايمان والاسلام قلت له: أفرق بين الاسلام والايمان قال: فأضرب لك مثله؟ قال: قلت: أورد ذلك، قال: مثل الايمان والاسلام مثل الكعبة
الحرام من الحرم قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة ولا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم وقد يكون مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، قال: قلت: فيخرج من الايمان شئ؟ قال: نعم، قلت: فيصيره إلى ماذا؟ قال: إلى الاسلام أو الكفر. وقال: لو أن رجلا دخل الكعبة فأفلت منه بوله اخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهر، ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه. (باب) (1) 1 - علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن [ أ ] ناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله (2) " الآية فالمنسوخات من المتشابهات، والمحكمات من الناسخات، إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه " أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون (3) " ثم دعاهم إلى الله
(1) انما لم يعنون الباب لانه قريب من البابين السابقين في انه مشتمل على معاني الاسلام والايمان لكن لما كان فيه زيادة تفصيل وتوضيح وفوائد كثيرة جعله بابا آخر (آت). (2) آل عمران: 7. (3) نوح: 3.
[ 29 ]
وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم بعث الانبياء (عليهم السلام) على ذلك إلى أن بلغوا محمدا (صلى الله عليه وآله) فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا
الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (1) " فبعث الانبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بما جاء [ به ] من عند الله فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها، فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا والشرعة و المنهاج سبيل وسنة وقال الله لمحمد (صلى الله عليه وآله): " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده (2) " وأمر كل نبي بالاخذ بالسبيل والسنة وكان من السنة و السبيل التي أمر الله عز وجل بها موسى (عليه السلام) أن جعل الله عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله، أدخله الله الجنة ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من عمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عز وجل النار وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى (عليه السلام)، قال الله عز وجل: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين (3) " ثم بعث الله عيسى (عليه السلام) بشهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بما جاء به من عند الله وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت السبت الذي امروا به أن يعظموه قبل ذلك وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله الله النار وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا، ثم بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) و هو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله إلا أدخله الله الجنة باقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله
(1) الشورى: 13. (2) النساء: 163. (3) البقرة: 62.
[ 30 ]
أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد (صلى الله عليه وآله) على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا - إلى قوله تعالى - إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شئ مما نهى عنه وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا * ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا * ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا * وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا * ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا * ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا " وأنزل في " والليل إذا يغشى " " فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصليها إلا الاشقى الذي كذب وتولى " فهذا مشرك وأنزل في " إذا السماء انشقت " " وأما من أوتي كتابه وراء ظهره. فسوف يدعو ثبورا. ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور (1) بلى " فهذا مشرك وأنزل في [ سورة ] تبارك " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالو بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا: ما نزل الله من شئ " فهؤلاء مشركون وأنزل في الواقعة " وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم " فهؤلاء مشركون وأنزل في الحاقة " وأما من اوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم اوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كان القاضية * ما أغنى عني ماليه - إلى قوله - إنه كان لا يؤمن بالله العظيم " فهذا مشرك، وأنزل في
طسم (2) " وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أينما كنتم تعبدون * من دون الله هل
(1) الحور: الرجوع. (2) يعني سورة الشعراء 91 - 100.
[ 31 ]
ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون " جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله: " وما أضلنا إلا المجرمون " يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمد (صلى الله عليه وآله) ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد وتصديق ذلك قول الله عز وجل: " كذبت قبلهم قوم نوح (1) " " كذب أصحاب الايكة (2) " " كذبت قوم لوط (3) " ليس فيهم اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله ولا النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، سيدخل الله اليهود والنصارى النار ويدخل كل قوم بأعمالهم، وقولهم: وما أضلنا إلا المجرمون " إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عز وجل فيهم حين جمعهم إلى النار: " قالت اوليهم لاخريهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار (4) " وقوله: " كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا (4) " برئ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا، يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج (5) فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولات حين نجاة والايات وأشباههن مما نزل به بمكة ولا يدخل الله النار إلا مشركا، فلما أذن الله لمحمد (صلى الله عليه وآله) في الخروج من مكة إلى المدينة بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار لمن عمل بها وأنزل في بيان القاتل " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (6) " ولا يلعن الله مؤمنا قال الله عز وجل: " إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا (7) " وكيف يكون في المشيئة
وقد ألحق به - حين جزاه جهنم - الغضب واللعنة وقد بين ذلك من الملعونون في كتابه وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (8) " وذلك أن آكل مال اليتيم يجيئ يوم
(1) ص: 12. (2) الشعراء 176. (3) الشعراء: 160. (4) الاعراف: 36 والاية هكذا " قالت اخريهم لاوليهم ". وقوله: " كلما دخلت... الخ " مقدم على السابق وهو من سهو النساخ. (5) الفلج: الفوز والظفر والافلات: التخلص من الشئ. (6) النساء: 95. (7) الاحزاب: 65 و 66. (8) النساء: 169.
[ 32 ]
القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه حتى يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم وأنزل في الكيل " ويل للمطففين (1) " ولم يجعل الويل لاحد حتى يسميه كافرا، قال الله عز وجل: " فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم (2) " وأنزل في العهد " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا اولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (3) " والخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شئ يدخل الجنة وأنزل بالمدينة " الزاني لا ينكح ألا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين (4) " فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): - ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال -: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن فانه إذا فعل ذلك خلع عنه الايمان كخلع القميص، ونزل بالمدينة " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (5) " فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالايمان، قال الله عز وجل: " أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون (6) " وجعله الله منافقا، قال الله عز وجل: " إن المنافقين هم الفاسقون (7) " وجعله عز وجل من أولياء إبليس، قال: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه (8) " وجعله ملعونا فقال: " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون (9) " وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز وجل: " فأما من اوتي كتاب بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا (10) " وسورة
(1) المطففين: 2. والتطفيف: نقص المكيال. (2) مريم: 38. (3) آل عمران: 71. (4) النور: 4. (5) النور: 5. (6) السجدة: 18 (7) التوبة: 67 (8) الكهف: 48 (9) النور: 23 و 24. (10) الاسراء: 74. والاية هكذا " فمن اوتى كتابه... الخ ": وفتيلا أي ادنا شئ،
[ 33 ]
النور انزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة النساء " واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (1) " والسبيل الذي قال الله عز وجل: " سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون * الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (2) ". 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن فضيل عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قيل لامير المؤمنين (عليه السلام): من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مؤمنا؟ قال: فأين فرائض الله؟.
قال: وسمعته يقول: كان علي (عليه السلام) يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام. قال: وقلت لابي جعفر (عليه السلام): إن عندنا قوما يقولون: إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو مؤمن، قال: فلم يضربون الحدود ولم تقطع أيديهم؟! وما خلق الله عز وجل خلقا أكرم على الله عز وجل من المؤمن، لان الملائكة خدام المؤمنين وأن جوار الله للمؤمنين وأن الجنة للمؤمنين وأن الحور العين للمؤمنين، ثم قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا؟. 3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن سلام الجعفي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الايمان، فقال: الايمان أن يطاع الله فلا يعصى. (باب) * (في أن الايمان مبثوت لجوارح البدن كلها) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أيها العالم أخبرني أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: ما لا يقبل الله شيئا إلا به، قلت: وما هو؟ قال:
(1) النساء: 14. (2) النور: 1 و 2.
[ 34 ]
الايمان بالله الذي لا إله إلا هو، أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا، قال: قلت ألا تخبرني عن الايمان، أقول هو وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بين في كتابه، واضح نوره، (1) ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب (2) ويدعوه إليه، قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه، قال: الايمان (3) حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه، قلت: إن الايمان ليتم وينقص ويزيد؟ قال: نعم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لان الله تبارك و
تعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره و منها عيناه اللتان يبصر بهما واذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله، ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها بفرض من الله تبارك اسمه، ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها. ففرض على القلب غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله (صلوات الله عليه وآله) والاقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله
(1) " واضح نوره " صفة للفرض وكذا " ثابتة حجته " (في). (2) " يشهد له " أي لكونه عملا أو للعامل. " به " أي بذلك الفرض. " ويدعوه إليه " أي يدعو العامل إلى ذلك الفرض (في). (3) في بعض النسخ (للايمان).
[ 35 ]
عز وجل: " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا (1) " وقال: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب (2) " وقال: " الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن
قلوبهم (3) " وقال: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (4) " فذلك ما فرض الله عز وجل على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال الله تبارك وتعالى " وقولوا للناس حسنا (5) " وقال: " قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (6) " فهذا ما فرض الله على اللسان وهو عمله وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز وجل عنه والاصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل فقال في ذلك: " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره (7) " ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان فقال: " وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (8) وقال: " فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم الله واولئك هم اولوا الالباب (9) " وقال عز و جل: " قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون (10) " وقال: إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم (11) " وقال: " وإذا مروا باللغو مروا كراما (12) " فهذا ما فرض الله على السمع من الايمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عليه وأن يعرض عما نهى الله عنه، مما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان، فقال تبارك وتعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم (13) " فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه وقال: " وقل للمؤمنات
يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن (1) " من أن تنظر إحداهن إلى فرج اختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها وقال: كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر (2) ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم (3) " يعني بالجلود: الفروج والافخاذ وقال: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا (4) " فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عز وجل وهو عملهما وهو من الايمان وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله عز وجل وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلاة، فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين (5) " وقال: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها (6) " فهذا ما فرض الله على اليدين لان الضرب من علاجهما (7) وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شئ من معاصي الله وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عز وجل فقال: " ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا " (8) وقال: " واقصد في مشيك و اغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير " (9) وقال فيما شهدت الايدي والارجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه عليهما: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (10) "
فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الايمان وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال: " يا أيها الذين آمنوا
(1) النور: 31. (2) وذلك لان حفظ الفرج هنا قد قرن بغض البصر فصار كل واحد منهما قرينة متممة للاخر نافية لاطلاقه على حد صنعة الاحتباك والتقدير: قل للمؤمنين يغضوا ابصارهم من فروج المؤمنين والمؤمنات ويحفضوا فروجهم من أبصار المؤمنين والمؤمنات. (3) فصلت: 22. (4) الاسراء: 36. (5) المائدة: 6. (6) محمد (صلى الله عليه وآله): 4. (7) العلاج: المزاولة. (8) لقمان: 18. (9) لقمان: 19. (10) يس: 65.
[ 37 ]
اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون (1) " فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين وقال: في موضع آخر: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا (2) " وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلك أن الله عز وجل لما صرف نبيه (صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عز وجل " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم (3) " فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله عز وجل حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل عليها لقي الله عز وجل مستكملا لايمانه وهو من أهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما أمر الله عز وجل فيها لقي الله عز وجل ناقص الايمان، قلت: قد فهمت نقصان الايمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال: قول الله عز وجل: " وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم (4) " وقال: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (5) " ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على الآخر ولاستوت النعم فيه ولاستوى الناس وبطل التفضيل
ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النار. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه (6)، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، جميعا، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن عبيد الله بن [ الحسن (7)، عن الحسن بن ] هارون قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا " قال: يسأل السمع عما سمع والبصر عما نظر إليه والفؤاد عما عقد عليه.
(1) الحج: 77. (2) الجن: 18. (3) البقرة: 143. (4) التوبة: 126. (5) الكهف: 13. (6) الظاهر زيادة " عن أبيه " من النساخ لان محمد بن يحيى عطف على العدة والبرقي هو محمد بن خالد كما هو المصرح به في بعض النسخ وأحمد البرقى وابن عيسى يرويان عن محمد البرقى (آت). (7) في بعض النسخ [ عبد الله بن الحسن ].
[ 38 ]
3 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان أو غيره، عن العلاء عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الايمان فقال: شهادة أن لا إله إلا الله [ وأن محمدا رسول الله ] والاقرار بما جاء من عند الله وما استقر في القلوب من التصديق بذلك، قال: قلت: الشهادة أليست عملا؟ قال: بلى، قلت: العمل من الايمان؟ قال: نعم الايمان لا يكون إلا بعمل والعمل منه ولا يثبت الايمان إلا بعمل. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما الاسلام؟ فقال دين الله اسمه الاسلام وهو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم (1) وبعد أن تكونوا
فمن أقر بدين الله فهو مسلم ومن عمل بما أمر الله عز وجل به فهو مؤمن. 5 - عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب ابن الحر، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال له سلام (2): إن خيثمة ابن أبي خيثمة يحدثنا عنك أنه سألك عن الاسلام فقلت له: إن الاسلام من استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا ونسك نسكنا ووالى ولينا وعادى عدونا فهو مسلم فقال: صدق خيثمة، قلت: وسألك عن الايمان فقلت: الايمان بالله والتصديق بكتاب الله وأن لا يعصي الله، فقال: صدق خيثمة. 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله عن الايمان، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: قلت: أليس هذا عمل قال: بلى قلت: فالعمل من الايمان؟ قال: لا يثبت له (3) الايمان إلا بالعمل والعمل منه. 7 - بعض أصحابنا، عن علي بن العباس، عن علي بن ميسر، عن حماد بن عمرو النصيبي قال: سأل رجل العالم (عليه السلام) فقال: أيها العالم أخبرني أي الاعمال
(1) أي قبل أن تكونوا في عالم من العوالم وبعد أن تكونوا في أحد العولم (آت) (2) " سلام " يحتمل المستنير الجعفي وابن أبى عمرة الخراساني وكلاهما مجهولان من أصحاب الباقر (عليه السلام) وخيثمة بفتح الخاء ثم الياء المثناة الساكنة ثم المثلثة المفتوحة غير مذكور في الرجال (آت). (3) الضمير راجع إلى المؤمن المدلول عليه بالايمان (آت).
[ 39 ]
أفضل عند الله؟ قال: ما لا يقبل عمل إلا به، فقال: وما ذلك؟ قال: الايمان بالله، الذي هو أعلى الاعمال درجة (1) وأسناها حظا وأشرفها منزلة، قلت: أخبرني عن الايمان أقول وعمل أم قول بلا عمل؟ قال الايمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بينه في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد به الكتاب ويدعو
إليه، قلت: صف لي ذلك حتى أفهمه، فقال: إن الايمان (2) حالات ودرجات و طبقات ومنازل فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص المنتهى نقصانه ومنه الزائد الراجح زيادته، قلت: وإن الايمان ليتم ويزيد وينقص؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح بني آدم وقسمه عليها وفرقه عليها فليس من جوارحهم جارحة إلا وهي موكلة من الايمان بغير ما وكلت به اختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا تورد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره، ومنها يداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه (3) من قبله ولسانه الذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها، وعيناه اللتان يبصر بهما، واذناه اللتان يسمع بهما وفرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحدا، صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله. 8 - محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن الاشعث بن محمد، عن محمد بن
(1) هذا الحديث جزء من الحديث الاول بتغييرات مخلة منها هذا القول: " بالله الذي هو " فان الصحيح " بالله الذي لا إله إلا هو " وقوله: " بينه " الاصح " بين " وقوله: " المنتهى نقصانه " الصحيح " البين نقصانه " وقوله: " لا تورد الجوارح " الاصح " لا ترد " وقوله: " ينطق به الكتاب " يظهر مما مر أنه سقط هنا نحو من سطرين - من ينطق به إلى ينطق به - ويمكن أن يتكلف في تصحيح ما في النسخ بما لا يخلو من بعد (آت - ملخصا). (2) في بعض النسخ [ ان للايمان ].
(3) الباه مثل الجاه لغة من الباءة وهو الجماع.
[ 40 ]
حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والايمان وقال: إنهم يحتجون علينا ويقولون: كما أن الكافر عندنا هو الكافر عند الله فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بايمانه أنه عند الله مؤمن، فقال: سبحان الله وكيف يستوي هذان والكفر إقرار من العبد فلا يكلف بعد إقراره ببينة والايمان دعوى لا يجوز إلا ببينة وبينته عمله ونيته فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن والكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل والاحكام تجري على القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالايمان ويجري عليه أحكام المؤمنين و هو عند الله كافر وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله. (باب) * (السبق إلى الايمان) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن للايمان درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم، قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان (1)، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا، تفاضل لذلك أوائل هذه الامة وأواخرها ولو لم يكن للسابق إلى الايمان فضل على المسبوق إذا للحق آخر هذه الامة أولها، نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الايمان الفضل على من أبطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين وبالابطاء عن الايمان أخر الله المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الاولين
وأكثرهم صلاة وصوما وحجا وزكاة وجهادا وإنفاقا ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الاولين ولكن أبى الله عز وجل أن يدرك آخر درجات الايمان أولها، ويقدم فيها من أخر
(1) الرهان: المسابقة على الخيل.
[ 41 ]
الله أو يؤخر فيها من قدم الله. قلت: أخبرني عما ندب الله عز وجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الايمان، فقال: قول الله عز وجل: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله (1) " وقال: " السابقون السابقون اولئك المقربون (2) " وقال: " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه (3) " فبدأ بالمهاجرين الاولين على درجة سبقهم، ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده، ثم ذكر ما فضل الله عز وجل به أولياءه بعضهم على بعض، فقال عز وجل: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات - إلى آخر الآية - (4) " وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض (5) " وقال: " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (6) " وقال: " هم درجات عند الله (7) " وقال: " ويؤت كل ذي فضل فضله (8) " وقال: " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله (9) " وقال: " فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما * درجات منه ومغفرة ورحمة (10) " وقال: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا (11) " وقال: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات (12) " وقال: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة
في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح (13) " وقال: " وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله (14) " وقال:
(1) كذا في سورة الحديد وفي سورة آل عمران " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " وكان مقتضى الجمع بين الايتين أن المراد بالمسارعة: المسابقة أي سارعوا مسابقين إلى سبب مغفرة من ربكم من الايمان والاعمال الصالحة. و " جنة " أي إلى الجنة و " عرضها كعرض السماء والارض " في آل عمران " عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين " (آت). (2) الواقعة 10 و 11. (3) التوبة: 100. (4) البقرة: 253. (5) الاسراء: 55. (6) الاسراء: 21. (7) آل عمران: 163 (8) هود: 3. (9) التوبة: 20. (10) النساء: 96. (11) الحديد: 10. (12) المجادلة: 11. (13) التوبة: 120 (14) البقرة: 110.
[ 42 ]
" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " فهذا ذكر درجات الايمان ومنازله عند الله عز وجل (1). (باب) * (درجات الايمان) * 1 - عدة، من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن بن محبوب، عن عمار بن أبي الاحوص، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل وضع الايمان على سبعة أسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم، ثم قسم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل، محتمل، وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى [ ال ] سبعة، ثم قال:
لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم (1) ثم قال: كذلك حتى ينتهي إلى [ ال ] سبعة. 2 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم، عن أبي اليقظان، عن يعقوب بن الضحاك، عن رجل من أصحابنا سراج وكان خادما لابي عبد الله (عليه السلام)
(1) الغرض من هذا الحديث بيان أن تفاضل درجات الايمان بقدر السبق والمبادرة إلى أجابة الدعوة إلى الايمان وهذا يحتمل عدة معان أحدها أن يكون المراد بالسبق السبق في الذر وعند الميثاق فالمراد أوائلها واواخرها في الاقرار والاجابة هناك فالفضل للمتقدم والثاني أن يكون المراد بالسبق السبق في الشرف والرتبة والعلم والحكمة وزيادة العقل والبصيرة في الدين ووفور الايمان ولا سيما اليقين، وعلى هذا فالمراد بأوائلها واواخرها أوائلها وأواخرها في مراتب الشرف والعقل والعلم والثالث أن يكون المراد بالسبق السبق الزمانى في الدنيا عند دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهم إلى الايمان والمراد بأوائل هذه الامة وأواخرها أوائلها وأواخرها في الاجابة للنبى (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبول الاسلام والتسليم بالقلب والانقياد للتكاليف الشرعية طوعا ويعرف الحكم في سائر الازمنة بالمقايسة. والرابع أن يراد بالسبق السبق الزماني عند بلوغ الدعوة فيعم الازمنة المتأخرة عن زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا المعنى يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد بالاوائل والاواخر ما ذكرناه وكذا السبب في الفضل، والاخر أن يكون المراد بالاوائل من كان في زمن النبي وبالاواخر من كان بعد ذلك ويكون سبب فضل الاوائل صعوبة قبول الاسلام وترك ما نشأوا عليه في ذلك الزمن وسهولته فيما بعد لاستقرار الامر وظهور الاسلام وانتشاره في البلاد مع أن الاوائل سبب لاهتداء الاواخر إذ بهم وبنصرتهم إستقر ما استقر وقوى ما قوى وبان ما استبان والله المستعان (في). (3) " فتبهضوهم " بالمعجمة أي تثقلوا عليهم وتوقعوهم في الشدة.
[ 43 ]
قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال: فانطلقنا فيها ثم رجعنا مغتمين (1) قال: وكان فراشي في الحائر الذي كنا فيه نزولا، فجئت وأنا بحال (2) فرميت بنفسي فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) قد أقبل قال: فقال قد أتيناك أو قال: جئناك، فاستويت جالسا وجلس على صدر فراشي فسألني عما بعثني له فأخبرته. فحمد الله ثم جرى ذكر قوم فقلت: جعلت فداك إنا نبرأ (3) منهم، إنهم لا يقولون ما نقول. قال: فقال: يتولونا ولا يقولون ما تقولون تبرؤون منهم؟ قال: قلت: نعم قال: فهوذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟ قال: قلت: لا - جعلت فداك - قال: وهوذا عند الله ما ليس عندنا أفتراه أطرحنا؟ قال: قلت: لا والله جعلت فداك ما نفعل؟ قال: فتولوهم ولا تبرؤوا منهم، إن من المسلمين من له سهم ومنهم من له سهمان ومنهم من له ثلاثة أسهم، ومنهم من له أربعة أسهم، و منهم من له خمسة أسهم، ومنهم من له ستة أسهم، ومنهم من له سبعة أسهم، فليس ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الاربعة ولا صاحب الاربعة على ما عليه صاحب الخمسة ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب الستة ولا صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة، وسأضرب لك مثلا إن رجلا كان له جار وكان نصرانيا فدعاه إلى الاسلام وزينه له فأجابه فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب فقال له: من هذا؟ قال: أنا فلان قال: وما حاجتك؟ فقال: توضأ والبس ثوبيك ومر بنا إلى الصلاة قال: فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه، قال: فصليا ما شاء الله ثم صليا الفجر ثم مكثا حتى أصبحا، فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله، فقال له الرجل: أين تذهب؟ النهار قصير والذي بينك وبين الظهر قليل؟ قال: فجلس معه إلى أن صلى الظهر، ثم قال: وما بين الظهر والعصر قليل فاحتبسه حتى صلى العصر،
قال. ثم قام وأراد أن ينصرف إلى منزله فقال له: إن هذا آخر النهار وأقل من
(1) أي عند غروب الشمس. وفى بعض النسخ [ معتمين ] بالمهملة، قيل: أي وقت صلاة العتمة (2) أي بحال سوء من الغم (في). (3) في بعض النسخ [ أنا أبرء ].
[ 44 ]
أوله فاحتبسه حتى صلى المغرب ثم أراد أن ينصرف إلى منزله فقال له: إنما بقيت صلاة واحدة قال: فمكث حتى صلى العشاء الآخرة ثم تفرقا فلما كان سحيرا غدا عليه فضرب عليه الباب فقال: من هذا؟ قال: أنا فلان، قال: وما حاجتك؟ قال: توضأ والبس ثوبيك واخرج بنا فصل، قال: اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني وأنا إنسان مسكين وعلي عيال، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أدخله في شئ أخرجه منه - أو قال: أدخله من مثل ذه وأخرجه من مثل هذا -. (باب آخر منه) 1 - أحمد بن محمد، عن الحسن بن موسى: عن أحمد بن عمر، عن يحيى بن أبان، عن شهاب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو علم الناس كيف خلق الله تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا (1) فقلت: أصلحك الله فكيف ذاك؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعه وأربعين جزءا. ثم جعل الاجزاء أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار، ثم قسمه بين الخلق فجعل في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزءا تاما وفي آخر جزءا وعشر جزء وآخر جزءا وعشري جزء وآخر جزءا وثلاثة أعشار جزء حتى بلغ به جزئين تامين، ثم بحساب ذلك حتى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا، فمن لم يجعل فيه إلا عشر جزء لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العشرين وكذلك صاحب العشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الاعشار وكذلك من تم له جزء لا يقدر على أن يكون مثل صاحب الجزئين
ولو علم الناس أن الله عز وجل خلق هذا الخلق على هذا لم يلم أحد أحدا. 2 - محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن الحسن بن علي
(1) أي في عدم فهم الدقائق والقصور عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل والاخلاق الحسنة وترك الاتيان بالنوافل والمستحبات والا فكيف يستقيم عدم الملامة على ترك الفرائض والواجبات وفعل الكبائر والمحرمات وقد مر أن الله تعالى لا يكلف الناس إلا بقدر وسعهم وليسوا بمجبورين في فعل المعاصي ولا في ترك الواجبات لكن يمكن أن لا يكون في وسع بعضهم معرفة دقائق الامور وغوامض الاسرار فلم يكلفوا بها وكذا عن تحصيل بعض مراتب الاخلاص واليقين وغيرهما من المكارم فليسوا بملومين بتركها. فالتكاليف بالنسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلاف قابلياتهم واستعداداتهم (آت).
[ 45 ]
ابن أبي عثمان، عن محمد بن عثمان، عن محمد بن حماد الخزاز، عن عبد العزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا عبد العزيز إن الايمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علي شئ حتى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن سدير قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): إن المؤمنين على منازل منهم على واحدة ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع ومنهم على خمس ومنهم على ست ومنهم على سبع فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو، و على صاحب الثنتين ثلاثا لم يقو، وعلى صاحب الثلاث أربعا لم يقو، وعلى صاحب الاربع خمسا لم يقو، وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو، وعلى صاحب الست سبعا
لم يقو، وعلى هذه الدرجات (2). 4 - عنه، عن علي بن الحكم، عن محمد بن سنان، عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: ما أنتم والبراءة، يبرء بعضكم من بعض، إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض وبعضهم أكثر صلاة من بعض وبعضهم أنفذ بصرا من بعض وهي الدرجات (3). (باب) * (نسبة الاسلام) * 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا نسبن الاسلام نسبة لا ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك: إن الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو
(1) أي بائع القراطيس. (2) يعني على هذا القياس الدرجات التى تنقسم هذه المنازل إليها فأن كلا منها ينقسم إلى سبعين درجة كما مر في الخبر الاول (آت). (3) أي درجات الايمان أو هي الدرجات التى ذكرها الله في قوله: " هم درجات عند الله ".
[ 46 ]
التصديق والتصديق هو الاقرار، والاقرار هو العمل، والعمل هو الاداء، إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربه فأخذه، إن المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى إنكاره في عمله، فوالذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم، فاعتبروا إنكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثه. 2 - عنه، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن مدرك بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الاسلام عريان، فلباسه الحياء وزينته الوقار (1) ومروءته العمل الصالح وعماده الورع. ولكل شئ أساس، وأساس الاسلام
حبنا أهل البيت (2). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن القاسم، عن مدرك بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله. 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده (صلوات الله عليهم) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله خلق الاسلام فجعل له عرصة (3) وجعل له نورا وجعل له حصنا وجعل له ناصرا فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم فإنه لما اسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل (عليه السلام) لاهل السماء استودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة ثم هبط بي إلى أهل الارض فنسبني إلى أهل الارض فاستودع الله عز وجل حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني امتي فمؤمنوا امتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة، ألا فلو أن الرجل من امتي عبد الله عز وجل عمره أيام الدنيا ثم لقي الله عز وجل مبغضا لاهل بيتي وشيعتي ما فرج الله صدره إلا عن النفاق.
(1) في بعض النسخ [ الوفاء ]. (2) أي حبى وحب أهل بيتي ويحتمل كون الفقرة الاخيرة من كلام الصادق (عليه السلام) (آت). (3) العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء (آت).
[ 47 ]
(باب) * ([ خصال المؤمن ]) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل
ابن صالح، عن عبد الملك بن غالب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال: وقورا عند الهزاهز (1)، صبورا عند البلاء، شكورا عند الرخاء، قانعا بما رزقه الله، لا يظلم الاعداء ولا يتحامل للاصدقاء، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبر والده. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): الايمان له أركان أربعة: التوكل على الله، وتفويض الامر إلى الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لامر الله عز وجل. 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه عمن ذكره، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها، ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا، إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلا العمل الصالح، ولا يتقبل الله إلا بالوفاء بالشروط والعهود، ومن وفى الله بشروطه واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل وعده، إن الله عز وجل أخبر العباد بطريق الهدى وشرع لهم فيها المنار، وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (2) " وقال: " إنما يتقبل الله من المتقين (3) " فمن اتقى الله عز وجل فيما أمره لقي الله عز وجل مؤمنا بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا (4) أنهم آمنوا، وأشركوا من حيث لا يعلمون إنه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل الله
(1) الهزاهز: الفتن التى يفتتن الناس بها. (2) طه: 82. (3) المائدة: 27. (4) في بعض النسخ [ فظنوا ].
[ 48 ]
طاعة ولي أمره بطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الامر لم يطع الله ولا رسوله وهو الاقرار بما نزل من عند الله: خذوا زينتكم عند كل مسجد والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه قد خبركم أنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله عز وجل وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار، إن الله قد استخلص الرسل لامره، ثم استخلصهم مصدقين لذلك في نذره، فقال: " وإن من امة إلا خلا فيها نذير (1) "، تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل إن الله عز وجل يقول: " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (2) " وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم ينذر؟ اتبعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدى (3)، فإنهم علامات الامانة والتقى، واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريم (عليه السلام) وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن، اقتصوا الطريق بالتماس المنار، والتمسوا من وراء الحجب الآثار، تستكملوا أمر دينكم و تؤمنوا بالله ربكم. 4 - عنه، عن أبيه، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن الرضا، عن أبيه (عليهما السلام) قال: رفع إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) (4) قوم في بعض غزواته فقال: من القوم (5)؟ فقالوا: مؤمنون يارسول الله، قال: وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلماء (6) علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء، إن كنتم كما تصفون، فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون.
(1) الفاطر 24. (2) الحج: 46. (3) في بعض النسخ [ وابتغوا آثار الهدى ]. (4) " رفع إلى رسول الله " كمنع على بناء المعلوم أي أسرعوا إليه. أو على بناء المجهول أي ظهروا فان الرفع ملزوم للظهور وقال في المصباح رفعته: أذعته. ومنه رفعت على العامل رفيعة
ورفع البعير في سيره: أسرع ورفعته: أسرعت به يتعدى ولا يتعدى انتهى. وقال الكرماني في شرح البخاري فيه فرفعت لنا صخرة أي ظهرت لابصارنا. وفيه فرفع إلى البيت المعمور أي قرب وكشف انتهى. ويمكن أن يقرء بالدال ولكن قد عرفت إنه لا حاجة إليه، قال في المصباح: دفعت إلى كذا: بالبناء للمفعول: انتهيت إليه (آت) (5) أي من أي صنف أنتم. (6) في بعض النسخ [ حكماء ].
[ 49 ]
(باب) (1) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) وبأسانيد مختلفة، عن الاصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في داره - أو قال: في القصر - ونحن مجتمعون، ثم أمر (صلوات الله عليه) فكتب في كتاب وقرئ على الناس. وروى غيره أن ابن الكواء (2) سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن صفة الاسلام والايمان والكفر والنفاق، فقال: أما بعد فإن الله تبارك و تعالى شرع الاسلام وسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه لمن حاربه (3) وجعله عزا لمن تولاه وسلما لمن دخله وهدى لمن ائتم به وزينة لمن تجلله وعذرا لمن انتحله وعروة لمن اعتصم به وحبلا لمن استمسك به وبرهانا لمن تكلم به ونورا لمن استضاء به وعونا لمن استغاث به وشاهدا لمن خاصم به وفلجا لمن حاج به وعلما لمن وعاه وحديثا لمن روى وحكما لمن قضا وحلما لمن جرب ولباسا لمن تدبر وفهما لمن تفطن ويقينا لمن عقل وبصيرة لمن عزم وآية لمن توسم وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن صدق وتؤدة (4) لمن أصلح وزلفى لمن اقترب وثقة لمن توكل ورخاء (5) لمن فوض وسبقة لمن أحسن وخيرا لمن سارع وجنة لمن صبر ولباسا لمن اتقى وظهيرا لمن رشد وكهفا لمن آمن وأمنة لمن أسلم ورجاء (6) لمن
(1) انما لم يعنون الباب لانه من تتمة البابين السابقين وانما افرده لان فيه نسبة الايمان والاسلام معا أو لان فيه مدح الاسلام وفضله لا صفاته (آت).
(2) عبد الله بن الكواء كان من الخوارج (آت). (3) أي لمن أراد محاربته أي هدمه وتضييعه. وقيل محاربته كناية عن محاربة أهله. و في بعض النسخ [ جأر به ] كسأل بالجيم والهمزة أي استغاث به ولجأ إليه وفى النهج " على من غالبه " أي حاول أن يغلبه ولعله أظهر وفى تحف العقول " على من جانبه ". (4) التؤدة: بفتح الهمزة وسكونها: الرزانة والتأنى. (5) في بعض النسخ [ رجاء ]. (6) في بعض النسخ [ وروحا ]
[ 50 ]
صدق وغنى لمن قنع، فذلك الحق، سبيله الهدى ومأثرته المجد (1) وصفته الحسنى فهو أبلج المنهاج (2) مشرق المنار، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة (3)، سريع السبقة، أليم النقمة، كامل العدة، كريم الفرسان، فالايمان منهاجه، والصالحات مناره والفقه مصابيحه والدنيا مضماره والموت غايته والقيامة حلبته والجنة سبقته والنار نقمته والتقوى عدته والمحسنون فرسانه (4)، فبالايمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يعمر الفقه وبالفقه يرهب الموت و بالموت تختم الدنيا وبالدنيا تجوز القيامة (5) وبالقيامة تزلف الجنة والجنة حسرة أهل النار والنار موعظة المتقين (6) والتقوى سنخ الايمان (7). (باب) * (صفة الايمان) * 1 - بالاسناد الاول، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الايمان، فقال: إن الله عز وجل جعل الايمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد، فالصبر من ذلك على أربع شعب: على الشوق والاشفاق (8) والزهد والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة
سلا (9) عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات (10) ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات، واليقين على أربع شعب:
(1) المأثرة بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الثاء وفتحها وفتح الراء واحدة المآثر وهى المكارم من الاثر وهو النقل والرواية لانها تؤثر وتروى والمجد نيل الكرم والشرف ورجل ماجد أي كريم شريف (آت). (2) أي أوضح الطريق. وقوله: " ذاكى المصباح " من الذكاء بمعنى التوقد واشتداد اللهب. (3) المضمار: الموضع الذى يضمر فيه الخيل. والحلبة بالفتح: خيل تجمع للسباق. (4) في بعض النسخ [ والمؤمنون فرسانه ]. (5) في بعض النسخ [ تحوز القيامة ]. (6) في بعض النسخ [ موعظة للمتقين ]. (7) أي أصله وأساسه. (8) الاشفاق: الخوف. (9) سلا عن الشئ: نسيه فتسلى. (10) في بعض النسخ [ الحرمات ].
[ 51 ]
تبصرة الفطنة وتأول الحكمة (1) ومعرفة العبرة وسنة الاولين. فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما كان مع الاولين واهتدى إلى التي هي أقوم ونظر إلى من نجى بما نجى ومن هلك بما هلك وإنما أهلك الله من أهلك بمعصيته وأنجى من أنجى بطاعته، والعدل على أربع شعب: غامض الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم (2) فمن فهم فسر جميع العلم ومن علم عرف شرائع الحكم ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا (3)، والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف و النهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين (4) فمن أمر بالمعروف شد ظهر
المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق وأمن كيده ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ومن شنئ الفاسقين غضب لله ومن غضب لله غضب الله له، فذلك الايمان و دعائمه وشعبه. (باب) * (فضل الايمان على الاسلام واليقين على الايمان) * 1 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أخا جعف إن الايمان أفضل من الاسلام وإن اليقين أفضل من الايمان وما من شئ أعز من اليقين. 2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، والحسين بن محمد، عن معلى بن محمد جميعا، عن الوشاء، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الايمان فوق الاسلام بدرجة، والتقوى فوق الايمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، وما قسم في الناس شئ أقل من اليقين.
(1) تأول الحكمة تأويلها أي جعلها مكشوفة بالتدبر فيها و " معرفة العبرة " أي المعرفة بأنه كيف ينبغي أن يعتبر من الشئ أي يتعظ به وينتقل منه إلى ما يناسبه. (2) " غمر العلم " أي العلم الكثير و " زهرة الحكم " أي الحكم الزاهرة الواضحة و يمكن أن يقرء " زهرة الحكم " بضم الزاى وسكون الهاء وضم الحاء وسكون الكاف. أي حسن الحكم. " روضة الحلم " أي الحلم الواسع. (3) كذا ونحوه في النهج والخصال أيضا. (4) الشنآن: البغض. وفى بعض النسخ [ شنئ الفاسقين ].
[ 52 ]
3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي ابن رئاب، عن حمران بن أعين قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله فضل الايمان على الاسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام.
4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم أو غيره عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا محمد الاسلام درجة (1) قال: قلت: نعم قال: والايمان على الاسلام درجة، قال: قلت: نعم، قال: والتقوى على الايمان درجة، قال: قلت: نعم، قال: واليقين على التقوى درجة، قال: قلت: نعم، قال: فما اوتي الناس أقل من اليقين، وإنما تمسكتم بأدنى الاسلام فإياكم أن ينفلت (2) من أيديكم. 5 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الايمان والاسلام فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنما هو (3) الاسلام، والايمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شئ أقل من اليقين، قال: قلت فأي شئ اليقين؟ قال: التوكل على الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله. قلت: فما تفسير ذلك؟ قال: هكذا قال أبو جعفر (عليه السلام). 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام) قال: الايمان فوق الاسلام بدرجة، والتقوى فوق الايمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين العباد شئ أقل من اليقين. (باب) * (حقيقة الايمان واليقين) * 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن إسماعيل بن
(1) أي درجة من الدرجات. (2) " ينفلت " أي يخرج من قلوبكم فجأة. (3) كأن الضمير راجع إلى الدين لقوله تعالى، " إن الدين عند الله الاسلام ".
[ 53 ]
بزيع، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض أسفاره إذ لقيه ركب، فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ما أنتم؟ فقالوا: نحن مؤمنون يا رسول الله، قال فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لامر الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): علماء حكماء (1) كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فان كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن أبي محمد الوابشي وإبراهيم بن مهزم، عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي (2) برأسه، مصفرا لونه، قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقنا، فعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله (3) وقال: إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها (4) حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك و أنا فيهم وكأني أنظر إلى أهل الجنة، يتنعمون في الجنة ويتعارفون وعلى الارائك متكئون وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأني الآن أسمع زفير النار، يدور في مسامعي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاصحابه: هذا عبد نور الله قلبه بالايمان، ثم قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله أن ارزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.
(1) في بعض النسخ [ حلماء ] والحلم بالكسر: العقل ومنه قوله تعالى: " أم تأمرهم أحلامهم " (2) يقال خفق برأسه إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون سائر جسده (لح) (3) لانه أخبر بشئ نادر الوقوع موجب لحمده واستحسانه (صلى الله عليه وآله) (لح). (4) الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس. وعزفت نفسي عنه أي زهدت فيه
[ 54 ]
3 - محمد بن يحيى: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حارثة بن مالك بن النعمان الانصاري فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك؟ فقال: يا رسول الله مؤمن حقا، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل شئ حقيقة فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأني أنظر إلى عرش ربي [ و ] قد وضع للحساب وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة وكأني أسمع عواء (1) أهل النار في النار، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): عبد نور الله قلبه، أبصرت فاثبت، فقال: يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني الشهادة معك، فقال: اللهم ارزق حارثة الشهادة، فلم يلبث إلا أياما حتى بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرية فبعثه فيها، فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل. وفي رواية القاسم بن بريد، عن أبي بصير قال: استشهد مع جعفر بن أبي طالب بعد تسعة نفر وكان هو العاشر. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): إن على كل حق حقيقة و على كل صواب نورا. (باب التفكر)
1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجاف (2) عن الليل جنبك، واتق الله ربك. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يروي الناس أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال: يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك، أين
(1) العواء. الصياح وكأنه بالذئب والكلب اخص. (2) جاف عنه كذا أي باعده عنه
[ 55 ]
بانوك، ما [ با ] لك لا تتكلمين. 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أفضل العبادة إدمان التفكر في الله (1) وفي قدرته. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله عز وجل. 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد. عن ربعي قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): [ إن ] التفكر يدعو إلى البر والعمل به. (باب المكارم) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الهيثم بن أبي مسروق، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن الحسين بن عطية (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المكارم
عشر فان استطعت أن تكون فيك فلتكن فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده وتكون في الولد ولا تكون في أبيه وتكون في العبد ولا تكون في الحر، قيل: وما هن؟ قال: صدق اليأس (3) وصدق اللسان وأداء الامانة وصلة الرحم وإقراء الضيف (4)
(1) الادمان: الادامة والمراد بالتفكر في الله النظر إلى أفعاله وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه فانها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه وتدل على كمال علمه وحكمته وعلى نفاذ مشيئته وقدرته وإحاطته بالاشياء، (2) في بعض النسخ [ الحسن بن عطية ]. (3) اليأس بالياء المثناة كما في بعض نسخ الكتاب ومجالس الشيخ وغيره وفى بعض النسخ [ البأس ] بالباء الموحدة فعلى الاول المراد به اليأس عما في أيدى الناس وقصر النظر على فضله تعالى ولطفه. والمراد بصدقه عدم كونه بمحض الدعوى من غير ظهور آثاره، وعلى الثاني المراد بالبأس إما الشجاعة والشدة في الحرب وغيره أي الشجاعة الحسنة الصادقة في الجهاد في سبيل الله وإظهار الحق والنهى عن المنكر. أو من البؤس والفقر كما قيل: اريد بصدق الباس موافقة خشوع ظاهره وإخباته لخشوع باطنه وإخباته لا يرى التخشع في الظاهر أكثر مما في باطنه. (4) كذا في نسخ الكتاب وغيره إلا في رواية أخرى رواها الشيخ في المجالس موافقة المضامين لهذه الرواية فان فيها قرى الضيف وهو أظهر وأوفق لما في كتب اللغة. في القاموس قرى الضيف قرى بالكسر والقصر والفتح والمد: اضافه واستقرى واقترى وأقرى: طلب ضيافة انتهى. لكن قد نرى كثيرا من الابنية مستعملة في الاخبار والعرف العام والخاص لم يتعرض لها اللغويون (آت).
[ 56 ]
وإطعام السائل والمكافأة على الصنايع والتذمم (1) للجار والتذمم للصاحب ورأسهن الحياء. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خص رسله بمكارم الاخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله واعلموا أن ذلك من خير
وإن لا تكن فيكم فاسألوا الله وارغبوا إليه فيها، قال فذكر [ ها ] عشرة: اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة قال: وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة وزاد فيها الصدق وأداء الامانة 3 - عنه، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن محمد الهاشمي، عن إسماعيل بن عباد قال بكر: وأظنني قد سمعته من إسماعيل، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنا لنحب من كان عاقلا، فهما، فقيها، حليما، مداريا، صبورا صدوقا، وفيا إن الله عز وجل خص الانبياء بمكارم الاخلاق، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى الله عز وجل وليسأله إياها، قال: قلت: جعلت فداك وما هن؟ قال: هن الورع والقناعة والصبر و الشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة والبر وصدق الحديث وأداء الامانة. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل ارتضى لكم الاسلام دينا، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): الايمان أربعة أركان: الرضا بقضاء الله والتوكل على الله وتفويض الامر إلى الله والتسليم لامر الله. 6 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن
(1) في النهاية - التذمم للجار: هو أن يحفض ذمامه ويطرح عن نفسه ذم الناس له إن لم يحفظه. وفى القاموس: الاستنكاف. وحاصل المعنى أن يدفع الضرر عمن يصاحبه سفرا أو حضرا وعمن يجاوره.
[ 57 ]
سنان، عن رجل من بني هاشم قال: أربع من كن فيه كمل إسلامه ولو كان من
قرنه إلى قدمه خطايا لم تنقصه: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر. 7 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد: وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا اخبركم بخير رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: إن من خير رجالكم التقي، النقي، السمح الكفين، النقي الطرفين (1) البر بوالديه ولا يلجئ عياله إلى غيره (1). (باب فضل اليقين) 1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن المثنى بن الوليد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام قال: ليس شئ إلا وله حد، قال: قلت: جعلت فداك فما حد التوكل؟ قال: اليقين، قلت: فما حد اليقين؟ قال: ألا تخاف مع الله شيئا. 2 - عنه، عن معلى، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط وعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره، ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه رزقه كما يدركه الموت، ثم قال: إن الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. 3 - ابن محبوب (3)، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين.
(1) النقي الطرفين أي الفرج عن الحرام والشبهة واللسان عن الكذب والخنى والافتراء والفحش والغيبة وسائر المعاصي وما لا يفيد من الكلام (آت).
(2) أي لم يضطرهم لعدم الانفاق عليهم مع القدرة عليه إلى السؤال عن غيره. (3) ابن محبوب معلق على ثاني سندي الخبر السابق (آت).
[ 58 ]
4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على المنبر: لا يجد أحد [ كم ] طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط، فإنه معور (1) فقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): حرس امرءا أجله (2) فلما قام سقط الحائط: قال: وكان أمير - المؤمنين (عليه السلام) مما يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين (3). 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما (4) " فقال: أما إنه ما كان ذهبا ولا فضة وإنما كان أربع كلمات، لا إله إلا أنا، من أيقن بالموت لم يضحك سنه، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، ومن أيقن بالقدر لم يخش إلا الله. 7 - عنه، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا يجد عبد طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الضار النافع (5) هو الله عز وجل. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان
(1) على بناء الفاعل من باب الافعال أي ذو شق وخلل يخاف منه، أو على بناء المفعول من التفعيل أو الافعال أي ذو عيب.
(2) " امرءا " مفعول حرس وأجله فاعله وهذا مما أستعمل فيه النكرة في سياق الاثبات للعموم أي حرس كل امرئ أجله كقولهم: " أنجز حن ما وعد " ويؤيده ما في النهج أنه قال (عليه السلام) كفى بالاجل حارسا. ويشكل هذا لانه يدل على جواز القاء النفس إلى التهلكة وعدم وجوب الفرار عما يظن عنه الهلاك والمشهور عند الاصحاب خلافه ويمكن أن يجاب عنه بوجوه راجع مرآة العقول المجلد الثاني ص 83 -. (3) أي هذا من ثمرات اليقين بقضاء الله وقدره وقدرته ولطفه وحكمته وصدق انبيائه و رسله: (آت). (4) الكهف: 82. (5) أي كل نفع وضرر بتقديره تعالى. وإن كان بتوسط الغير (آت).
[ 59 ]
عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني قال: نظرت يوما في الحرب إلى رجل عليه ثوبان فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع (1)؟ فقال: نعم يا سعيد بن قيس إنه ليس من عبد إلا وله من الله حافظ وواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ. 9 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: كان في الكنز الذي قال الله عز وجل: " وكان تحته كنز لهما " كان فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها (2) وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتهم الله في قضائه ولا يستبطئه في رزقه، فقلت جعلت فداك اريد أن أكتبه قال: فضرب والله يده إلى الدواة ليضعها بين يدي، فتناولت يده، فقبلتها وأخذت الدواة فكتبته. 10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن
العرزمي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان قنبر غلام علي يحب عليا (عليه السلام) حبا شديدا فإذا خرج علي (صلوات الله عليه) خرج على أثره بالسيف، فرآه. ذات ليلة فقال: يا قنبر مالك؟ فقال: جئت لامشي خلفك يا أمير المؤمنين قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الارض؟! فقال: لا، بل من أهل الارض فقال: إن أهل الارض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله من السماء فارجع، فرجع. 11 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عمن ذكره قال: قيل للرضا (عليه السلام): إنك تتكلم بهذا الكلام (3) والسيف يقطر دما، فقال: إن لله واديا من ذهب، حماه بأضعف خلقه النمل، فلو رامه البخاتي لم تصل إليه (4).
(1) فيه تقدير أي تكتفي بلبس القميص والازار من غير درع وجنة في مثل هذا الموضع (آت). (2) الركون: الميل والاعتماد. (3) أي دعوى الامامة. (4) البخت بالضم الابل الخراسانية. الواحد بختى والانثى بختية الجمع بخاتى كأماني.
[ 60 ]
(باب الرضا بالقضاء) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن بعض أشياخ بني النجاشي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحب العبد أو كره ولا يرضى عبد عن الله فيما أحب أو كره إلا كان خيرا له فيما أحب أو كره. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه. عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان، عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل.
3 - عنه (1) عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن داود الرقي عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل إن من عبادي المؤمنين عبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغنى والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم، وإن من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم، فيصلح عليهم أمر دينهم وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين، وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده (4) و
(1) ضمير " عنه " راجع إلى احمد ومضمون الحديث موافق للحديث الاول فان قوله (عليه السلام). " ومن صبر ورضى عن الله - الخ " المراد به ان الصبر والرضا وقعا موقعهما لان المقتضى عليه لا محالة خير له، لا أنه إذا لم يرض ولم يصبر لم يكن خيرا له (آت). (2) الرقاد بالضم: النوم أو هو خاص بالليل. والوساد بالفتح: المتكا والمخدة كالوسادة مثلثة وإضافة اللذيذ إليه من اضافة الصفة إلى الموصوف (آت).
[ 61 ]
لذيذ وساده فيتهجد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس (1) الليلة والليلتين نظرا مني له وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه (2) زارئ عليها ولو اخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند
ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي، فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي و رفيع درجاتي العلى في جواري ولكن فبرحمتي فليثقوا وبفضلي فليفرحوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تداركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت. 5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ولا يتهمه في قضائه. 6 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن عمرو بن نهيك بياع الهروي (3) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال الله عز وجل: عبدي المؤمن لا أصرفه في شئ إلا جعلته خيرا له، فليرض بقضائي وليصبر على بلائي وليشكر نعمائي أكتبه يا محمد من الصديقين عندي. 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن فيما أوحى الله عز وجل إلى موسى بن عمران (عليه السلام): يا موسى بن عمران: ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي
(1) كانه على الاستعارة أي أسلط عليهم. أو هو نظير قوله تعالى: " فضربنا على آذانهم " (2) أي مبغض لها ومعاتب عليها. وزارئ بالزاى أولا والراء أخيرا أي عاتب وساخط غير راض. (3) أي بياع الثوب المعمول في هرات بخراسان.
[ 62 ]
المؤمن فإني إنما أبتليه لما هو خير له واعافيه لما هو خير له وأزوي (1) عنه ما هو شر
له لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي، إذا عمل برضائي وأطاع أمري. 8 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عجبت للمرء المسلم (2) لا يقضي الله عز وجل له قضاء إلا كان خيرا له وإن قرض بالمقاريض كان خيرا له وإن ملك مشارق الارض ومغاربها كان خيرا له. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن سنان، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أحق خلق الله أن يسلم لما قضى الله عز وجل، من عرف الله عز وجل، ومن رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم الله أجره، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره. 10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه قال: قال [ لي ] علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) الزهد عشرة أجزاء. أعلا درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا. 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن علي بن أسباط، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لقي الحسن بن علي (عليهما السلام) عبد الله بن جعفر فقال: يا عبد الله كيف يكون المؤمن مؤمنا وهو يسخط قسمه (3) ويحقر منزلته و الحاكم عليه الله وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا (4) أن يدعو الله فيستجاب له. 12 - عنه، عن أبيه، عن ابن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(1) زويت الشئ: قبضته وجمعته. (2) كأن المراد: المسلم بالمعنى الاخص أي المؤمن المنقاد لله. (آت). (3) القسم بالكسر: الحظ والنصيب والبارز فيه وفى " منزلته " للمؤمن وفى بعض النسخ [ قسمته ].
(4) في القاموس هجس الشئ في صدره يهجس: خطر بباله أو هو أن يحدث نفسه في صدره مثل الوسواس.
[ 63 ]
قلت له بأي شئ يعلم المؤمن بأنه مؤمن؟ قال: بالتسليم لله والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط. 13 - عنه، عن أبيه، عن ابن سنان، عن الحسين بن المحتار، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لشئ قد مضى: لو كان غيره. (باب) * (التفويض إلى الله والتوكل عليه) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن مفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام) ما اعتصم بي عبد من عبادي (1) دون أحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته (2)، ثم تكيده السماوات والارض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات والارض من يديه وأسخت الارض من تحته (3) ولم أبال بأي واد هلك (4). 2 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن محبوب، عن أبي حفص الاعشى، عن عمر [ و ] بن خالد، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكأت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان (5)، ينظر في تجاه وجهي (6) ثم قال: يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدنيا؟ فرزق الله حاضر للبر والفاجر، قلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول قال: فعلى الآخرة؟ فوعد صادق يحكم فيه ملك
قاهر - أو قال: قادر - قلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول، فقال: مم حزنك؟
(2) " عبد من عبادي " أي مؤمن. (2) " عرفت ذلك " نعت للعبد. (3) أي خسفتها من الاساخة (في). (4) في بعض النسخ [ تهالك ]. (5) لعل الرجل كان هو الخضر على نبينا وآله و (عليه السلام). (6) في القاموس وجاهك وتجاهك مثلثتين: تلقاء وجهك.
[ 64 ]
قلت: [ مما ] نتخوف من فتنة ابن الزبير (1) وما فيه الناس قال: فضحك، ثم قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا دعا الله فلم يجبه؟ قلت: لا، قال: فهل رأيت أحدا توكل على الله فلم يكفه؟ قلت: لا، قال: فهل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، ثم غاب عني. علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب مثله. 3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن عمه
(1) ابن الزبير هو عبد الله وكان أعدى عدو أهل البيت وقد سار سببا لعدول الزبير عن ناحية أمير المؤمنين (ع) حيث قال (عليه السلام): لا زال الزبير معنا حتى أدرك فرخه. والمشهور أنه بويع له بالخلافة بعد شهادة الحسين (ع) لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين في أيام يزيد و قيل لما استشهد الحسين (عليه السلام) في سنة ستين من الهجرة دعا ابن الزبير بمكة إلى نفسه، وعاب يزيد بالفسوق والمعاصي وشرب الخمور فبايعه أهل تهامة والحجاز فلما بلغ يزيد ذلك ندب له الحصين بن نمير وروح بن زنباع وضم إلى كل واحد جيشا واستعمل على الجميع مسلم بن عقبة، وجعله أمير الامراء، ولما ودعهم قال: يا مسلم لا ترد أهل الشام عن شئ يريدونه لعدوهم، و اجعل طريقك على المدينة فان حاربوك فحاربهم فان ظفرت بهم فابحهم ثلاثا. فسار مسلم حتى نزل الحرة فخرج اهل المدينة فعسكروا بها وأميرهم عبد الله بن حنظلة الراهب غسيل الملائكة فدعاهم مسلما ثلاثا فلم يجيبوا فقاتلهم، فغلب أهل الشام وقتل عبد الله وسبعمائة من المهاجرين و
الانصار ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام ثم شخص بالجيش إلى مكة وكتب إلى يزيد بما صنع بالمدينة ومات مسلم لعنه الله في الطريق فتولى أمر الجيش الحصين بن نمير حتى وافى مكة فتحصن منه ابن الزبير في المسجد الحرام في جميع من كان معه ونصب الحصين المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة فبينما هم كذلك إذ ورد الخبر على الحصين بموت يزيد لعنة الله عليهما، فأرسل إلى ابن الزبير يسأله الموادعة فأجابه إلى ذلك وفتح الابواب واختلط العسكران يطوفون بالبيت، فبينما الحصين يطوف ليلة بعد العشاء إذا إستقبله ابن الزبير فأخذ الحصين بيده وقال له سرا: هل لك في الخروج معى إلى الشام فأدعو الناس إلى بيعتك فان أمرهم قد مرج ولا أدرى أحدا أحق بها اليوم منك ولست أعصى هناك فاجتذب ابن الزبير يده من يده وهو يجهر: دون أن أقتل بكل واحد من أهل الحجاز عشرة من الشام، فقال الحصين: لقد كذب الذى زعم أنك من دهاة العرب، أكلمك سرا وتكلمني علانية وأدعوك إلى الخلافة وتدعوني إلى الحرب، ثم انصرف بمن معه إلى الشام وقالوا: بايعه أهل العراق وأهل مصر وبعض أهل الشام إلى ان بايعوا مروان بعد حروب واستمر له العراق إلى سنة إحدى وسبعين وهى التى قتل فيها عبد الملك بن مروان أخاه مصعب بن الزبير وهدم قصر الامارة بالكوفة، ولما قتل مصعب انهزم أصحابه فاستدعى بهم عبد الملك فبايعوه وسار إلى الكوفة ودخلها واستقر له الامر بالعراق والشام ومصر ثم جهز الحجاج في سنة ثلاث وسبعين إلى عبد الله بن الزبير فحصره بمكة ورمى البيت بالمنجنيق ثم ظفر به وقتله واجتز الحجاج رأسه وصلبه منكسا ثم أنزله ودفنه في مقابر اليهود وكانت خلافته بالحجاز والعراق تسع سنين واثنين وعشرين يوما وله من العمر ثلاث وسبعون سنة وقيل اثنان وسبعون سنة وكانت أمه أسماء بنت أبى بكر (آت)
[ 65 ]
عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الغنى والعز يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا. عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن علي، عن علي بن
حسان مثله. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما عبد أقبل قبل ما يحب الله عز وجل أقبل الله قبل ما يحب ومن اعتصم بالله عصمه الله ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الارض أو كانت نازلة نزلت على أهل الارض فشملتهم بلية، كان في حزب الله بالتقوى من كل بلية، أليس الله عز وجل يقول: " إن المتقين في مقام أمين (1) ". 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن غير واحد، عن علي بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلال (2)، عن علي بن سويد، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: سألته: عن قول الله عز وجل: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه (3) " فقال: التوكل على الله درجات منها أن تتوكل على الله في امورك كلها، فما فعل بك كنت عنه راضيا، تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه وثق به فيها وفي غيرها. 6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من اعطي ثلاثا لم يمنع ثلاثا: من اعطي الدعاء اعطي الاجابة (4) ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية (5) ثم قال: أتلوت كتاب الله عز وجل: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه (3) "؟ وقال: " لئن شكرتم لازيدنكم (6) "؟ وقال: " ادعوني أستجب لكم (7) "؟.
(1) الدخان: 51. (2) الحلال بالتشديد بياع الحل بالفتح وهو دهن السمسم. (3) الطلاق: 3. (4) في بعض النسخ [ لم يمنع الاجابة ]. (5) المراد بالاعطاء توفيق الاتيان به (6) إبراهيم: 7. (7) المؤمن: 60.
[ 66 ]
7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أبي علي، عن محمد بن الحسن، عن الحسين بن راشد، عن الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمل لما قد نزل بك فقلت: فلانا، فقال: إذا والله لا تسعف (1) حاجتك ولا يبلغك أملك ولا تنجح طلبتك، قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: إن أبا عبد الله (عليه السلام) حدثني أنه قرأ في بعض الكتب أن الله تبارك وتعالى يقول: وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لاقطعن أمل كل مؤمل [ من الناس ] غيري باليأس ولاكسونه ثوب المذلة عند الناس ولانحينه (2) من قربي ولابعدنه من فضلي، أيؤمل غيري في الشدائد؟! والشدائد بيدي (3) ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري (4)؟! وبيدي مفاتيح الابواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها؟! ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني؟! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي وملات سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي وأمرتهم أن لا يغلقوا الابواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي (5) ألم يعلم [ أن ] من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني، فمالي أراه لاهيا عني، أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده وسأل غيري، أفيراني (6) أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم اسأل فلا اجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخلني عبدي (7) أو ليس الجود والكرم لي؟! أو ليس العفو والرحمة بيدي؟! أو ليس أنا محل الآمال؟! فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري، فلوا أن أهل سماواتي و أهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من
(1) أسعف حاجته أي قضاها له وفى بعض النسخ. [ لا يسعف ] وفى أكثرها [ لا تسعف ] و كذا [ ولا تنجح ] فهما بالتاء على بناء المفعول وبالياء على بناء الفاعل، والنجاح: الفوز وفى
بعض النسخ [ لا يبلغ أملك ]. (2) أي لابعدنه وازيلنه. (3) أي تحت قدرتي. (4) تشبيه الفكر باليد مكنية وإثبات القرع له تخييلية وذكر الباب ترشيح. (5) أي وعدى الاجابة لهم. (6) في بعض النسخ [ أفتراني ]. (7) بخله بالتشديد أي نسبه إلى البخل.
[ 67 ]
ملكي مثل عضو ذرة وكيف ينقص ملك أنا قيمه، فيا بؤسا (1) للقانطين من رحمتي ويابؤسا لمن عصاني ولم يراقبني. 8 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن (2)، عن بعض أصحابنا، عن عباد بن يعقوب الرواجني، عن سعيد بن عبد الرحمن قال: كنت مع موسى بن عبد الله (3) بينبع وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار، فقال لي بعض ولد الحسين: من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت: موسى بن عبد الله، فقال: إذا لا تقضى حاجتك ثم لا تنجح طلبتك، قلت: ولم ذاك؟ قال: لاني قد وجدت في بعض كتب آبائي أن الله عز وجل يقول - ثم ذكر مثله - فقلت: يا ابن رسول الله أمل علي، فأملاه علي، فقلت: لا والله ما أسأله حاجة بعدها. (باب الخوف والرجاء) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن منصور بن يونس، عن الحارث بن المغيرة، أو أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما كان في وصية لقمان؟ قال: كان فيها الاعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أبي يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا [ و ] في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا
لم يزد على هذا. 2 - محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن
(1) البؤس والبأساء: الشدة والفقر والحزن. (2) في بعض النسخ [ محمد بن الحسين ]. (3) قد مر بعض أحوال موسى بن عبد الله بن الحسن في المجلد الاول ص 358 إلى 366. و في القاموس " ينبع ": كينصر حصن له عيون ونخيل وزرع بطريق حاج مصر. (4) يدل على أنه ينبغى أن يكون الخوف والرجاء كلاهما كاملين في النفس ولا تنافى بينهما فان ملاحظة سعة رحمة الله وغنائه وجوده ولطفه على عباده سبب الرجاء والنظر إلى شدة بأس الله وبطشه وما أوعد العاصين من عباده موجب للخوف مع أن أسباب الخوف ترجع إلى نقص العبد وتقصيره وسوء أعماله عن الوصول إلى مراتب القرب والوصال وانهماكه فيما يوجب الخسران والوبال وأسباب الرجاء تؤول إلى لطف الله ورحمته وعفوه وغفرانه ووفور إحسانه، وكل منهما في أعلى مدارج الكمال (آت).
[ 68 ]
جبلة، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إسحاق خف الله كأنك تراه وإن كنت لا تراه فإنه يراك (1)، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك (2). 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من خاف الله أخاف الله منه كل شئ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن حمزة بن عبد الله الجعفري، عن جميل بن دراج، عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من عرف الله خاف الله ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا (3). 5 - عنه، عن ابن أبي نجران، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت
له: قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال: هؤلاء قوم يترجحون (4) في الاماني، كذبوا، ليسوا براجين، إن من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شئ هرب منه. 6 - ورواه علي بن محمد، رفعه قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي (5) ويقولون نرجو، فقال: كذبوا ليسوا لنا بموال، اولئك
(1) اعلم أن الرؤية تطلق على الرؤية بالبصر وعلى الرؤية القلبية وهى كناية عن غاية الانكشاف والظهور والمعنى الاول هنا أنسب أي خف الله خوف من يشاهد بعينه وإن كان محالا. ويحتمل الثاني أيضا، فان المخاطب لما لم يكن من أهل الرؤية القلبية ولم يرتق إلى تلك الدرجة العلية - فانها مخصوصه بالانبياء والاوصياء (عليهم السلام) - قال: " كأنك تراه " وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين. وقوله: " فان لم تكن تراه " أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الانكشاف والعيان فكن بحيث تتذكر دائما أنه يراك. وهذه مقام المراقبة كما قال تعالى: " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت إن الله كان عليكم رقيبا " والمراقبة مراعاة القلب باشتغاله به والمثمر لها تذكر أن الله تعالى مطلع على كل نفس بما كسبت وانه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها فإذا استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة الله سبحانه دائما وترك معاصيه خوفا وحياء والمواظبة على طاعته وخدمته دائما. وقوله: " إن كنت ترى " تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك المعاصي. والحق أن هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر ارباب المعاصي ولا يمكن التفصحى عنها إلا بالاتكال على عفوه وكرمه سبحانه ومن هنا يظهر أنه لا يجمع الايمان الحقيقي مع الاصرار على المعاصي كما مرت الاشارة إليه (آت). (2) في بعض النسخ [ إليك ]. (3) أي تركها. (4) الترجح: الميل، يعنى مالت بهم عن الاستقامة أمانيهم الكاذبة (في). (5) في القاموس ألم: باشر اللمم؟ وبه نزل كلم والتم، واللمم: صغار الذنوب.
[ 69 ]
قوم ترجحت بهم الاماني، من رجا شيئا عمل له ومن خاف من شئ هرب منه (1) 7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن
صالح بن حمزة، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن من العبادة شدة الخوف من الله عز وجل يقول الله: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (2) وقال جل ثناؤه: فلا تخشوا الناس واخشون (3) " وقال تبارك وتعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا (4) "، قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن حب الشرف والذكر (5) لا يكونان في قلب الخائف الراهب. 8 - علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) [ قال: ] إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل، فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها فقال: إنسية أم جنية؟ فقالت: إنسية فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما أن هم بها اضطربت، فقال لها: مالك تضطربين؟ فقالت:
(1) اعلم أن الاحاديث الواردة في سعة عفو الله سبحانه وجزيل رحمته ووفور مغفرته كثيرة جدا ولكن لابد لمن يرجوها ويتوقعها من العمل الخالص المعد لحصولها وترك الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد، فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والامل، وانظر إلى حال الانبياء والاولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات ليلا ونهارا، أما كانوا يرجون عفو الله ورحمته، بلى والله كانوا أعلم بسعة رحمته وأرجأ بها منك ومن كل أحد ولكن علموا ان رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت. فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم (آت - ملخصا). (2) قال المحقق الطوسى في أوصاف الاشراف ما حاصله: إن الخوف والخشية وإن كانا بمعنى واحد في اللغة الا أن بينهما فرقا بين ارباب القلوب وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر
والعقاب المتوقع بسبب إحتمال فعل المنهيات وترك الطاعات وهو يحصل لاكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا والمرتبة العليا لا تحصل الا للقليل والخشية حالة نفسانية تنشأ من الشعور بعظمة الرب وهيبته وخوف الحجب عنه وهذه الحالة لا تحصل الا لمن اطلع على جلال الكبرياء وذاق لذة القرب ولذلك قال سبحانه: " إنما يخشى الله من عباده العلماء ". (سورة الفاطر: 28) والخشية خوف خاص وقد يطلقون عليها الخوف أيضا، انتهى (آت). (3) المائدة: 44. (4) الطلاق: 2. (5) أي حب الجاه والرياسة والمدح والشهرة (آت).
[ 70 ]
أفرق من هذا (1) - وأومأت بيدها إلى السماء - قال: فصنعت من هذا شيئا؟ قالت: لا وعزته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئا وإنما أستكرهك استكراها فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك، قال: فقام ولم يحدث شيئا ورجع إلى أهله وليست له همة إلا التوبة والمراجعة، فبينا هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلنا بغمامة، فقد حميت علينا الشمس، فقال الشاب: ما أعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا، قال: فأدعو أنا وتؤمن أنت؟ قال نعم فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة، فمشيا تحتها مليا من النهار (2) ثم تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة فإذا السحابة مع الشاب، فقال: الراهب أنت خير مني، لك استجيب ولم يستجب لي فاخبرني ما قصتك؟ فأخبره بخبر المرأة فقال: غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن مما حفظ من خطب النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم
ألا إن المؤمن بعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته وفي الشيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب (3) وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار. 10 - عنه، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " ولمن خاف مقام ربه جنتان (4) " قال: من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال
(1) الفرق بالتحريك: الخوف. (2) مليا من النهار أي ساعة طويلة. (3) المستعتب موضع الاستعتاب أي طلب الرضا. (4) الرحمن: 46.
[ 71 ]
فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. 11 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن أبي سارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو. 12 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف. 13 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي (عليه السلام) يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا [ و ] في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم
يزد على هذا. (باب) (حسن الظن بالله عز وجل) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن داود بن كثير، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تبارك وتعالى: لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فأنهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم - أعمارهم - في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تدركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت. 2 - ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال - وهو على منبره - والذي
[ 72 ]
لا إله إلا هو ما اعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لان الله كريم، بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول:
أنا عند ظن عبدي المؤمن بي، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا (1). 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري. عن سفيان ابن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حسن الظن بالله أن لا ترجوا إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك (2). (باب) * (الاعتراف بالتقصير) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن سعد ابن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قال لبعض ولده: يا بني عليك بالجد. لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض العراقيين (3)، عن محمد بن المثنى الحضرمي، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر قال: قال لي
(1) هذا الخبر مروى من طرق العامة أيضا وقال الخطابى: معناه أنا عند ظن عبدى في حسن عمله وسوء عمله، لان من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه (آت). (2) فيه إشارة إلى أن حسن الظن بالله ليس معناه ومقتضاه ترك العمل والاجتراء على المعاصي اتكالا على رحمة الله بل معناه انه مع العمل لا يتكل على عمله وإنما يرجوا قبوله من فضله وكرمه ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله لا من ربه. فحسن الظن لا ينافي الخوف بل لابد من الخوف وضمه مع الرجاء وحسن الظن كما مر (آت). (3) أي علماء الكوفة (آت).
[ 73 ]
أبو جعفر (عليه السلام): يا جابر لا أخرجك الله من النقص و [ لا ] التقصير (1). 3 - عنه، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن
(عليه السلام) يقول: إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة ثم قرب قربانا فلم يقبل منه، فقال لنفسه: ما اتيت (2) إلا منك وما الذنب إلا لك، قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة. 4 - أبو علي الاشعري، عن عيسى بن أيوب، عن علي بن مهزيار، عن الفضل ابن يونس، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال: أكثر من أن تقول، اللهم لا تجعلني من المعارين (3) ولا تخرجني من التقصير، قال: قلت: أما المعارون فقد عرفت أن الرجل يعار الدين ثم يخرج منه، فما معنى لا تخرجني من التقصير؟ فقال: كل عمل تريد به الله عز وجل فكن فيه مقصرا عند نفسك، فأن الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصرون إلا من عصمه الله عز وجل. (باب) * (الطاعة والتقوى) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد أخي عرام، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تذهب بكم المذاهب (4)، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل.
(1) أي وفقك الله لان تعد عبادتك ناقصة ونفسك مقصرة أبدا (آت). (2) " ما أتيت الا منك " على البناء للمفعول أي ما دخل على البلاء الا من جهتك (في). (3) المعار على البناء للمفعول من الاعارة، يعنى بهم الذين يكون الايمان عارية عندهم غير مستقر في قلوبهم ولا ثابت في صدورهم كما فسره الراوي (في). (4) " لا تذهب بكم المذاهب " على بناء المعلوم والباء للتعدية وإسناد الا ذهاب إلى المذاهب على المجاز فأن فاعله النفس أو الشيطان، أي لا يذهبكم المذاهب الباطلة إلى الضلال والوبال. أو على بناء المجهول، أي لا يذهب بكم الشيطان في المذاهب الباطلة من الامانى الكاذبة والعقائد. الفاسدة بأن تجتروا على المعاصي اتكالا على دعوى التشيع والمحبة والولاية من غير حقيقة، فانه
ليس شيعتهم إلا من شايعهم في الاقوال والافعال لا من ادعى التشيع بمحض المقال (آت).
[ 74 ]
2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب رسول الله (عليه السلام) في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس والله ما من شئ يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وما من شئ يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، ألا وإن الروح الامين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبه بغير حله (1)، فانه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته. 3 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، وأحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، جميعا عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع (2) أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الالسن عن الناس إلا من خير، وكانوا امناء عشائرهم في الاشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة، فقال: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول: احب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا؟ فلو قال: إني احب رسول الله فرسول الله (صلى الله عليه وآله) خير من علي (عليه السلام) ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل [ وأكرمهم عليه ] أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة وما معنا براءة من
(1) أي لا يبعثكم إستبطاء الرزق على طلبه من غير حله. (2) إنتحال الشئ: ادعاؤه. (3) أي ليس بين الله وبين الشيعة قرابة حتى يسامحكم ولا يسامح مخالفيكم مع كونكم مشتركين معهم في مخالفته تعالى. أو ليس بينه وبين على قرابة حتى يسامح شيعة على ولا يسامح شيعة الرسول. والحاصل إن جهة القرب بين العبد وبين الله إنما هي بالطاعة والتقوى ولذا صار أئمتكم أحب الخلق إلى الله فلو لم تكن هذه الجهة فيكم لم ينفعكم شئ (آت).
[ 75 ]
النار (1) ولا على الله لاحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس (2) فيأتون باب الجنة فيضربونه، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم: على ما صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله عز وجل: صدقوا، أدخلوهم الجنة وهو قول الله عز وجل: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (3) ". 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل. 6 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن بعض أصحابه، عن أبان عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى (4) يرجع إليكم الغالي؟ ويلحق بكم التالي، فقال له رجل من الانصار يقال له سعد: جعلت فداك ما الغالي؟ قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس اولئك منا ولسنا منهم، قال: فما التالي، قال: المرتاد يريد الخير، يبلغه الخير
يوجر عليه (5) ثم أقبل علينا فقال: والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه
(1) أي ليس معنا صك وحكم ببرأتنا وبراءة شيعتنا من النار وان عملوا بعمل الفجار. " ولا على الله لاحد من حجة " أي ليس لاحد على الله حجة إذا لم يغفر له بأن يقول كنت من شيعة على فلم لم تغفر لى، لان الله تعالى لم يحتم بغفران من إدعى التشيع بلا عمل. أو المعنى ليس لنا على الله حجة في انقاذ من ادعى التشيع من العذاب: ويؤيده أن في مجالس ابن الشيخ " وما لنا على الله حجة ". " من كان لله مطيعا " كأنه جواب عما يتوهم في هذا المقام انهم (عليهم السلام) حكموا بان شيعتهم واولياءهم لا يدخلون النار فأجاب (عليه السلام) بان العاصي لله ليس بولي لنا ولا تدرك ولايتنا إلا بالعمل بالطاعات والورع عن المعاصي (آت). (2) أي جماعة من الناس والرؤساء. (3) الزمر: 10. (4) النمرقة: الوسادة الصغيرة. والتشبيه باعتبار أنها محل الاعتماد. (5) أي التالى هو الذى يريد الخير وشيعتنا من يبلغه الخير ويوجر لذلك.
[ 76 ]
ولايتنا، ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا. 7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن مفضل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكرنا الاعمال فقلت أنا: ما أضعف عملي، فقال، مه، استغفر الله، ثم قال لي إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى. قلت: كيف يكون كثير بلا تقوى؟ قال: نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطئ رحله (1) فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى ويكون الآخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه. 8 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أبي داود المسترق، عن محسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما نقل الله عز وجل
عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه من غير مال وأعزه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر. (باب الورع) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن زيد الشحام، عن عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إني لا ألقاك إلا في السنين، فأخبرني بشئ آخذ به، فقال: اوصيك بتقوى الله و الورع والاجتهاد (2) واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن حديد بن حكيم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع. 3 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن يزيد بن خليفة قال: وعظنا أبو عبد الله (عليه السلام) فأمر وزهد، ثم قال: عليكم بالورع، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بالورع.
(1) كناية عن كثرة الضيافة وقضاء حوائج المؤمنين بكثرة الواردين إلى منزله (لح) (2) الورع: كف النفس عن المعاصي ومنعها عما لا ينبغى. والاجتهاد: تحمل المشقة في العبادة أو بذل الوسع في طلب الامر والمراد هنا المبالغة في الطاعة.
[ 77 ]
4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه. 5 - عنه، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن الحسن بن زياد الصيقل، عن فضيل ابن يسار قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن أشد العبادة الورع. 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان بن سدير قال: قال أبو الصباح الكناني لابي عبد الله (عليه السلام): ما نلقى من الناس
فيك؟! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وما الذي تلقى من الناس في؟ فقال: لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام فيقول: جعفري خبيث، فقال: يعيركم الناس بي؟ فقال له أبو الصباح: نعم قال: فقال: ما أقل والله من يتبع جعفرا منكم، إنما أصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، فهؤلاء أصحابي (1). 7 - حنان بن سدير، عن أبي سارة الغزال، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك، تكن من أورع الناس. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان المنقري، عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الورع من الناس، فقال الذي يتورع عن محارم الله عز وجل. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن أبي اسامة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الامانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، وعليكم بطول الركوع والسجود، فإن أحدكم إذا طال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت.
(1) في ذكر الرجاء بعد العمل والورع تنبيه على انهما سبب لرجاء الثواب لا للثواب و على أنه لا ينبغى لاحد أن يتكل بعمله، غاية ما في الباب له أن يجعله وسيلة للرجاء لان الرجاء بدونهما غرور وحمق. وفيه دلالة على أنه كره ما قاله أبو الصباح لما فيه من الخشونة وسوء الادب (لح).
[ 78 ]
10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن أبي زيد، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحب به وقرب من
مجلسه، ثم قال: يا عيسى بن عبد الله ليس منا - ولا كرامة - من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد اورع منه (1). 11 - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي كهمس، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) أوصني، قال أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد (2) واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه. 12 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أعينونا بالورع، فإنه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا، وإن الله عز وجل يقول: " من يطع الله ورسوله فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا (3) " فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون. 13 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون بجميع أمرنا متبعا مريدا، ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع، فتزينوا به، يرحمكم الله وكبدوا أعدائنا [ به ] ينعشكم الله (4). 14 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن العلاء، عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية.
(1) المراد أن يكون في المخالفين أحد أورع منه وذلك لان أصحابنا بعضهم أورع من بعض فيلزم أن لا يكون منهم إلا الفرد الاعلى خاصة (في). (2) الاجتهاد تحمل المشقة في العبادة (في)، (3) في سورة النساء 69 وفيها " والرسول " وكانه نقل بالمعنى، أو سهو من النساخ. (4) التكبيد بالباء الموحدة من الكبد بمعنى الشدة والمشقة أي أوقعوهم في الالم والمشقة
لانه يصعب عليهم ورعكم وفى بعض النسخ [ كيدوا أعداءنا ] أي حاربوهم بالورع يصير سببا لكف ألسنتهم عنكم وترك ذمهم لكم: أو احتالوا بالورع يرغبوا في دينكم. والنعش: الرفع والاقامة.
[ 79 ]
15 - الحسين بن محمد، عن على بن محمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم، عن محمد ابن حمزة العلوي قال: أخبرني عبيدالله بن علي، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام): قال: كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم [ من ] خلق [ ا ] لله أورع منه. (باب العفة) 1 - علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما عبد الله بشئ أفضل من عفة بطن وفرج. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن أفضل العبادة عفة البطن والفرج. 3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: أفضل العبادة العفاف. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله (1)، عن أبيه، عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلى أبي عثمان (2)، عن أبي بصير قال: قال رجل لابي جعفر (عليه السلام): إني ضعيف العمل قليل الصيام ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالا، قال: فقال له: أي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أكثر ما تلج به امتي النار الاجوفان: البطن والفرج.
6 - وبإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث أخافهن على امتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة ومضلات الفتن (3) وشهوة البطن والفرج.
(1) في بعض النسخ [ أحمد بن محمد ]. وفى بعضها [ أحمد بن محمد أبى عبد الله ] والكل واحد يعنى البرقى. (2) في بعض النسخ [ معلى بن عثمان ] وكلاهما رجل واحد. (3) أريد بمضلات الفتن الامتحانات التى تصير سببا للضلالة (في).
[ 80 ]
7 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابه، عن ميمون القداح قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج. (باب) * (اجتناب المحارم) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " ولمن خاف مقام ربه جنتان (1) " قال: من علم أن الله عز وجل يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال، فذلك الذي " خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ". 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث: عين سهرت في سبيل الله وعين فاضت من خشية الله (2) وعين غضت (3) عن محارم الله. 3 - علي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: فيما ناجى الله عز وجل به موسى (عليه السلام) يا موسى: ما تقرب إلى المتقربون بمثل الورع عن محارمي، فإني ابيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا. 4 - علي [ بن إبراهيم ]، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا ثم قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان منه ولكن ذكر الله عند ما أحل وحرم، فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها.
(1) الرحمن: 46. وقد مر الخبر في باب الخوف والرجاء. (2) اسناد الفيض إلى العين مجاز وفاض الماء والدمع فيضا: كثر حتى سال (3) على بناء المفعول يقال غض طرفه أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه.
[ 81 ]
5 - ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (1) " قال: أما والله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي (2) ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه. 6 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ترك معصية لله مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة. (باب أداء الفرائض) 1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين (صلوات الله عليهما): من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار
عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " اصبروا و صابروا ورابطوا (3) " قال: اصبروا على الفرائض. 3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " اصبروا وصابروا ورابطوا " قال: اصبروا على الفرائض وصابروا على المصائب و رابطوا على الائمة (عليهم السلام) (4). وفي رواية ابن محبوب، عن أبي السفاتج [ وزاد فيه ] فاتقوا الله ربكم فيما افترض عليكم.
(1) الفرقان: 23. " وقدمنا " أي قصدنا وعمدنا " إلى ما عملوا من عمل " كقرى الضيف وصلة الرحم واغاثة الملهوف وغيرها " فجعلناه هباء منثورا " فلم يبق له أثر. والهباء: غبار يرى في شعاع الشمس الطالع من الكوة من الهبوة وهى الغبار (آت). (2) القباطى - بالفتح - الثياب البيض الرقاق المصرية والقبط بالكسر يقال لاهل مصر. (3) آل عمران: 200. (4) المراد به ربط النفس على طاعتهم وانقيادهم وانتظار فرجهم.
[ 82 ]
4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس. 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله تبارك وتعالى: ما تحبب (1) إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه. (باب) * (استواء العمل والمداومة عليه) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي قال.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه إن شاء إلى غيره وذلك أن ليلة القدر يكون فيها في عامه (2) ذلك، ما شاء الله أن يكون (3). 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أحب الاعمال إلى الله عز وجل مادا [ و ] م عليه العبد و إن قل. 3 - أبو علي الاشعري، عن عيسى بن أيوب، عن علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار، عن نجبة (4)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من شئ أحب إلى الله عز وجل من عمل يداوم عليه وإن قل. 4 - عنه، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يقول: إني لاحب أن اداوم على العمل وإن قل.
(1) التحبب: جلب المحبة أو إظهارها والاول أنسب (آت). (2) في بعض النسخ [ عامة ]. (3) " يكون " خبر إن و " فيها " خبر يكون الضمير راجع إلى الليلة. وقوله: " ما شاء الله أن يكون " اسم يكون وقوله: " في عامه " متعلق بيكون أو حال عن الليلة، والحاصل انه إذا داوم سنة يصادف ليلة القدر التى يكون فيها ما شاء الله كونه من البركات والخيرات والمضاعفات فيصير له هذا العمل مضاعفا مقبولا. ويحتمل أن يكون الكون بمعنى التقدير أو يقدر مضاف في ما شاء الله (آت). (4) " نجبة " بالنون والجيم المفتوحتين والباء الموحدة.
[ 83 ]
5 - عنه، عن فضالة بن أيوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يقول: إني لاحب أن أقدم على ربي وعملي مستو (1). 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن جعفر بن بشير، عن عبد الكريم بن عمرو، عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إياك
أن تفرض على نفسك فريضة فتفارقها اثني عشر هلالا. (باب العبادة) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في التوارة مكتوب: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملا قلبك غنى ولا أكلك إلى طلبك وعلي أن أسد فاقتك، وأملا قلبك خوفا مني، وإن لا تفرغ لعبادتي أملا قلبك شغلا بالدنيا ثم لا أسد فاقتك وأكلك إلى طلبك. 2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا (2) فإنكم تتنعمون بها في الآخرة. 3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله: أفضل الناس من عشق العبادة، فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا، على عسر أم على يسر. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن شاذان بن الخليل قال - وكتبت من كتابه بإسناد له، يرفعه إلى عيسى بن عبد الله قال: - قال عيسى بن عبد الله لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ما العبادة؟ قال: حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها، أما إنك يا عيسى لا تكون مؤمنا حتى تعرف الناسخ من المنسوخ، قال: قلت
(1) يعنى لا يزيد ولا ينقص على حسب الازمنة بافراط وتفريط (في). (2) إن الباء صلة، فان الصديقين والمقربين يتلذذون بعبادتهم. وقيل: الباء سببية.
[ 84 ]
جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟ قال: فقال: أليس تكون مع الامام موطنا نفسك على حسن النية في طاعته، فيمضي ذلك الامام ويأتي إمام آخر فتوطن
نفسك على حسن النية في طاعته؟ قال: قلت: نعم، قال: هذا معرفة الناسخ من المنسوخ.. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [ إن ] العباد ثلاثة (1): قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له، فتلك عبادة الاحرار وهي أفضل العبادة. 6 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أقبح الفقر بعد الغنى وأقبح الخطيئة بعد المسكنة وأقبح من ذلك العابد لله ثم يدع عبادته. 7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: من عمل بما افترض الله عليه فهو من أعبد الناس. (باب النية) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: لا عمل إلا بنية (2). 2 - علي عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله: نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله، و كل عامل يعمل على نيته (3).
(1) في بعض النسخ [ العبادة ثلاث ]. (2) يعنى لا عمل يحسب من عبادة الله تعالى ويعد من طاعته بحيث يصح أن يترتب عليه الاجر في الاخرة الا ما يراد به التقرب إلى الله تعالى والدار الاخرة أعني يقصد به وجه الله سبحانه والتوصل إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه وبالجملة إمتثال أمر الله تعالى في ما ندب عباده إليه ووعدهم الاجر عليه. وانما يأجرهم على حسب اقدارهم ومنازلهم ونياتهم (في).
(3) أي عمل كل عامل على وفق نيته في النقص والكمال والرد والقبول. لان المدار في الاعمال على النية التابعة للحالة التى اتصفت النفس بها من العقائد والاخلاق الحسنة والسيئة (آت).
[ 85 ]
3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العبد المؤمن الفقير ليقول: يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير، فإذا علم الله عز وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الاجر مثل ما يكتب له لو عمله، إن الله واسع كريم. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن أسباط، عن محمد بن إسحاق بن الحسين، عن عمرو (1) عن حسن بن أبان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا؟ فقال: حسن النية بالطاعة. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن أحمد بن يونس، عن أبي هاشم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما خلد أهل النار في النار لان نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا، وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لان نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالى: " قل كل يعمل على شاكلته (2) " قال: على نيته. (باب) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن الاحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن لكل عبادة شرة (3) ثم تصير إلى فترة فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى ومن خالف سنتي فقد ضل وكان عمله في تباب (4) أما إني اصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني. وقال: كفى بالموت
موعظة وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلا.
(1) في بعض النسخ [ محمد بن اسحاق بن الحسن بن عمر ]. (2) الاسراء: 84. وكأن الاستشهاد بالاية مبنى على أن المدار في الاعمال على النية التابعة للحالة التى اتصفت النفس بها من العقائد والاخلاق الحسنة والسيئة فإذا كانت النفس على العقائد الثابتة والاخلاق الحسنة الراسخة التى لا يتخلف عنها الاعمال الصالحة الكاملة لو بقى في الدنيا أبدا فبتلك الشاكلة والحالة استحق الخلود في الجنة وإن كانت النفس على خلاف ذلك استحق الخلود في النار. (3) الشرة بالكسر شدة الرغبة والنشاط (في). (4) التباب: الخسران والهلاك وفى بعض النسخ [ تبار ] وهو أيضا الهلاك.
[ 86 ]
2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجال، عن ثعلبة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لكل أحد شرة ولكل شرة فترة، فطوبى لمن كانت فترته إلى خير. (باب) * (الاقتصاد في العبادة) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق (1) ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبت (2) الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى (3). محمد بن سنان، عن مقرن، عن محمد بن سوقة، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان ابن سدير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل إذا أحب عبدا فعمل
[ عملا ] قليلا جزاه بالقليل الكثير ولم يتعاظمه أن يجزي بالقليل الكثير له. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد: عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم عن منصور، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مر بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث (4) وقد اجتهدت في العبادة، فرآني وأنا أتصاب عرقا، فقال لي: يا جعفر يا بني إن الله إذا أحب عبدا أدخله الجنة ورضي عنه باليسير.
(1) الايغال: السير الشديد والامعان في السير والوغول الدخول في الشئ يعنى سيروا في الدين برفق وابلغوا الغاية القصوى منه بالرفق لا على التهافت والخرق ولا تحملوا على انفسكم ولا تكلفوها ما لا تطيق فتعجز وتترك الدين والعمل (في). (2) المنبت: بفتح الموحدة بعد النون وتشديد المثناة من فوق، يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته: قد انبت، من البت بمعنى القطع فهو مطاوع بت (في). (3) الظهر: المركب، يريد أنه بقى في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب مركبه (في). (4) الحدث: الشاب. جمع أحداث وحدثان.
[ 87 ]
5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اجتهدت في العبادة وأنا شاب، فقال لي أبي: يا بني دون ما أراك تصنع، فإن الله عز وجل إذا أحب عبدا رضي عنه باليسير. 6 - حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح، عن معاذ بن ثابت، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، [ ف ] إن المنبت - يعني المفرط - لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما واحذر حذر من يتخوف أن يموت غدا.
(باب) * (من بلغه ثواب من الله على عمل) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه، كان له، وإن لم يكن على ما بلغه. 2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمران الزعفراني عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب، أوتيه، وإن لم يكن الحديث كما بلغه (1). (باب الصبر) 1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي ابن رئاب، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصبر رأس الايمان. 2 - أبو علي الاشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان.
(1) يعني ما إذا كان العمل مسنونا في الكتاب والسنة النبوية من دون أن يقدر له هذا الثواب العاجل أو الاجل وإلا فلا أجر له أبدا - إن لم يكن عليه وزر - لقول النبي (عليه السلام) " لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ولانية إلا بإصابة السنة ".
[ 88 ]
3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه: وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم بن محمد الاصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا حفص إن من صبر صبر قليلا وإن من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع امورك، فإن الله عز وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) فأمره بالصبر والرفق،
فقال: " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني والمكذبين اولي النعمة (1) " وقال تبارك وتعالى: " ادفع بالتي هي أحسن [ السيئة ] فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقيها إلا الذين صبروا وما يلقيها إلا ذو حظ عظيم (2) "، فصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نالوه بالعظائم ورموه بها (3)، فضاق صدره فأنزل الله عز وجل " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين (4) " ثم كذبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل الله عز وجل " قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا (5) " فألزم النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه الصبر، فتعدوا فذكروا الله (6) تبارك وتعالى وكذبوه، فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهى، فأنزل الله عز وجل " ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون (7) " فصبر النبي (صلى الله عليه وآله) في جميع أحواله ثم بشر في عترته بالائمة و وصفوا بالصبر، فقال: جل ثناؤه: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (8) " فعند ذلك قال (صلى الله عليه وآله): الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، فشكر الله عز وجل ذلك له، فأنزل الله عز وجل " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (9) "
(1) المزمل: 10. والهجر الجميل هو أن يجانبهم ويداريهم ولا يكافيهم ويكل أمرهم إلى الله تعالى: (لح). (2) فصلت: 35. لفظة " السيئة " ليست في المصاحف ولكن هي موجودة في أكثر النسخ. (3) أي الكذب و الجنون (4) الحجر: 97 و 98 (5) الانعام: 33. (6) في بعض النسخ [ فذكر الله ]. (7) ق: 38. واللغوب: التعب والاعياء. (8) السجدة: 24. (9) الاعراف: 136 و " دمرنا " الدمار: الهلاك. " وما كانو يعرشون "
أي من الاشجار والاعناب والثمار أو ما كانوا يرفعونه من البنيان.
[ 89 ]
فقال (صلى الله عليه وآله): إنه بشرى وانتقام، فأباح الله عز وجل له قتال المشركين فأنزل [ الله ] " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد (1) " واقتلوهم حيث ثقفتموهم (2) " فقتلهم الله على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) و أحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر [ الله ] له عينه في أعدائه، مع ما يدخر له في الآخرة. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي محمد عبد الله السراج، رفعه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الحر حر على جميع أحواله، إن نابته نائبة (3) صبر لها وإن تداكت عليه المصائب (4) لم تكسره وإن اسر وقهر واستبدل باليسر عسرا (5) كما كان يوسف الصديق الامين (صلوات الله عليه) لم يضرر حريته أن استعبد وقهر واسر ولم تضرره ظلمة الجب و وحشته (6) وما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد إذ كان [ له ] مالكا، فأرسله ورحم به امة وكذلك الصبر يعقب خيرا، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر توجروا. 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير، عن حمزة بن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الجنة محفوفة (7) بالمكاره
والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة وجهنم محفوفة باللذات والشهوات
(1) التوبة: 6. (2) البقرة: 191. ثقفه: صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه. (3) النوب: نزول الامر كالنوبة أي أصابته مصيبة. (4) تداكت: تداقت عليه مرة بعد اخرى. والتداكك: الازدحام. واصل الدك: الكسر. (5) في بعض النسخ [ بالعسر يسرا ]. (6) الجب: البئر. (7) حفه بالشئ كمده: أحاط به.
[ 90 ]
فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن مرحوم، عن أبي سيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر مظل عليه (1) ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه. 9 - علي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) المسجد، فإذا هو برجل على باب المسجد، كئيب حزين، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما لك؟ قال: يا أمير المؤمنين اصبت بأبي [ وامي ] وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت (2)، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): عليك بتقوى الله والصبر تقدم عليه غدا، والصبر في الامور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الامور فسدت الامور. 10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال لي: ما حبسك عن الحج؟ قال: قلت: جعلت فداك وقع علي دين كثير وذهب مالي، وديني الذي قد لزمني هو أعظم من ذهاب مالي، فلولا أن رجلا من أصحابنا أخرجني ما قدرت أن أخرج، فقال لي: إن تصبر
تغتبط وإلا تصبر ينفذ الله مقاديره، راضيا كنت أم كارها. 11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن الاصبغ قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): الصبر صبران: صبر عند المصيبة، حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عز وجل عليك، والذكر ذكران: ذكر الله عز وجل عند المصيبة وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك، فيكون حاجزا.
(1) في بعض النسخ [ مطل ] بالمهملة واطل عليه: أشرف. (2) لعل المراد بخشية الوجل خوفه أن يكون قد انشق مرارته من شدة ما أصابه من الالم أو المعنى أخشى أن يكون حزنى بلغ حدا مذموما شرعا، فعبر عنه بالوجل.
[ 91 ]
12 - أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن العرزمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا بالغصب والبخل، ولا المحبة إلا باستخراج الدين (1) واتباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضة (2) وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق بي. 13 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لما حضرت أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) الوفاة ضمني إلى صدره وقال: يا بني اوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بني اصبر على الحق وإن كان مرا. 14 - عنه (3)، عن أبيه [ عن يونس بن عبد الرحمن ] رفعه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الصبر صبران: صبر على البلاء، حسن جميل، وأفضل الصبرين الورع عن المحارم.
15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: أخبرني يحيى بن سليم الطائفي قال: أخبرني عمرو بن شمر اليماني، يرفع الحديث إلى علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية (4)، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الارض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الارض (5) إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الارض إلى منتهى العرش.
(1) أي طلب خروج الدين من القلب أو بطلب خروجهم من الدين (آت). (2) أي بغضة الناس له لعدم اتباعه أهواءهم. (3) الضمير راجع إلى أحمد فتنسحب عليه العدة (آت). (4) في بعض النسخ [ على المعصية ]. (5) في الصحاح التخم: منتهى كل قرية أو أرض والجمع تخوم كفلس وفلوس.
[ 92 ]
16 - عنه، عن علي بن الحكم، عن يونس بن يعقوب قال: أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن آتي المفضل واعزيه باسماعيل وقال: اقرأ المفضل السلام (1) وقل له: إنا قد اصبنا بإسماعيل فصبرنا، فاصبر كما صبرنا، إنا أردنا أمرا وأراد الله عز وجل أمرا، فسلمنا لامر الله عز وجل. 17 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له مثل أجر ألف شهيد. 18 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن
مروان، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أنعم على قوم، فلم يشكروا، فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة. 19 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن أبراهيم بن عبد الحميد، عن أبان بن أبي مسافر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا (2) " قال: اصبروا على المصائب. وفي رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صابروا على المصائب (3). 20 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى، عن علي بن محمد بن أبي جميلة، عن جده أبي جميلة، عن بعض أصحابه قال: لولا أن الصبر خلق قبل البلاء لتفطر المؤمن كما تتفطر البيضة على الصفا (4). 21 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق ابن عمار وعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضا، فمن أقرضني منها قرضا أعطيته
(1) الظاهر أنه مفضل بن عمر (آت). (2) آل عمران: 200. (3) كأنه تتمة الخبر الثاني المتقدم من باب إداء الفرائض ص 81. (4) الفطر: الشق، يقال: فطره فانفطر وتفطر. والصفا: جمع الصفاة وهى الصلد الضخم.
[ 93 ]
بكل واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه شيئا قسرا [ فصبر ] أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني قال: ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) قول الله عز وجل: " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * اولئك عليهم صلوات من ربهم
(فهذه واحدة من ثلاث خصال) ورحمة (اثنتان) واولئك هم المهتدون (1) " ثلاث، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا. 22 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن يحيى بن آدم، عن شريك، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مروة الصبر (2) في حال الحاجة والفاقة والتعفف والغنا (3) أكثر من مروة الاعطاء. 23 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام) يرحمك الله ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس. 24 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي النعمان، عن أبي عبد الله أو أبي جعفر عليهما السلام قال: من لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز. 25 - أبو علي الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنا صبر (4) وشيعتنا أصبر منا، قلت: جعلت فداك كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟ قال: لانا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون.
(1) البقرة: 175. (2) في بعض النسخ [ مرارة ] في الموضعين. (3) في بعض النسخ [ العناء ] بالمهملة. (4) بضم الصاد وتشديد الباء المفتوحة جمع الصابر.
[ 94 ]
(باب الشكر)
1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الطاعم الشاكر، له من الاجر كأجر الصائم المحتسب، والمعافى الشاكر له من الاجر كأجر المبتلى الصابر، والمعطى الشاكر له من الاجر كأجر المحروم القانع. 2 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه (1) باب الزيادة. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن جعفر بن محمد البغدادي، عن عبد الله بن إسحاق الجعفري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مكتوب في التوارة اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعماء (2) إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير (3). 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن علي، عن علي ابن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن [ أبي جعفر أو ] أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: المعافى الشاكر له، من الاجر ما للمبتلى الصابر، والمعطى الشاكر له من الاجر كالمحروم القانع. 5 - عنه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن الحصين، عن فضل البقباق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " وأما بنعمة ربك فحدث (4) " قال: الذي أنعم عليك بما فضلك وأعطاك وأحسن إليك، ثم قال: فحدث بدينه وما أعطاء الله وما أنعم به عليه.
(1) في بعض النسخ [ عليه ]. (2) في بعض النسخ [ لا زوال من نعمائي ] (3) يعني من التغيير، قال في النهاية في حديث الاستسقاء: من يكفر الله يلقى الغير أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد، والغير الاسم من قولك غيرت الشئ فتغير (في).
(4) الضحى: 11.
[ 95 ]
6 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها، فقالت: يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا. قال: وكان سول الله (صلى الله عليه وآله) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه وتعالى: " طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (1) ". 7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن حسن بن جهم، عن أبي اليقظان، عن عبيد الله بن الوليد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث لا يضر معهن شئ: الدعا عند الكرب والاستغفار عند الذنب والشكر عند النعمة. 8 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من اعطي الشكر اعطي الزيادة، يقول الله عز وجل: " لئن شكرتم لازيدنكم (2) ". 9 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن رجلين من أصحابنا، سمعاه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد. 10 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شكر النعمة اجتناب المحارم و تمام الشكر قول الرجل: الحمد الله رب العالمين. 11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عيينة، عن عمر ابن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عز وجل عليها (3).
12 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران،
(1) طه: 1 و 2. (2) إبراهيم 7 (3) في بعض النسخ [ أن يحمد الله عز وجل عليها ].
[ 96 ]
عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: نعم قلت: ما هو؟ قال: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه ومنه قوله عز وجل: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كناله مقرنين (1) " ومنه قوله تعالى: " رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين (2) " وقوله: " رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا (3) ". 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن (صلوات الله عليه) يقول: من حمد الله على النعمة فقد شكره وكان الحمد أفضل [ من ] تلك النعمة. 14 - محمد بن يحيى، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت، فقال: الحمد لله، إلا أدى شكرها. 15 - أبو علي الاشعري، عن عيسى بن أيوب، عن علي بن مهزيار، عن القاسم بن محمد، عن إسماعيل بن أبي الحسن، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدى شكرها. 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الرجل منكم ليشرب الشربة من
الماء فيوجب الله له بها الجنة، ثم قال: إنه ليأخذ الاناء فيضعه على فيه فيسمي (4)
(1) الزخرف: 13. (2) المؤمنون: 92. (3) الاسراء: 80. وقوله (عليه السلام): منه قوله عز وجل سبحان الذى الاية. يعني ومن الحق الذى يجب إداؤه فيما أنعم الله عليه أن يقول عند ركوب الفلك أو الدابة اللتين أنعم الله بهما عليه ما قاله سبحانه تعليما لعباده وارشادا لهم حيث قال عز وجل: " وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون لتستووا على ظهوره، ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا " سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " أي مطيقين وأن يقول عند نزوله من أحدهما: " رب أنزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين " وأن يقول عند دخوله الدار أو البيت: " رب أدخلني مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا ". (4) التسمية أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
[ 97 ]
ثم يشرب فينحيه وهو يشتهيه فيحمد الله، ثم يعود فيشرب، ثم ينحيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب، ثم ينحيه فيحمد الله، فيوجب الله عز وجل بها له الجنة. 17 - ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني سألت الله عز وجل أن يرزقني مالا فرزقني وإني سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني ولدا وسألته أن يرزقني دارا فرزقني وقد خفت أن يكون ذلك استدراجا (1)، فقال: أما - والله - مع الحمد فلا. 18 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان قال خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المسجد، وقد ضاعت دابته، فقال: لئن ردها الله علي لاشكرن الله حق شكره، قال: فما لبث أن اتي بها، فقال: الحمد لله، فقال له قائل: جعلت فداك أليس قلت: لاشكرن الله حق شكره؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ألم تسمعني قلت: الحمد الله؟.
19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن المثنى الحناط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ورد عليه أمر يسره قال: الحمد لله على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال: الحمد لله على كل حال. 20 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلى المبتلى من غير أن تسمعه: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به، ولو شاء فعل، قال: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبدا. 21 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان ابن عثمان، عن حفص الكناسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من عبد يرى مبتلى فيقول: " الحمد الله الذي عدل عني ما ابتلاك به، وفضلني عليك بالعافية، اللهم عافني مما ابتليته به " إلا لم يبتل بذلك البلاء.
(1) في القاموس استدرجه: خدعه وأدناه كدرجه واستدراجه تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار، أو أن يأخذه قليلا ولا يباغته والبغتة: الفجأة.
[ 98 ]
22 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رأيت الرجل وقد ابتلي وأنعم الله عليك فقل: اللهم إني لا أسحر ولا أفخر (1) ولكن أحمدك على عظيم نعمائك علي. 23 - عنه، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن حفص بن عمر، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا الله ولا تسمعوهم فإن ذلك يحزنهم. 24 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في سفر يسير على ناقة له، إذا نزل فسجد خمس
سجدات فلما أن ركب قالوا: يا رسول الله إنا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه؟ فقال نعم استقبلني جبرئيل (عليه السلام) فبشرني ببشارات من الله عز وجل، فسجدت لله شكرا لكل بشرى سجدة. 25 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن يونس بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا ذكر أحدكم نعمة الله عز وجل فليضع خده على التراب شكرا لله، فإن كان راكبا فلينزل فليضع خده على التراب وإن لم يكن يقدر على النزول للشهره فليضع خده على قربوسه وإن لم يقدر فليضع خده على كفه (2) ثم ليحمد الله على ما أنعم الله عليه. 26 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن هشام بن أحمر قال: كنت أسير مع أبي الحسن (عليه السلام) في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته، فخر ساجدا، فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود؟ فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي. 27 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله صاحب السابري فيما اعلم أو غيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فيما أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) يا موسى اشكرني حق شكري، فقال، يا رب، وكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك إلا وأنت أنعمت به علي؟ قال: يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني.
(1) يعنى لا أسخر من هذا المبتلى بابتلائه بذلك ولا أفخر عليه ببرائتي منه (في). (2) في بعض النسخ [ فليضع كفه على خده ]
[ 99 ]
28 - ابن أبي عمير، عن ابن رئاب، عن إسماعيل بن الفضل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرات، " اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر
بها علي يا رب حتى ترضى وبعد الرضا " فإنك إذا قلت ذلك كنت قد أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة. 29 - ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان نوح (عليه السلام) يقول ذلك (1) إذا أصبح، فسمي بذلك عبدا شكورا، وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صدق الله نجا. 30 - علي بن أبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة، عن عمار الدهني قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إن الله يحب كل قلب حزين ويحب كل عبد شكور، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يا رب، فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره، ثم قال: أشكر كم لله أشكر كم للناس. (باب حسن الخلق) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. 2 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن رجل من أهل المدينة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أربع من كن فيه كمل إيمانه وإن كان من قرنه إلى قدمه
(1) يعني الدعاء المذكور السابق (آت).
[ 100 ]
ذنوبا لم ينقصه ذلك، [ قال ] وهو الصدق وأداء الامانة والحياء وحسن الخلق (1).
4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن عنبسة العابد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه (2). 5 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ذريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أكثر ما تلج به امتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق. 7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين الاحمسي وعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد (3). 8 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الاعمار. 9 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد قال: حدثني يحيى بن عمرو، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أوحى الله تبارك وتعالى إلى بعض أنبيائه (عليهم السلام): الخلق الحسن يميث الخطيئة، كما تميث الشمس الجليد.
(1) لا يخفى أن الصدق يخرج كثيرا من الذنوب كالكذب وما يشاكله وكذا أداء الامانة يخرج كثيرا من الذنوب كالخيانة في أموال الناس ومنع الزكوات و الاخماس وسائر حقوق الله وكذا الحياء من الحق يمنعه من التظاهر باكثر المعاصي والحياء من الله يمنعه من تعمد المعاصي والاصرار عليها ويدعوه إلى التوبة سريعا وكذا حسن الخلق يمنعه عن المعاصي المتعلقة بايذاء الخلق كعقوق الوالدين وقطع الارحام والاضرار بالمسلمين، فلا يبقى من
الذنوب الا قليل لا يضر في ايمانه مع أنه موفق للتوبة والله الموفق. (2) أي يكون خلقه الحسن وسيعا بحيث يشمل جميع الناس (آت). (3) " يميث الخطيئة " بالثاء المثلثة أي يذيبها. والجليد ما يسقط على الارض من الندى فيجمد. كذا في المغرب وفى النهاية فيه حسن الخلق ي ذيب الخطايا كما يذيب الشمس الجليد وهو الماء الجامد من البرد.
[ 101 ]
10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: هلك رجل على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) فاتي الحفارين فإذا بهم لم يحفروا شيئا وشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله ما يعمل حديدنا في الارض، فكأنما نضرب به في الصفا (1)، فقال: ولم إن كان صاحبكم لحسن الخلق، ايتوني بقدح من ماء، فأتوه به، فأدخل يده فيه، ثم رشه على الارض رشا، ثم قال: احفروا (2) قال: فحفر الحفارون، فكأنما كان رملا يتهايل عليهم (3). 11 - عنه، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن الخلق منيحة (4) يمنحها الله عز وجل خلقه، فمنه سجية ومنه نية (5)، فقلت، فأيتهما أفضل؟ فقال: صاحب السجية، هو مجبول لا يستطيع غيره وصاحب النية يصبر على الطاعة تصبرا، فهو أفضلهما. 12 - وعنه، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن إبراهيم، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك و تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح. 13 - عنه، عن عبد الله الحجال، عن أبي عثمان القابوسي، عمن ذكره،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أعار أعداءه أخلاقا من أخلاق أوليائه ليعيش أولياؤه مع أعدائه في دولاتهم. وفي رواية اخرى: ولولا ذلك لما تركوا وليا لله إلا قتلوه. 14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار
(1) الصفا جمع الصفاة وهي الصخرة الملساء. (2) لعل مراده (صلى الله عليه وآله) بيان أنه ليس صعوبة الحفر من جهة أنه لا تقبله الارض، لانه كان حسن الخلق بل من خصوصية الارض. (3) هال عليه التراب فانهال صب. (4) المنيحة كسفينة والمنحة بالكسر: العطية. (5) " فمنه سجية " اي جبلة وطبيعة، وقوله " ومنه نية " أي يكون عن قصد واكتساب و تعمد (في).
[ 102 ]
عن العلاء بن كامل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحدا من الناس إلا كانت يدك العليا عليه (1) فافعل، فإن العبد يكون فيه بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن خلق، فيبلغه الله ب [ حسن ] خلقه درجة الصائم القائم. 15 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن بحر السقا قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا بحر حسن الخلق يسر، ثم قال: ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة قلت: بلى، قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالس في المسجد إذا جاءت جارية لبعض الانصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي (صلى الله عليه وآله) فلم تقل شيئا ولم يقل لها النبي (صلى الله عليه وآله) شيئا حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها النبي في الرابعة وهي خلفه، فأخذت هدبة (2) من ثوبه ثم رجعت فقال لها الناس: فعل الله بك و فعل (3) حبست رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث مرات، لا تقولين له شيئا ولا هو يقول لك
شيئا، ما كانت حاجتك إليه؟ قالت: إن لنا مريضا فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه، [ ل ] يستشفي بها، فلما أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها و وهو يراني وأكره أن أستأمره في أخذها، فأخذتها. 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حبيب الخثعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفاضلكم أحسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم (4)؟ 17 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
(1) أي كنت نفاعا له، يصل نفعك إليه من أية جهة كانت (في). (2) الهدبة: خمل الثوب. (3) دعاء عليها. (4) الاكناف بالنون جمع الكنف بمعنى الجانب والناحية يقال: رجل موطئ الاكناف أي كريم مضياف، وذكر أبن الاثير في النهاية هذا الحديث هكذا " ألا أخبركم باحبكم إلى و وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة احاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون " قال: هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهى التمهيد والتذلل، وفراش وطئ لا يؤذى جنب النائم والاكناف: الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئه يتمكن منها من يصاحبهم ولا يتأذى (في).
[ 103 ]
18 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم. (باب حسن البشر (1)) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسن ابن الحسين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بني عبد
المطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر. ورواه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) إلا أنه قال: يا بني هاشم. 2 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له الجنة: الانفاق من إقتار (2) والبشر لجميع العالم، والانصاف من نفسه. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل، فقال: يا رسول الله أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: الق أخاك بوجه منبسط. 4 - عنه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما حد حسن الخلق؟ قال: تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن. 5 - عنه، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي، عن فضيل قال (3): صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبة ويدخلان الجنة والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة،
(1) البشر بالكسر: طلاقة الوجه و بشاشته ضد العبوس. (2) الاقتار: التضيق على الانسان في الرزق. (3) الضمير في قال راجع إلى الباقر أو الصادق (عليهما السلام) وكأنه سقط من النساخ أو الرواة وصنائع المعروف: الاحسان إلى الغير بما يعرف حسنه شرعا وعقلا وكان الاضافة للبيان (آت).
[ 104 ]
عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسن البشر يذهب بالسخيمة (1).
(باب الصدق واداء الامانة) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين ابن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا بصدق الحديث وأداء الامانة إلى البر والفاجر. 2 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمار وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة (2) و الصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الامانة. - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من صدق لسانه زكى عمله. 4 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) في أول دخلة دخلت عليه: تعلموا الصدق قبل الحديث. 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي كهمس قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام، قال: عليك وعليه السلام إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له: إن جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالزمه، فإن عليا (عليه السلام) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصدق الحديث وأداء الامانة. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي إسماعيل البصري عن فضيل بن يسار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا فضيل إن الصادق أول من يصدقه الله عز وجل، يعلم أنه صادق وتصدقه نفسه تعلم أنه صادق.
(1) السخيمة: الحقد في النفس. (2) اللهج بالشئ: الحرص عليه.
[ 105 ]
7 - ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما سمي إسماعيل صادق الوعد لانه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة (1) فسماه الله عز وجل صادق الوعد، ثم [ قال ] إن الرجل أتاه بعد ذلك فقال له إسماعيل مازلت منتظرا لك. 8 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن جده الربيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا ربيع إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقا (2). 9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن العبد ليصدق حتى يكتب عند الله من الصادقين ويكذب حتى يكتب عند الله من الكاذبين فإذا صدق قال الله عز وجل: صدق وبر، وإذا كذب قال الله عز وجل: كذب وفجر (3). 10 - عنه (4)، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منك الاجتهاد والصدق والورع. 11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم قال: قال أبو الوليد حسن بن زياد الصيقل: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من صدق لسانه زكى عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهل بيته مد له في عمره. 12 - عنه، عن أبي طالب، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك شئ اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.
(1) أي يراقب ذلك المكان ليجئ صاحبه.
(2) الصديق مبالغة في الصدق أو التصديق والايمان بالرسول قولا وفعلا. والصديقون هم قوم دون الانبياء في الفضيلة. (3) البر: التوسع في فعل الخير ويستعمل في الصدق لكونه بعض الخيرات للتوسع فيه وبر العبد ربه توسع في طاعته وسمى الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور. قاله الراغب. (4) ضمير عنه راجع إلى أحمد (آت).
[ 106 ]
(باب الحياء) 1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحياء من الايمان والايمان في الجنة. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الحياء والعفاف والعي (1) - أعني عي اللسان لا عي القلب - من الايمان. 3 - الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن مصعب بن يزيد، عن العوام ابن الزبير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من رق وجهه رق علمه (2). 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن يحيى أخي دارم عن معاذ بن كثير، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الحياء والايمان مقرونان في قرن (3) فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه. 5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الفضل بن كثير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا إيمان لمن لا حياء له. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض أصحابنا، رفعه
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحياء حياءان: حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل، هو العلم وحياء الحمق هو الجهل.
(1) عيى بامنطق كرضى بالكسر: حسر. والمراد بعى اللسان ترك الكلام فيما لا فائدة فيه. (2) المراد برقة الوجه الاستحياء عن السؤال وطلب العلم وهو مذموم، فانه لا حياء في طلب العلم ولا في إظهار الحق وإنما الحياء عن الامر القبيح، قال الله تعالى: " إن الله لا يستحيى عن الحق " ورقة العلم كناية عن قلته: وما قيل: إن المراد برقة الوجه قلة الحياء فضعفه ظاهر (آت). (3) القرن: حبل يجمع به البعيران.
[ 107 ]
7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن إبراهيم، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع من كن فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوبا بدلها الله حسنات (1): الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر. (باب العفو) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته: ألا اخبركم بخير خلائق (2) الدنيا والآخرة؟: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والاحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك. 2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس ابن يعقوب، عن غرة بن دينار الرقي، عن أبي إسحاق السبيعي، رفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله نشيب اللفائفي، عن حمران بن أعين قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة: تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك. 4 - علي، عن أبيه ; ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الاولين والآخرين
(1) إشارة إلى قوله تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله رحيما " سورة الفرقان: 96 (2) الخلائق جمع الخليقة وهى الطبيعة والمراد هنا الملكات النفسانية الراسخة (آت).
[ 108 ]
في صعيد واحد، ثم ينادي مناد: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس (1) فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلما، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة. 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن جهم بن الحكم المدائني عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالعفو، فان العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فتعافوا يعزكم الله. 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة. 7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن سعدان، عن معتب قال: كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) في حائط له يصرم (2) فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة (3)
من تمر فرمى بها وراء الحائط، فأتيته وأخذته وذهبت به إليه، فقلت: جعلت فداك إني وجدت هذا وهذه الكارة، فقال للغلام: يا فلان قال: لبيك، قال: أتجوع؟ قال: لا يا سيدي، قال: فتعرى؟ قال: لا يا سيدي، قال: فلاي شئ أخذت هذه؟ قال: اشتهيت ذلك، قال: اذهب فهي لك وقال: خلوا عنه. 8 - عنه، عن ابن فضال قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) (4) يقول: ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبن فضال، عن ابن بكير عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره وإن كان ملكا أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها. 10 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عمرو بن شمر،
(1) أي جماعة من الناس والرؤساء. (2) صرم النخل: جره والفعل كضرب. (3) الكارة مقدار معلوم من الطعام. (4) هو الرضا (عليه السلام).
[ 109 ]
عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزا: الصفح عمن ظلمه، وإعطاء من حرمه، والصلة لمن قطعه. (باب كظم الغيظ) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: ما احب أن لي بذل نفسي حمر النعم، وما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا اكافي بها
صاحبها (1). 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان وعلي بن النعمان عن عمار بن مروان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها، فإن عظيم الاجر لمن عظيم البلاء (2) وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم. 3 - عنه، عن علي بن النعمان، ومحمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه (3). 4 - عنه، عن محمد بن سنان، عن ثابت مولى آل حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم (4) لمن أخذ به وتحرز من التعرض للبلاء في الدنيا ومعاندة الاعداء في دولاتهم ومماظتهم (5) في غير تقية ترك أمر الله فجاملوا الناس (6) يسمن ذلك لكم عندهم ولا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلوا.
(1) يعنى ما ارضى أن أذل نفسي ولى بذلك حمر النعم أي كرائمها وهى مثل في كل نفيس و نبه بذكر تجرع الغيض عقيب هذا على أن في التجرع العز وفى المكافاة الذل (في). (2) في بعض النسخ [ عظم البلاء ]. (3) أريد باعداء النعم الحساد وبالعصيان الحسد وما يترتب عليه وبالطاعة الصبر على اذى الحاسد وما يقتضيه (في). (4) الحزم ضبط الامر والاخذ فيه بالثقة. (5) المظاظة شقة الخلق وفظاظته. ومظظته: لمته وماظظته مماظة ومماضا: شاورته ونازعته والخصم لازمته (آت). (6) أي ماسحه بالجميل وأحسن عشرته وقوله: " يسمن ذلك لكم عندهم " كذا في اكثر النسخ من قولهم سمن فلان يسمن من باب تعب وفى لغة من باب قرب إذا كثر لحمه وشحمه، كناية عن العظمة والنمو ويمكن أن يقرء على بناء المفعول من باب الافعال أو التفعيل أي يفعل الله ذلك مرضيا محبوبا عندهم وفى بعض النسخ [ يسمى ] على بناء المفعول (آت).
[ 110 ]
5 - علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السكوني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عز وجل عزا في الدنيا والآخرة، وقد قال الله عز وجل: " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (1) " وأثابه الله مكان غيظه ذلك. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، أملا الله قلبه يوم القيامة رضاه. 7 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن غالب ابن عثمان، عن عبد الله بن منذر، عن الوصافي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة. 8 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا زيد اصبر على أعداء النعم، فانك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه، يا زيد إن الله اصطفى الاسلام واختاره، فأحسنوا صحبته بالسخاء و حسن الخلق. 9 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حفص بياع السابري عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب السبيل إلى الله عز وجل جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة مصيبة تردها بصبر. 10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي، عمن حدثه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي أبي: يا بني ما من شئ اقر لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر وما من شئ يسرني أن لي بذل نفسي حمر النعم (2).
11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن
(1) آل عمران 128. والكاظمين أي الممسكين عليه الكافين عن إمضائه مع القدرة قاله البيضاوى. (2) أي كرائم النعم، كذا في المغرب وقال الكرماني: حمر النعم بضم الحاء وسكون الميم والنعم المال الراعى وهو جمع ولا واحد له من لفظه وأكثر ما يقع على الابل.
[ 111 ]
معاذ بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اصبروا (1) على أعداء النعم (2) فانك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه. 12 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن خلاد، عن الثمالي، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: قال: ما احب أن لي بذل نفسي حمر النعم وما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا اكافي بها صاحبها. 13 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط، عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من جرعة يتجرعها العبد أحب إلى الله عز وجل من جرعة غيظ يتجرعها عند ترددها في قلبه، إما بصبر وإما بحلم (3). (باب الحلم) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن عبيد الله (4) قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما، وإن الرجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة قال: المؤمن خلط عمله بالحلم (5)، يجلس ليعلم، وينطق ليفهم، لا يحدث أمانته (6) الاصدقاء، ولا يكتم شهادته الاعداء (7) ولا يفعل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء، إن زكي خاف مما يقولون، واستغفر الله مما لا يعلمون (8)، لا يغره قول من جهله
ويخشى إحصاء ما قد عمله.
(1) كذا في جميع النسخ التى رأيناها. (2) أي الحساد. (3) في بعض النسخ [ أما يصبر وأما يحلم ]. (4) في بعض النسخ [ محمد بن عبد الله ]. (5) في مجالس الصدوق " المؤمن خلط عمله " وهو أظهر وأوفق بسائر الاخبار وقوله " يجلس ليعلم " أي يختار مجلسا يحصل فيه التعلم وإنما يجلس له، لا للاغراض الفاسدة وفى المجالس بعده " ينصت ليسلم " أي من مفاسد النطق. " وينطق ليفهم " أي إنما ينطق في تلك المجالس. ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه، لا للمعارضة والجدال وإظهار الفضل (آت). (6) أي السر الذي ائتمن عليه الاصدقاء فكيف الاعداء (آت). (7) أي لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله العداوة على الكتمان. (8) أي من عيوبه ومعاصيه التى صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم له (آت).
[ 112 ]
3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: إن الله عز وجل يحب الحيي الحليم. 5 - عنه، عن علي بن حفص العوسي (1) الكوفي، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أعز الله بجهل قط ولا أذل بحلم قط. 6 - عنه، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كفى بالحلم ناصرا، وقال: إذا لم تكن حليما فتحلم 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الله الحجال، عن حفص
ابن أبي عائشة قال: بعث أبو عبد الله (عليه السلام) غلاما له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) على أثره لما أبطأ، فوجده نائما، فجلس عند رأسه يروحه حتى انتبه، فلما تنبه قال له أبو عبد الله (عليه السلام): يا فلان والله ما ذلك لك، تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف. 9 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن علي بن محبوب، عن أيوب بن نوح، عن عباس بن عامر، عن ربيع بن محمد المسلي، عن أبي محمد، عن عمران، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت (2) وأنت أهل لما قلت، ستجزي بما قلت ويقولان للحليم
(1) في بعض النسخ [ العويسى ]. وفى بعضها [ الاوسي ]. وفى بعضها [ القرشى ] (2) التكرار لبيان كثرة الشتم وقول الباطل. وربما يقرء الثاني بالفاء.
[ 113 ]
منهما: صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك، قال: فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان. (باب) * (الصمت وحفظ اللسان) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة (1) إنه دليل على كل خير. 2 - عنه، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة قال: سمعت
أبا حعفر (عليه السلام) يقول: إنما شيعتنا الخرس (2). 3 - عنه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي علي الجواني، قال: شهدت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول لمولى له يقال له سالم - ووضع يده على شفتيه وقال: - يا سالم احفظ لسانك تسلم ولا تحمل الناس على رقابنا. 4 - عنه، عن عثمان بن عيسى قال: حضرت أبا الحسن (صلوات الله عليه) وقال له رجل: أوصني فقال له: احفظ لسانك تعز ولا تمكن الناس من قيادك فتذل رقبتك (3). 5 - عنه، عن الهيثم بن أبي مسروق، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل أتاه: ألا أدلك على أمر يد خلك الله به الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أنل مما أنالك الله (4)، قال: فان كنت أحوج ممن انيله؟ قال: فانصر المظلوم، قال: وإن كنت أضعف ممن أنصره؟ قال: فاصنع للاخرق (5) يعني أشر عليه (6)
(1) في بعض النسخ [ الجنة ]. (2) الخرس بالضم جمع الاخرس: أي هم لا يتكلمون باللغو والباطل وفيما لا يعلمون وفى مقام التقية، خوفا على أئمتهم وأنفسهم وأخوانهم، فكلامهم قليل فكأنهم خرس (آت). (3) القياد ككتاب: حبل تقاد به الدابة. وتمكين الناس من القيادة كناية عن تسلطهم واعطاء حجة لهم على ايذائه واهانته بترك التقية. ونسبة الاذلال إلى الرقبة لظهور الذل فيها أكثر من سائر الاعضاء وفيه ترشيح للاستعارة السابقة لان القياد يشد على الرقبة (آت)، (4) أي أعط المحتاجين مما أعطاك الله تعالى. (آت). (5) الخرق بالضم: الجهل والحمق، والاخرق: الجاهل بما يجب أن يعمله ومن لا يحسن التصرف في الامور ولم يكن في يديه صنعة يكتسب بها، ومنه الحديث " تعين صانعا أو تصنع لاخرق " (في). (6) " أشر عليه " يعنى ارشده للخير وما ينبغى له.
[ 114 ]
قال: فان كنت اخرق ممن أصنع له؟ قال: فاصمت لسانك إلا من خير، أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة؟. 6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لقمان لابنه: يا بني إن كنت زعمت أن الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب. 7 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحلبي، رفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمسك لسانك، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك: ثم قال: ولا يعرف عبد حقيقة الايمان حتى يخزن من لسانه. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عبيد الله بن علي الحلبي، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم (1) " قال: يعني كفوا ألسنتكم. 9 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحلبي، رفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نجاة المؤمن [ في ] حفظ لسانه. 10 - يونس، عن مثنى، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان أبو ذر - رحمه الله - يقول: يا مبتغي العلم (2) إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر، فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك (3). 11 - حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح، عن معاذ بن ثابت، عن عمرو ابن جميع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان المسيح (عليه السلام) يقول: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله، فان الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون (4). 12 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة
(1) النساء: 77. (2) مبتغي العلم: طالبه.
(3) الورق: الفضة من الدراهم. (4) فيه دلالة على أن كثرة الكلام في الامور المباحة يوجب قساوة القلب، واما الكلام في الامور الباطلة فقليله كالكثير في إيجاب القساوة والنهى عنه (آت).
[ 115 ]
عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد يكفر اللسان (1) يقول: نشدتك الله أن نعذب فيك. 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن إبراهيم ابن مهزم الاسدي، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا ويناشدونه ويقولون: إنما: نثاب ونعاقب بك. 14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن قيس أبي إسماعيل - وذكر أنه لا بأس به من أصحابنا - رفعه قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أوصني فقال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني قال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم (2). 15 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لم يحسب كلامه من عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه (3). 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا، فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت
مشارق الارض ومغاربها، فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي [ وجلالي ] لاعذبنك بعذاب لا اعذب به شيئا من جوارحك.
(1) يكفر اللسان أي يذل ويخضع والتكفير هو أن ينحنى الانسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه. " نشدتك الله " أي: سألتك بالله وأقسمت عليك (آت). (2) يعنى ما يقطعون من الكلام الذى لا خير فيه، واحدتها حصيدة، تشبيها بما يحصد من الزرع تشبيها بما يحصد من الزرع وتشبيها للسان وما يقطعه من القول بحد المنجل الذى يحصد به (في). (3) انما حضر عذابه لانه أكثر ما يكون يندم على ماقاله ولا ينفعه الندم ولانه قلما يكون كلام لا يكون موردا للاعتراض ولا سيما إذا كثر. ويمكن أن يكون المراد بحضور عذابه حضور أسبابه.
[ 116 ]
17 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن كان في شئ شؤم ففي اللسان (1) 18 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، والحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، جميعا، عن الوشاء قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: كان الرجل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين. 19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بكر بن صالح، عن الغفاري، عن جعفر ابن إبراهيم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رأى موضع كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه (2). 20 - أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن منصور بن يونس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في حكمة آل داود: على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه. 21 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن الحسن بن رباط، عن بعض
رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا مادام ساكتا، فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا. (باب المداراة) (3) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث من لم يكن فيه لم يتم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله وخلق يداري به الناس وحلم يرد به جهل الجاهل. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين ابن الحسن قال: سمعت جعفرا (عليه السلام) يقول: جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
(1) الشوم: الشر، وشئ مشوم أي غير مبارك وكثرة شومه لكثرة المضرات والمفاسد المرتبة عليها لان له تعلقا بكل خير وشر، فميدان شره أوسع من ميدان شر جميع الجوارح، فمن أطلق عنانه في ميدانه أورده في مهاوى الهلاك ولا شوم أعظم من ذلك. (2) يعنيه أي يهمه أو يعضده من عنيت به إذا هممت واشتغلت به. (لح). (3) المدارات غير مهموزة: ملاينة الناس وحسن صحبتهم واحتمال أذاهم لئلا ينفروا عنك. وقد تهمز. (في).
[ 117 ]
يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك: دار خلقي. 3 - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في التوراة مكتوب - فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران (عليه السلام) -: يا موسى اكتم مكتوم سري في سريرتك وأظهر في علانيتك المداراة عني (1) لعدوي وعدوك من خلقي ولا تستسب لي عندهم باظهار مكتوم سري فتشرك عدوك وعدوي في سبي. 4 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع
عن حمزة بن بزيع، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض. 5 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مداراة الناس نصف الايمان والرفق بهم نصف العيش، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): خالطوا الابرار سرا وخالطوا الفجار جهارا ولا تميلوا عليهم فيظلموكم، فإنه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا من ظنوا أنه أبله وصبر نفسه على أن يقال [ له ]: إنه أبله لا عقل له. 6 - علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، ذكره، عن محمد بن سنان، عن حذيفة ابن منصور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قوما من الناس قلت مداراتهم للناس فانفوا من قريش (2) وأيم الله ماكان بأحسابهم بأس وإن قوما من غير قريش حسنت
(1) لما كان أصل الدرء الدفع وهو مأخوذ في المداراة عديت بعن " ولا تستسب لى عندهم " أي لا تطلب سبى فان من لم يفهم السر يسب من تكلم به " فتشرك " أي تكون شريكا لانك أنت الباعث له عليه (في) وفى بعض النسخ [ ولا تسبب ]. (2) " فانفو " كذا في أكثر النسخ وكأنه على بناء الافعال مشتقا من النفى بمعنى الانتفاء فان النفي يكون لازما ومتعديا لكن هذا البناء لم يأت في اللغة. أو هو على بناء المفعول من انف من قولهم انفه ويأنفه ضرب انفه فيدل على النفى مع مبالغة فيه وهو اظهر وابلغ. وقيل كأنه صيغة مجهول من الانفة بمعنى الاستنكاف إذ لم يأتي الانفاء بمعنى النفى وهذا لا يستقيم لان الفساد مشترك إذ لم يأت انف بهذا المعنى على بناء المجهول فانه يقال انف منه كفرح أنفا وأنفة أي إستنكف وفى كثير من النسخ [ فالقوا ] أي اخرجوا واطرحوا منهم وفى الخصال " فنفوا " وهو أظهر (آت) أقول: بل هو من باب الافعال مبنيا للمفعول قطعا لا غيره والاصل " انفيوا " جيئ بها في قبال " الحقوا " لمشاكلة الباب.
[ 118 ]
مداراتهم فالحقوا بالبيت الرفيع، قال: ثم قال: من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يدا واحدة ويكفون عنه أيدي كثيرة. (باب الرفق) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عمن ذكره، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لكل شئ قفلا وقفل الايمان الرفق (1). 2 - وباسناده قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): من قسم له الرفق قسم له الايمان. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن يحيى الازرق، عن حماد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق فمن رفقه بعباده تسليله أضغانهم (2) ومضادتهم (3) لهواهم وقلوبهم ومن رفقه بهم أنه يدعهم على الامر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم لكيلا يلقي عليهم عرى الايمان (4) ومثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فإذا أراد ذلك نسخ الامر بالآخر (5) فصار منسوخا.
(1) الرفق لين الجانب والرأفة وترك العنف والغلظة في الافعال والاقوال على الخلق في جميع الاحوال سواء صدر عنهم بالنسبة إليه خلاف الادب أو لم يصدر، فيه تشبيه الايمان بالجوهر النفيس الذى يعتنى بحفظه والقلب بخزانة والرفق بالقفل لانه يحفظه عن خروجه وطريان المفاسد عليه، فان الشيطان سارق الايمان ومع فتح القفل وترك الرفق يبعث الانسان على امور من الخشونة والفحش والقهر والضرب وأنواع الفساد وغيرها من الامور التى توجب نقص الايمان أو زواله (آت). (2) التسليل: انتزاع الشئ وإخراجه في رفق [ والاضغان: الاحقاد التى في القلوب و والعداوة والبغضاء ] والمضادة: منع الخصم عن الامر برفق أراد (عليه السلام) ان الله سبحانه انما كلف عباده بالاوامر والنواهي متدرجا لكيلا ينفروا، مثال ذلك تحريم الخمر في صدر الاسلام فانه نزلت أولا آية أحسوا منها بتحريمها ثم نزلت اخرى أشد من الاولى واغلظ ثم ثلث باخرى اغلظ وأشد من الاوليين وذلك ليوطن الناس أنفسهم عليها شيئا فشيئا ويسكنوا إلى نهيه فيها وكان التدبير
من الله على هذا الوجه اصوب وأقرب لهم إلى الاخذ بها واقل لنفارهم منها. (في). (3) في بعض النسخ [ ومضادته ]. (4) في بعض النسخ [ عرى الاسلام ]. (5) في بعض النسخ [ فإذا أراد ذلك الامر نسخ بالاخر ].
[ 119 ]
4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن معاذ بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الرفق يمن والخرق شوم (1). 5 - عنه، عن ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الرفق لم يوضع على شئ إلا زانه (2)، ولا نزع من شئ إلا شانه. 7 - علي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو بن أبي المقدام، رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن في الرفق الزيادة والبركة ومن يحرم الرفق يحرم الخير. 8 - عنه، عن عبد الله بن المغيرة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مازوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير. 9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن علي بن المعلى، عن إسماعيل بن يسار، عن أحمد بن زياد بن أرقم الكوفي، عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما أهل بيت اعطوا حظهم من الرفق فقد وسع الله عليهم في الرزق، والرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال، والرفق لا يعجز عنه شئ والتبذير لا يبقى معه شئ، إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق (3)
10 - علي بن إبراهيم رفعه، عن صالح بن عقبة، عن هشام بن أحمر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال لي - وجرى بيني وبين رجل من القوم كلام فقال لي -: ارفق بهم
(1) اليمن بالضم: البركة والخرق بالضم وبالتحريك: ضد الرفق. (2) زانه من الزينة وشأنه من الشين أي العيب. (3) لعل المراد بهذه الاخبار أن الرفق يصير سببا للتوسع في الرزق والزيادة فيه وفى الرفق الخير والبركة وأن الرفق مع التقدير في المعيشة خير من الخرق في سعة من المال والرفيق يقدر على كل ما يريد بخلاف الاخرق، والسر فيه أن الناس إذا رأوا من أحد الرفق أحبوه وأعانوه والقى الله له في قلوبهم العطف والود، فلم يدعوه يتعب أو يتعسر عليه أمره (في).
[ 120 ]
فإن كفر أحدهم (1) في غضبه ولا خير فيمن كان كفره في غضبه. 11 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: الرفق نصف العيش. 12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (عليه السلام): إن الله يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف (2) فانزلوها منازلها، فإن كانت الارض مجدبة فانجوا عنها وإن كانت مخصبة فانزلوها منازلها. 13 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو كان الرفق خلقا يرى ما كان مما خلق الله شئ أحسن منه. 14 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عمن حدثه، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن الله رفيق يحب الرفق ومن رفقه بكم تسليل أضغانكم ومضادة قلوبكم وإنه ليريد تحويل العبد عن الامر فيتركه عليه
حتى يحوله بالناسخ، كراهية تثاقل الحق عليه. 15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه. 16 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن حسان، عن الحسن بن الحسين، عن فضيل ابن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من كان رفيقا في أمره نال ما يريد من الناس.
(1) في بعض النسخ [ أحدكم ]. (2) في المغرب العجف بالتحريك: الهزال والاعجف: المهزول والانثى: العجفاء والعجفاء يجمع على عجف كصماء على صم وفى المصباح الجدب هو المحل لفظا ومعنى وهو انقطاع المطر ويبس الارض، يقال جدب البلد بالضم جدوبة فهو جدب وجديب وأرض جدبة وجدوب واجدبت اجدابا فهى مجدبة. وقال الجوهرى: نجوت نجاء ممدودا أي اسرعت وسبقت والناجية والنجاة. الناقة السريعة تنجوا بمن ركبها والبعير ناج. والخصب بالكسر: نقيض الجدب
[ 121 ]
(باب التواضع) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب (1) واصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب (2) قال: فقال جعفر (عليه السلام): فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى ما بنا وتغير وجوهنا قال: الحمد لله الذي نصر محمدا وأقر عينه، ألا ابشركم؟ فقلت: بلى أيها الملك، فقال: إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) وأهلك عدوه واسر فلان وفلان وفلان التقوا بواد يقال له:
بدر كثير الاراك لكأني أنظر إليه (3) حيث كنت أرعى لسيدي هناك وهو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر: أيها الملك فمالي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال له: يا جعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى (عليه السلام) أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عندما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله عز وجل لي نعمة بمحمد (صلى الله عليه وآله) أحدثت لله هذا التواضع فلما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لاصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله، وإن التواضع يزيد صاحبه رفعه، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزا، فاعفوا يعزكم الله.
(1) النجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وبالشين المعجمة لقب ملك الحبشة والمراد هنا الذي أسلم وآمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) واسمه اصحمة بن بحر، أسلم قبل الفتح ومات قبله صلى عليه النبي (صلى الله عليه وآله) لما جاء خبر موته. وجعفر بن أبى طالب هو أخو أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان أكبر منه بعشر سنين وهو من كبار الصحابة ومن الشهداء الاولين وهو صاحب الهجرتين هجرة الحبشة وهجرة المدينة واستشهد يوم موته، سنة ثمان وله احدى وأربعون سنة فوجد فيما أقبل من جسده تسعون ضربة مابين طعنة برمح وضربة بسيف وقطعت يداه في الحرب فأعطاه الله جناحين يطير بهما في الجنة، فلقب ذا الجناحين (آت). (2) ثوب خلق أي بال يستوى فيه المذكر والمؤنث لانه في الاصل مصدر الاخلق وهو الاملس والجمع خلقان. (3) من كلام العين.
[ 122 ]
2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه. 3 - ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أفطر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشية خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الانصاري بعس مخيض بعسل (1) فلما وضعه على فيه نحاه، ثم قال: شرابان يكتفى بأحدهما من صاحبه، لا أشربه ولا احرمه ولكن أتواضع لله، فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله. 4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن داود الحمار (2)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله. وقال: من أكثر ذكر الله أظله الله في جنته (3). 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يذكر أنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملك فقال: إن الله عز وجل يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا، قال: فنظر إلى جبرئيل وأومأ بيده (4) أن تواضع، فقال: عبدا متواضعا، رسولا، فقال الرسول (5): مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئا، قال: ومعه مفاتيح خزائن الارض (6). 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلم على من تلقى وأن تترك
(1) العس بالضم: القدح. مخض اللبن كنصر وضرب ونفع: أخذ زبده فهو مخيض وممخوض، وقوله: " بعسل " أي ممزوج بعسل. (2) في بعض النسخ [ الجماز ] (3) أي آواه تحت قصورها وأشجارها أو وقع عليه ظل رحمته أو أدخله في كنفه وحمايته كما يقال فلان في ظل فلان (آت). (4) كأنه يستشيره، وهذه الجملة وما بعدها معترضة ولهذا لم يقل: " فاومأ " بالفاء. (5) " فقال الرسول " يعنى الملك. (6) يعنى قال أبو جعفر (عليه السلام): وكان مع الملك عند تبليغ هذه الرسالة المفاتيح ويحتمل أن يكون ضمير قال راجعا إلى الملك ومفعول القول محذوفا والواو في قوله " ومعه " للحال أي قال ذلك
ومعه المفاتيح. وقيل راجع إلى الرسول أي قال (صلى الله عليه وآله): لا اقبل وإن كان معه المفاتيح ولا يخفى ما فيه (آت).
[ 123 ]
المراء وإن كنت محقا وأن لا تحب أن تحمد على التقوى. 7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن علي بن يقطين، عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) أن: يا موسى أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا رب ولم ذاك؟ قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب - أو قال: على الارض (1) -. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: مر علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) على المجذمين (2) وهو راكب حماره وهم يتغدون (3) فدعوه إلى الغداء، فقال: أما إني لولا أني صائم لفعلت فلما صار إلى منزله أمر بطعام، فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه (4)، ثم دعاهم فتغدوا عنده و تغدى معهم (5). 9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن هارون ابن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه. 10 - عنه، عن ابن فضال ومحسن بن أحمد، عن يونس بن يعقوب قال: نظر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلما رآه الرجل استحيى منه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لولا أهل المدينة لاحببت أن أشتري لعيالي الشئ ثم أحمله إليهم (6). 11 - عنه، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فيما أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام) يا داود كما أن أقرب الناس
(1) الترديد من الراوى. (2) المجذم بفتح الذال والمجذوم: المبتلى بالجذام وهو داء يحدث من غلبة السوداء فيفسد مزاج الاعضاء. (3) في بعض النسخ [ يتغذون ] بالذال المعجمة في الجميع. (4) أي يتكلفوا فيه ويعملوه لذيذا حسنا. وفى بعض النسخ [ يتأنقوا ]. (5) هذا ليس بصريح في الاكل معهم في إناء واحد فلا ينافى الامر بالفرار من المجذوم في قولهم: " فر من المجذوم فرارك من الاسد ". (6) يدل على استحباب شراء الطعام للاهل وحمله إليهم وانه مع ملامة الناس الترك اولى (آت).
[ 124 ]
من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون. 12 - عنه، عن أبيه، عن علي بن الحكم رفعه إلى أبي بصير قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) في السنة التي قبض فيها أبو عبد الله (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك مالك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة (1)؟ فقال: يا أبا محمد إن نوحا (عليه السلام) كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء وخلى سبيلها نوح (عليه السلام)، فأوحى الله عز وجل إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن، فتطاولت وشمخت (2) وتواضع الجودي وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل (3)، قال: فقال نوح (عليه السلام) عند ذلك: يا ماري اتقن، وهو بالسريانية [ يا ] رب أصلح، قال: فظننت أن أبا الحسن (عليه السلام) عرض بنفسه (4). 13 - عنه، عن عدة من أصحابه (5)، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال: التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه. وفي حديث آخر قال: قلت: ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا؟ فقال: التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب
أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها (6) بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن الناس، والله يحب المحسنين. (باب) * (الحب في الله والبغض في الله) * 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن خالد، و علي بن إبراهيم، عن أبيه، وسهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله
(1) البدنة: الناقة أو البقرة والجمع بدن بضمتين وبدن باسكان الدال. (2) أي ترفعت وعلت. (3) الجؤجؤ كهدهد: الصدر. (4) عرض بنفسه يعنى أراد بهذه الحكاية أن يتبين أنه إنما تواضع بذبح الشاة دون أن ينحر البدنة ليجبر الله تواضعه ذلك بالرفعة في قدره في الدنيا والاخرة (في). (5) في بعض النسخ [ عن عدة من أصحابنا ]. (6) أي دفعها.
[ 125 ]
فهو ممن كمل إيمانه. 2 - ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أوثق عرى الايمان أن تحب في الله وتبغض في الله، وتعطي في الله، وتمنع في الله (1). 3 - ابن محبوب، عن أبي جعفر محمد بن النعمان الاحول صاحب الطاق، عن سلام ابن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ود المؤمن (2) للمؤمن في الله من أعظم شعب الايمان، ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله.
4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوهم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شئ حتى يعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابون في الله. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليهم السلام) عن الحب والبغض، أمن الايمان هو؟ فقال: وهل الايمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية " حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون " (3). 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن أبي الحسن علي بن يحيى - فيما أعلم - عن عمرو بن مدرك الطائي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاصحابه: أي عرى الايمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة وقال بعضهم: الزكاة وقال بعضهم: الصيام وقال بعضهم: الحج
(1) في بعض النسخ بصيغة الغايب في الجميع. (2) وددته من باب تعب ودا بفتح الواو وضمها: أحببته، والاسم المودة. ويقال هذه. المسألة كثيرة الشعب أي التفاريع والشعبة من الشجرة: الغصن المتفرع منها والجمع الشعب مثل غرف. والشعبة من الشئ: الطائفة منه والشعب بالكسر: الطريق. (3) الحجرات: 7.
[ 126 ]
والعمرة وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل ما قلتم فضل وليس به (1) ولكن أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي (2) أولياء الله و التبري من أعداء الله. 7 - عنه، عن محمد بن علي، عن عمر بن جبلة الاحمسي، عن أبي الجارود، عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء، في ظل عرشه عن يمينه - وكلتا يديه يمين - وجوههم أشد بياضا وأضوء من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله. 8 - عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إذا جمع الله عز وجل الاولين والآخرين قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول: أين المتحابون في الله، قال: فيقوم عنق من الناس فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة بغير حساب، قال: فيقولون: فأي ضرب (3) أنتم من الناس؟ فيقولون نحن المتحابون في الله، قال: فيقولون: وأي شئ كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله ونبغض في الله، قال: فيقولون: نعم أجر العاملين. 9 - عنه، عن علي بن حسان، عمن ذكره، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاث من علامات المؤمن: علمه بالله ومن يحب ومن يبغض (4). 10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الرجل ليحبكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله الجنة بحبكم وإن الرجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله ألله ببغضكم النار. 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن العرزمي، عن أبيه، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر
(1) أي ليس بالاوثق. (2) في بعض النسخ [ تولى ]. (3) في بعض النسخ [ أي حزب ]. (4) " علمه بالله " أي بذاته وصفاته بقدر وسعه وطاقته " ومن يحب ومن يبغض " أي من يحبه الله ومن يبغضه الله. أو الضمير في الفعلين راجع إلى المؤمن أي علمه بمن يجب أن يحبه ويجب أن يبغضه.
[ 127 ]
إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحب. 12 - عنه، عن أبي علي الواسطي، عن الحسين بن أبان، عمن ذكره، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو أن رجلا أحب رجلا لله لاثابه الله على حبه إياه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النار ولو أن رجلا أبغض رجلا لله لاثابه الله على بغضه إياه وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنة (1). 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بشير الكناسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قد يكون حب في الله ورسوله وحب في الدنيا فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله وما كان في الدنيا فليس بشئ. 14 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المسلمين يلتقيان، فأفضلهما اشدهما حبا لصاحبه. 15 - عنه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر وابن فضال، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما التقى مؤمنان قط إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لاخيه. 16 - الحسين بن محمد، عن محمد بن عمران السبيعي، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له.
(1) هذا إذا لم يكن مقصرا في ذلك ولا مستندا إلى ضلالته وجهالته كالذين يحبون الضلالة ويزعمون أن ذلك لله فان ذلك لمحض تقصيرهم عن تتبع الدلائل واتكالهم على متابعة الاباء و
تقليد الكبراء واستحسان الاهواء، بل هو كما أحب منافقا يظهر الايمان والاعمال الصالحة وفى باطنه منافق فاسق فهو يحبه لايمانه وصلاحه لله وهو مثاب بذلك وكذا في الثاني فان أكثر المخالفين يبغضون الشيعة ويزعمون أنه لله وهم مقصرون في ذلك كما عرفت، وأما من رأى شيعة يتقى من المخالفين ويظهر عقائدهم وأعمالهم ولم ير ولا سمع منه ما يدل على تشيعه فان أبغضه ولعنه فهو في ذلك مثاب مأجور وإن كان من أبغضه من أهل الجنة ومثابا عند الله بتقيته (آت).
[ 128 ]
(باب) * (ذم الدنيا والزهد فيها) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم ابن واقد الحريري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا ثم قال: أبو عبد الله (عليه السلام): حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا (1). 3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيوب الخزاز عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إن من أعون الاخلاق على الدين الزهد في الدنيا.
4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه أن رجلا سأل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن الزهد، فقال: عشرة أشياء، فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله عز وجل: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم (2) ".
(1) لظهور أن الاشتغال بالدنيا وصرف الفكر في طرق تحصيلها ووجه ضبطها ورفع موانعها مانع عظيم من تفرغ القلب للامور الدينية وتفكره فيها وطلب أمر الاخرة (لح). (2) الحديد: 23.
[ 129 ]
5 - وبهذا الاسناد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول: كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة. 6 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام): إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا، أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه مما قسم الله عز وجل له فيها وإن زهد، وإن حرص الحريص على عاجل زهرة [ الحياة ] الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرم حظه من الآخرة. 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شئ من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا. 8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن
جده الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) وهو محزون فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الارض، فقال: يا محمد هذه مفاتيح خزائن الارض يقول لك ربك: افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدنيا دار من لا دار له (1) ولها يجمع من لا عقل له، فقال الملك: والذي بعثك بالحق نبيا لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة، حين اعطيت المفاتيح. 9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجدي أسك (2) ملقى على مزبلة ميتا، فقال لاصحابه: كم يساوي هذا؟ فقالوا لعله لو كان حيا لم يساو درهما، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله (3).
(1) لعل المراد أن الدنيا دار من لا دار له غيرها وليس له في الاخرة نصيب (2) الجدى: ولد المعز في السنة الاولى. وأسك أي مصطلم الاذنين مقطوعهما. (3) الغرض من هذا السؤال تقريرهم على أنه خبيث لا قيمة له، فهم أقروا بذلك فقالوا:
[ 130 ]
10 - علي بن إبراهيم، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبها (1) ومن اوتيهن فقد اوتي خير الدنيا والآخرة، وقال: لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق، قلت: جعلت فداك مماذا (2)؟ قال: من الرغبة فيها، وقال: الا من صبار كريم، فانما هي أيام قلائل، ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الايمان حتى تزهدوا في الدنيا. قال: وسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما (3) و وجد حلاوة حب الله وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط (4) وإنما خالط القوم
حلاوة حب الله، فلم يشتغلوا بغيره. قال: وسمعته يقول: إن القلب إذا صفا ضاقت به الارض حتى يسمو. 11 - علي، [ عن أبيه ]، عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) أي الاعمال أفضل عند الله عز وجل؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك لشعبا كثيرة (5) وللمعاصي شعبا، فأول ما عصي الله به الكبر وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، والحرص وهي
لو كان حيا لم يساو درهما فهو على هذه الحالة الكريهة غير مرغوب لاحد فلا قيمة له: فالغرض من هذا التقرير تنفيرهم عن الدنيا بتشبيهها به وتفضيلها عليه في الهون والخبث (لح). (1) أي عيوب الدنيا. " ومن اوتيهن " أي تلك الخصال الثلاث. وفيه اشعار بأنها لا تتيسر إلا بتوفيق الله تعالى (آت). (2) أي مماذا طلب أعداء الحق مطلوبهم. وقوله: " الا من صبار كريم " إستثناء من الرغبة يعني إلا أن يكون الرغبة فيها من صبار كريم فانها لا تضره لانه يزوى نفسه عنها ويزوها عن نفسه ويحتمل أن يكون الهمزة استفهامية ولا نافية ومن مزيدة والمعنى ألا يوجد صبار كريم النفس يصبر على الدنيا ويزهد فيها. " وإنما هي أيام قلائل " هو ترغيب في الزهد وتسهيل لتحصيله (في) (3) من السمو: العلو والارتفاع. (4) خولط أي أفسد عقله بما خالطه من المفسدة (في) (5) " إن لذلك " أي بغض الدنيا " لشعبا " أي من الصفات الحسنة والاعمال الصالحة وهى ضد شعب المعاصي. (آت)
[ 131 ]
معصية آدم وحوا (1) حين قال الله عز وجل لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين (2) " فأخذا مالا حاجة بهما إليه فدخل ذلك (3) على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الانبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنياآن: دنيا بلاغ (4) ودنيا ملعونة. 12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في طلب الدنيا إضرارا بالاخرة و في طلب الآخرة إضرارا بالدنيا، فأضروا بالدنيا فإنها أولى بالاضرار (5). 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): حدثني بما أنتفع به فقال: يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت، فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا. 14 - عنه، عن علي بن الحكم، عن الحكم بن أيمن، عن داود الابزاري قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ملك ينادي كل يوم: ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب (6). 15 - عنه، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين (صلوات الله عليهما): إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة (7)، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة،
(1) " هي معصية آدم " عند الامامية مجاز والنهى عندهم تنزيه. (آت) (2) البقرة: 35. (3) أي الحرص. أو أخذ ما لا حاجة به. (آت) (4) أي بقدر الضرورة. أو بقدر ما يبلغ به إلى الاخرة ويحصل به مرضات الرب.
(5) يومى إلى أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الاخرة، فاما ما لا يضر به كقدر الحاجة في البقاء والتعيش فليس بمذموم (آت) وفى بعض النسخ [ أحق بالاضرار ]. (6) في النهج كذا " لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب ". (7) كذا.
[ 132 ]
ولا تكونوا من أبناء الدنيا، [ ألا ] وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة. ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الارض بساطا، والتراب فراشا، والماء طيبا، وقرضوا من الدنيا تقريضا (1). ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات (2) ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب. ألا إن لله عبادا كمن رأى اهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم وهم يجأرون (3) إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء، علماء، بررة، أتقياء، كأنهم القداح قد براهم (4) الخوف من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى - وما بالقوم من مرض - أم خولطوا (5) فقد خالط القوم أمر عظيم ; من ذكر النار وما فيها. 16 - عنه، عن علي بن الحكم، عن أبي عبد الله المؤمن، عن جابر قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا جابر والله إني لمحزون، وإني لمشغول القلب، قلت: جعلت فداك وما شغلك؟ وما حزن قلبك؟ فقال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي
(1) القرض: القطع أي قطعوا أنفسهم من الدنيا تقطيعا باقلاع قلوبهم عنها (في). (2) في بعض النسخ [ عن الحرمات ]. جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة. (3) أي يتضرعون. جأر إلى الله أي تضرع.
(4) القداح بالكسر: السهم بلا ريش ولا نصل، شبههم في نحافة ابدانهم بالاسهم، ثم ذكر ما يستعمل في السهم أعنى البرى وهو النحت من العبادة أي من كثرتها إن تعلق بقوله: " كأنهم القداح " أو من قلتها إن تعلق بالخوف (في). (5) قوله: " أم خولطوا " أي أو يقول: خولطوا ويحتمل أن يكون قوله: " مرضى " على الاستفهام وقوله: " أم خولطوا " معادلا له من كلام الناظر فاعترض جوابه (عليه السلام) بين أجزاء كلامه والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب الله وعبادته واعتزالهم عن عامة الخلق ومباينة أطوارهم لاطوارهم وأقوالهم لاقوالهم ويسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم فتارة ينسبونهم إلى المرض الروحانى وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده وتارة إلى المرض الجسماني فأجاب عن الاول بالنفى المطلق وعن الثاني بأن المخالطة متحققة لكن لا بما يفسده العقل بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار (آت).
[ 133 ]
خالص دين الله شغل قلبه عما سواه، يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟!. يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة، يا جابر الآخرة دار قرار، والدنيا دار فناء وزوال ولكن أهل الدنيا أهل غفلة وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة، كما فازوا بذلك العلم. واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك (1)، قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا
كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شئ، إني [ إنما ] ضربت لك هذا مثلا، لانها عند أهل اللب والعلم بالله كفيئ الظلال، يا جابر فاحفظ ما استرعاك الله (2) عز وجل من دينه وحكمته ولا تسألن عما لك عنده إلا ما له عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب (3)، فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ولرب كاره لامر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول الله عز وجل: " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق
(1) أي إن كنت ذاكرا لله وطاعته فهم يعينونك وإن كنت ناسيا لهما ذكروك (لح). (2) الاسترعاء طلب الرعاية و لعل المراد بقوله: " لا تسألن عما لك عنده " انك لا تحتاج إلى أحد تسأله عن ثوابك عند الله إذ ليس ذلك إلا بقدر ما له عند نفسك أعنى بقدر رعايتك دينه و حكمته فاجعله المسؤول وتعرف ذلك منه أو المراد لا تسأل عن ذلك بل سل عن هذا فانك انما تفوز بذلك بقدر رعايتك هذا أي تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الاخرة بروحك، تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا ربك عنك حتى يأتيك الموت. وهذا الحديث مما ذكره الحسن بن على بن شعبة في تحف العقول ولم يذكر فيه لفظة " غير " وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في معناه (في). (3) في الحديث " لا يكون بعد الموت من مستعتب " أي ليس بعد الموت من استرضاء.
[ 134 ]
الكافرين (1) ". 17 - عنه، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قال أبو ذر رحمه الله جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملتي الصوف أتزر بإحداهما وأتردى بالاخرى. 18 - وعنه، عن علي بن الحكم، عن المثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: كان أبو ذر - رضي الله عنه - يقول في خطبته: يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره ويضر شره إلا من رحم الله (2)، يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها، يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله عز وجل، فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم. 19 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما لي وللدنيا (3) إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها (4) ثم راح وتركها. 20 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الازدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام: مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما، قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد
(1) آل عمران: 141 والتمحيص، الابتلاء والامتحان. والمحق: المحو والبطلان. (2) " إلا " في قوله: " إلا ما ينفع " كلمة استثناء وما موصولة فالمعنى أن ما يتصور في هذه الدنيا إما شئ ينفع خيره أو شئ يضر شره إلا من رحم الله أو كل شئ في الدنيا له جهة نفع وجهة ضر لكل الناس الا من رحم الله فيوفقه للاحتراز عن جهة شره. (3) في بعض النسخ [ ما أنا والدنيا ]. (4) يوم صائف: يوم حار وقوله: " فقال تحتها " من القيلولة أي الاستراحة.
[ 135 ]
امرت بعمل ووعدت عليه أجرا فأوف عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في ذرع أخضر فأكلت حتى سمن فكان حتفها (1) عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر. أخربها ولا تعمرها (2)، فإنك لم تؤمر بعمارتها. واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته (3) وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك و تعرض لمعروف ربك وجدد التوبة في قلبك واكمش (4) في فراغك قبل أن يقصد قصدك (5) ويقضى قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد. 21 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: فيما ناجى الله عز وجل به موسى (عليه السلام) يا موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين وركون من اتخذها أبا واما (6) يا موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر لها إذا لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها، يا موسى نافس (7) في الخير أهله واستبقهم إليه، فإن الخير كاسمه واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه ولا تنظر عينك إلى كل مفتون بها وموكل إلى نفسه، واعلم أن كل فتنة بدؤها حب الدنيا ولا تغبط أحدا بكثرة المال فان مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق، ولا تغبطن أحدا برضى الناس عنه، حتى تعلم أن الله راض عنه ولا تغبطن مخلوقا بطاعة الناس له، فإن طاعة الناس له واتباعهم إياه على غير
(1) " حتفها " أي هلاكها. وسمن يسمن سمنا: كثر شحمه. (2) " أخربها " أي دعها خرابا بترك ما لا يحتاج إليه. (3) البالى هو الذى استعمل حتى أشرف على الاندراس.
(4) الكمش: السعي. أي أسرع وعجل. (5) " قصدك " أي نحوك، كناية عن توجه ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه الامراض والبلايا من الله إليه. (6) أي: فيغدو ويروح إليها متحننا. (7) من المنافسة وهى الرغبة في الشئ والانفراد به.
[ 136 ]
الحق هلاك له ولمن اتبعه. 22 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن في كتاب علي (صلوات الله عليه): إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل، و يهوى إليها الصبي الجاهل. 23 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض أصحابه يعظه: اوصيك ونفسي بتقوى من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره، ولا الغنى إلا به، فإن من اتقى الله جل وعز وقوي وشبع وروي، ورفع عقله عن أهل الدنيا، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة، فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا فقذر حرامها وجانب شبهاتها وأضر والله بالحلال الصافي إلا مالا بدله من كسرة (1) [ منه ] يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته، من أغلظ ما يجد وأخشنه، ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ولا رجاء، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الاشياء، فجد واجتهد وأتعب بدنه حتى بدت الاضلاع وغارت العينان فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه وشدة في عقله وما ذخر له في الآخرة أكثر، فارفض الدنيا فإن حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك ولا تقل غدا [ أ ] وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الاماني والتسويف
حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة وقد أسلمهم الاولاد والاهلون، فانقطع إلى الله بقلب منيب، من رفص الدنيا وعزم (2) ليس فيه انكسار ولا انخزال (3) أعاننا الله وإياك على طاعته ووفقنا الله وإياك لمرضاته. 24 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة وغيره، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
(1) الكسر - بالكسر -: القطعة من الشئ المكسور والجمع كسر مثل قطعة وقطع والمراد كسرة من الخبز. (2) عطف على قلب. (3) الانخزال: الانقطاع.
[ 137 ]
25 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: قال عيسى بن مريم (صلوات الله عليه) للحواريين: يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسى (1) أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم. (باب) (2) 1 - الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا كففت عليه ضيعته وضمنت السماوات والارض (3) رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر (4). 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن ابن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: وعزتي وجلالى وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شئ من أمر الدنيا إلا جعلت غناه في نفسه وهمته في آخرته وضمنت السماوات والارض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
(باب القناعة) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان عن زيد الشحام، عن عمرو بن هلال قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إياك أن تطمح بصرك (5) إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله): " ولا تعجبك أموالهم
(1) الاسى: الحزن على فوت الفائت (آت). (2) إنما لم يعنون هذا الباب لانه قريب من الباب الاول فكأنه داخل في عنوانه لانه فيه المنع عن إيثار هوى الانفس وشهواتها على رضا الله تعالى وليس هذا الايثار إلا لحب الدنيا وشهواتها ولكن لما لم يذكر في الخبرين ذكر الدنيا صريحا أفرد لهما بابا وألحقه بالباب السابق. (آت) (3) " ضمنت " على صيغة المتكلم من باب التفعيل أي جعلت السماوات والارض ضامنتين لرزقه، كناية عن تسبب الاسباب السماوية والارضية (آت). (4) أي كنت له عوضا من تجارة كل تاجر، فان كل تاجر يتجر لمنفعة دنيوية أو اخروية ولما أعرض عن جميع ذلك كنت انا ربح تجارته أو كنت له بعد حصول تجارة كل تاجر. (5) " تطمع " الظاهر أنه على بناء الافعال ونصب البصر ويحتمل أن يكون على بناء المجرد ورفع البصر أي لا ترفع بصرك بأن تنظر إلى من هو فوقك في الدنيا فتتمنى حاله ولا ترضى بما أعطاك الله.
[ 138 ]
ولا أولادهم (1) " وقال: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا (2) " فإن دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ووقوده السعف (3) إذا وجده. 2 - الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، جميعا عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن
الهيثم بن واقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤنته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور. 5 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن عرفة، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: من لم يقنعه من الرزق إلا الكثير لم يكفه من العمل إلا الكثير ومن كفاه من الرزق القليل فإنه يكفيه من العمل القليل. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: ابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فان أيسر ما فيها يكفيك وإن كنت إنما تريد ما لا
(1) التوبة: 56. والاية هكذا " فلا تعجبك.. الخ. (2) طه: 131. وقوله: " لا تمدن عينيك " أي لا تمدن نظر عينيك إلى ما متعنا به إستحسانا للمنظور إليه وتمنيا أن يكون لك مثله وقوله: " أزواجا منهم " أي أصنافا من الكفار. وقوله: " زهرة الحياة الدنيا " منصوب بمعنى متعنا لان معناه جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة أي بهجة ونضارة " لنفتنهم فيه " أي لنختبرهم. (3) الوقود: الحطب وما يوقد به. والسعف: أغصان النخل مادامت في الخوص.
[ 139 ]
يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك. 7 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن محمد الاسدي، عن
سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اشتدت حال رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت له امرأته، لو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألته (1) فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله، فقال الرجل: ما يعني غيري فرجع إلى امرأته فأعلمها، فقالت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشر فأعلمه (2) فأتاه فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله، حتى فعل الرجل ذلك ثلاثا ثم ذهب الرجل فاستعار معولا ثم أتى الجبل، فصعده فقطع حطبا، ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق فرجع به فأكله، ثم ذهب من الغد، فجاء بأكثر من ذلك فباعه، فلم يزل يعمل ويجمع حتى اشترى معولا، ثم جمع حتى اشترى بكرين (3) وغلاما ثم أثرى (4) حتى أيسر فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأعلمه كيف جاء يسأله وكيف سمع النبي (صلى الله عليه وآله) فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قلت لك: من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله. 8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد خالد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن الفرات، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره. 9 - عنه، عن ابن فضال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر [ أ ] و أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس. 10 - عنه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران قال: شكا رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أنه يطلب فيصيب ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال: علمني شيئا أنتفع به، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك.
(1) " لو " للتمني. (2) أي أنه (صلى الله عليه وآله) بشر، لا يعلم الغيب. (3) البكر بالفتح من الابل بمنزلة الغلام من الناس والانثى: بكرة.
(4) من الثروة أي كثر ماله.
[ 140 ]
11 - عنه، عن عدة من أصحابنا، عن حنان بن سدير، رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شئ يكفيه. (باب الكفاف) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن غير واحد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: إن من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال (1)، ذا حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه بالغيب، وكان غامضا في الناس (2) جعل رزقه كفافا، فصبر عليه، عجلت منيته (3) فقل تراثه وقلت بواكيه. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافا. 3 - النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم ارزق محمدا وآل محمد ومن أحب محمدا وآل محمد العفاف والكفاف وارزق من أبغض محمدا وآل محمد المال والولد (4). 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن يعقوب بن يزيد، عن إبراهيم بن محمد النوفلي، رفعه إلى علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) براعي إبل فبعث يستسقيه، فقال: أما ما في ضروعها فصبوح الحي (5)
(1) " خفيف الحال " أي قليل المال والحظ من الدنيا، وفى بعض النسخ بالمهملة بمعنى سوء العيش وقلة المال ولعل الصحيح " خفيف الحاذ " وفى النهاية: " وفيه أغبط الناس المؤمن الخفيف الحاذ، الحاذ والحال واحد وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس أي
خفيف الظهر من العيال ومنه: ليأتين على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفة الحاذ ". (2) في النهاية أي مغمورا غير مشهور. (3) كأن المراد بعجلة المنية زهده في مشتهيات الدنيا وعدم افتقاره إلى شئ منها كأنه ميت وفى الحديث " موتوا قبل أن تموتوا " (في). (4) ذلك لان المال والولد فتنة لمن افتتن بها وربما يكون الولد عدوا كما قال الله تعالى: " وان من اموالكم وأولادكم عدوا لكم ". (5) الصبوح: مايشرب بالغداة والغبوق ما يشرب بالعشى.
[ 141 ]
وأما ما في آنيتنا فغبوقهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم أكثر ماله وولده، ثم مر براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها وأكفأ (1) ما في إنائه في إناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعث إليه بشاة وقال: هذا ما عندنا وإن أحببت أن نزيدك زدناك؟ قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم ارزقه الكفاف فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله دعوت للذي ردك بدعاء عامتنا نحبه ودعوت للذي أسعفك بحاجتك (2) بدعاء كلنا نكرهه؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى (3): اللهم ارزق محمدا وآل محمد الكفاف. 5 - عنه، عن أبيه، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل يقول: يحزن عبدي المؤمن إن قترت عليه وذلك أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن إن وسعت عليه وذلك أبعد له مني. 6 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد الازدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ] قال الله عز وجل: إن من أغبط أوليائي عندي عبد مؤمنا ذا حظ من صلاح، أحسن عبادة ربه، وعبد الله في السريرة وكان غامضا في الناس فلم يشر إليه بالاصابع (4)، وكان رزقه كفافا، فصبر عليه
فعجلت به المنية، فقل تراثه وقلت بواكيه.
(1) " أكفأ " أي قلب وكب. في القاموس كفأه كمنعه: صرفه وكبه وقلبه كاكفاء. (2) " أسعفك بحاجتك " أي قضاها لك. (3) " ألهى " أي شغل عن الله وعن عبادته. (4) " فلم يشر " على بناء المجهول كناية عن عدم الشهرة تأكيدا وتفريعا على الفقرة السابقة وقد مر مضمونه في الحديث الاول ولله در من نظم الحديثين فقال: أخص الناس بالايمان عبد * * خفيف الحاذ مسكنه القفار له في الليل حظ من صلاة * * ومن صوم إذا طلع النهار وقوت النفس يأتي من كفاف * * وكان له على ذاك اصطبار وفيه عفة وبه خمول * * إليه بالاصابع لا يشار وقل الباكيات عليه لما * * قضى نحبا وليس له يسار فذلك قد نجى من كل شر * * ولم تمسسه يوم البعث نار " آت "
[ 142 ]
(باب) * (تعجيل فعل الخير) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان قال: حدثني حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا هم أحدكم بخير فلا يؤخره فإن العبد ربما صلى الصلاة أو صام اليوم فيقال له: اعمل ما شئت بعدها فقد غفر [ الله ] لك (1). 2 - عنه، عن علي بن الحكم، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): افتتحوا نهاركم بخير وأملوا على حفظتكم في أوله خيرا وفي آخره خيرا، يغفر لكم
ما بين ذلك إن شاء الله. 3 - عنه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: إذا هممت بخير فبادر، فإنك لا تدري ما يحدث. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يحب من الخير ما يعجل. 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن بشير بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخره، فإن العبد يصوم اليوم الحار يريد ما عند الله فيعتقه الله به من النار، ولا تستقل ما يتقرب به إلى الله عز وجل ولو شق تمرة (2). 6 - عنه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من هم بخير فليعجله ولا يؤخره، فإن العبد ربما عمل العمل فيقول الله تبارك وتعالى: قد غفرت لك ولا أكتب عليك شيئا أبدا ومن هم بسيئة
(1) يعنى أن العبادة التى توجب المغفرة التامة مستورة على العبد لا يدرى أيها هي، فكلما هم بعبادة فعليه امضاؤها قبل أن تفوته فلعلها تكون هي تلك العبادة (في). (2) النهى عن الاستقلال انما هو قبل الفعل لئلا يمنعه عن الاتيان به وأما بعد ما يأتي به فلا ينبغى أن يستكثر عمله فيصير معجبا به، وقوله: " ولو شق تمرة " يعني التصدق به (في).
[ 143 ]
فلا يعملها، فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الله سبحانه فيقول: لا وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا. 7 - علي، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا هممت بشئ من الخير فلا تؤخره، فإن الله عز وجل ربما أطلع
على العبد وهو على شئ من الطاعة فيقول: وعزتي وجلالي لا اعذبك بعدها أبدا، وإذا هممت بسيئة فلا تعملها، فإنه ربما أطلع الله على العبد وهو على شئ من المعصية فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا. 8 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن أبي جميلة عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا هم أحدكم بخير أو صلة (1) فإن عن يمينه وشماله شيطانين، فليبادر لا يكفاه (2) عن ذلك. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من هم بشئ من الخير فليعجله، فإن كل شئ فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة (3). 10 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله ثقل الخير على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة وإن الله عز وجل خفف الشر على أهل الدنيا كخفته في موازينهم يوم القيامة.
(1) " بخير " أي إيصال نفع إلى الغير أو الاعم منه ومن سائر الاعمال الصالحة التى تنتفع بها في الاخرة " أو صلة " أي صلة رحم من الوالدين والاقارب والاعم منهم ومن المؤمنين، أو المراد بالخير ما يصل نفعه إلى نفسه وبالصلة ما يصل إلى الغير (آت). (2) لا يكفاه أي لا يمنعاه. (3) " نظرة " اما بسكون الظاء يعنى فكرة لاحداث حيلة يكف بها العبد عن الاتيان بالخير أو بكسرها يعنى مهلة يتفكر فيها لذلك (في).
[ 144 ]
(باب) * (الانصاف والعدل) *
1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسن ابن حمزة، عن جده [ عن ] أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيته وصلحت سريرته وحسنت علانيته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه. 2 - عنه، عن محمد بن سنان، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة (1)؟ أنفق ولا تخف فقرا، وأفش السلام في العالم، واترك المراء وإن كنت محقا، وأنصف الناس من نفسك. 3 - عنه، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن جارود أبي المنذر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: سيد الاعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشئ إلا رضيت لهم مثله ومؤاساتك الاخ (2) في المال وذكر الله على كل حال ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله واللة أكبر فقط ولكن إذا ورد عليك شئ أمر الله عز وجل به أخذت به أو إذا ورد عليك شئ نهى الله عز وجل عنه تركته. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن علي بن المعلى (3)، عن يحيى بن أحمد، عن أبي محمد الميثمي، عن رومي بن زرارة عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزا.
(1) في المحاسن " من يضمن لي أربعة أضمن له أربعة أبيات " وقوله: " أنفق ولا تخف " على سبيل الاستيناف. (2) الاسوة بكسر الهمزة وضمها: القدوة، والمؤاساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق. وأصلها الهمزة قلبت واوا تخفيفا ويأتي مزيد بيانه في الحديث السابع.
(3) في بعض النسخ [ عبد الله بن المعلى ].
[ 145 ]
5 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عز وجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة (1) في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يده، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة، ورجل قال بالحق فيما له وعليه. 6 - عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن الحسن البزاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في حديث له: ألا اخبركم بأشد ما فرض الله على خلقه، فذكر ثلاثة أشياء أولها: إنصاف الناس من نفسك. 7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيد الاعمال إنصاف الناس من نفسك ومؤاساة الاخ في الله وذكر الله عز وجل على كل حال (2). 8 - علي، عن أبيه، عن أبن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن الحسن البزاز قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ألا اخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه [ ثلاث ] (3) قلت: بلى قال: إنصاف الناس من نفسك ومؤاساتك أخاك وذكر الله في كل موطن، أما إني لا أقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان هذا من ذاك ولكن ذكر الله عز وجل في كل موطن، إذا هجمت (4) على طاعة أو على معصية. 9 - ابن محبوب، عن أبي اسامة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما ابتلي المؤمن بشئ أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وما هن؟ قال: المؤاساة في ذات
(1) " لم تدعه " أي لم تحمله من دعا يدعو. " قدره " بالتنوين أي قدرة على الحيف وهو الظلم والجور (آت).
(2) المؤاسات بالهمزة بين الاخوان عبارة عن إعطاء النصرة بالنفس والمال وغيرهما في كل ما يحتاج إلى النصرة فيه، يقال: آسيته بمالى مؤاساة: أي جعلته شريكي فيه على سوية و بالواو لغة وفى القاموس في فصل الهمزة " آساه بماله مؤاساة: أناله منه، أو لا يكون الا من كفاف فان كان من فضلة فليس بمؤاساة " وجعلها بالواو لغة ردية (في). (3) ليس لفظة ثلاث في بعض النسخ وهو اظهر وعلى تقديره بدل أو عطف بيان للاشد أو خبر مبتدأ محذوف. (4) على بناء المعلوم أو المجهول، هجم عليه: انتهى إليه بغتة. وفى بعض النسخ [ هممت ].
[ 146 ]
يده والانصاف من نفسه وذكر الله كثيرا، أما إني لا أقول: سبحان الله والحمد لله، [ ولا إله إلا الله ] ولكن ذكر الله عند ما أحل له وذكر الله عند ما حرم عليه. 10 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن جده أبي البلاد رفعه قال: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يريد بعض غزواته، فأخذ بغرز (1) راحلته فقال: يا رسول الله علمني عملا أدخل به الجنة، فقال: ما أحببت أن يأتيه الناس إليك (2) فأته إليهم وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم، خل سبيل الراحلة. 11 - أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام (3) عن عبد الكريم، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه (4) وإن قل. 12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره. 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن يوسف ابن عمران بن ميثم، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أوحى الله عز
وجل إلى آدم (عليه السلام) إني سأجمع لك الكلام في أربع كلمات، قال: يا رب وما هن؟ قال: واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس قال: يا رب بينهن لي حتى أعلمهن، قال: أما التي لي فتعبدني، لا تشرك بي شيئا، وأما ألتي لك فاجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه (5)، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الاجابة، وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك.
(1) الغرز بفتح المعجمة وسكون الراء وآخره زاى: الركاب من الجلد (في). (2) أي يأتي به الناس اليك أو هو من قولهم أتى الامر أي فعله. أي يفعله الناس منتهيا إليك. (3) في بعض النسخ [ عيسى بن هشام ]. (4) أي في الامر وان قل ذلك الامر (في). (5) " أحوج " منصوب بالظرفية الزمانية فان كلمة " ما " مصدرية و " أحوج " مضاف إلى المصدر وكما أن المصدر يكون نائبا لظرف الزمان نحو رأيته قدوم الحاج فكذا المضاف إليه يكون نائبا له ونسبة الاحتياج إلى الكون على المجاز و " تكون " تامة وإليه متعلق بالاحوج و ضميره راجع إلى الجزاء الذى هو في ضمن أجزيك (آت).
[ 147 ]
14 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن غالب بن عثمان، عن روح ابن اخت المعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اتقوا الله واعدلوا، فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون. 15 - عنه (1)، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحا من المسك. 16 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن عثمان بن جبلة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله (2): رجل أعطى الناس
من نفسه ما هو سائلهم، ورجل لم يقدم رجلا ولم يؤخر رجلا حتى يعلم أن ذلك لله رضى، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه، فإنه لا ينفي منها عيبا إلا بدا له عيب، وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس. 17 - عنه، عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي، عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري عن جعفر بن إبراهيم الجعفري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقا. 18 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن خالد بن نافع بياع السابري، عن يوسف البزاز قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما تدارأ (3) اثنان في أمر قط، فأعطى أحدهما النصف صاحبه فلم يقبل منه إلا اديل منه (4).
(1) الظاهر رجوع ضمير " عنه " إلى أحمد بن محمد بن عيسى في الخبر السابق وغفل عن توسط خبر آخر كما لا يخفى على المتتبع (آت). (2) الضمير راجع إلى الله أو إلى العرش وعلى الاول عبارة عن الراحة والنعيم، نحو هو في عيش ظليل والمراد ظل الكرامة. (3) التدارؤ: التدافع وزنا ومعنا من الدرء بمعنى الدفع. (4) الادالة: الغلبة، أديل منه أي صار مغلوبا. وفى الفائق " أدال الله زيدا من عمر: نزع الله الدولة من عمرو وآتاها زيدا. انتهى " يعنى جعلت الغلبة والنصرة له عليه.
[ 148 ]
19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد ابن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لله جنة لا يدخلها إلا ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحق. 20 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العدل أحلى من الماء يصيبه الظلمآن، ما أوسع العدل إذا عدل
فيه وإن قل (1). (باب) * (الاستغناء عن الناس) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس (2) من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه. 3 - وبهذا الاسناد، عن المنقري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شئ ورد أمره إلى الله عز وجل في جميع اموره استجاب الله عز وجل له في كل شئ. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن عبد الا على بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: طلب الحوائج إلى الناس استلاب (3) للعز ومذهبة للحياء واليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن
(1) مضى هذا الحديث عن الحلبي بسند آخر. (2) في بعض النسخ [ فليأيس ] بتوسط الهمزة بين اليائين وكلاهما جائز وهو من المقلوب (آت). (3) الاستلاب: الاختلاس أي يصير سببا لسلب العز سريعا.
[ 149 ]
في دينه والطمع هو الفقر الحاضر 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:
قلت لابي الحسن الرضا (عليه السلام): جعلت فداك اكتب لي إلى إسماعيل بن داود الكاتب لعلي اصيب منه، قال: أنا أضن بك أن تطلب مثل هذا وشبهه (1) ولكن عول على مالي (2). 6 - عنه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن معاوية بن عمار، عن نجم بن حطيم (3) الغنوي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اليأس مما في أيدي الناس عز المؤمن في دينه أو ما سمعت قول حاتم: إذا ما عزمت اليأس ألفيته الغنى * * إذا عرفته النفس، والطمع الفقر (4) 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك (5). علي بن إبراهيم. عن أبيه، عن علي بن معبد قال: حدثني علي بن عمر، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: ثم ذكر مثله.
(1) الضن: البخل، أي أنا أبخل بك من ان تضيع وتطلب هذه المطالب الخسيسة وأشباهها من الامور الدنياوية بل أريد أن تكون همتك أرفع من ذلك وتطلب المطالب العظيمة الاخروية أو أن تطلب حاجة من مثل هذا المخالف وأشباهه. (2) " عول على مالى " أي إذا كانت لك حاجة أعتمد على مالى وخذ منه ما شئت. ويدل على رفعة شأن البزنطى وكونه من خواصه (آت) (3) في بعض النسخ [ نجم بن خطيم ] بالمعجمة. (4) ذكر شعر حاتم ليس للاستشهاد به بل للشهرة وقوله: " إذا ما عزمت " كلمة " ما " زائدة وألفيت الشئ أي وجدته و " الطمع " مرفوع بالابتدائية و " الفقر " بالخبرية. (5) " ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم " أي العزم عليهما بان تعاملهم
ظاهرا معاملة من يفتقر إليهم في لين الكلام وحسن البشر وإن تعاملهم من جهة أخرى معاملة من يستغنى عنهم بأن تنزه عرضك من التدنس بالسؤال عنهم وتبقى عزك بعدم التذلل عندهم للاطماع الباطلة (آت)
[ 150 ]
(باب صلة الرحم) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله جل ذكره: " واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا (1) " قال: فقال: هي أرحام الناس، إن الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى أنه جعلها منه (2). 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمار قال: قال: بلغني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أهل بيتي أبوا إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة (3)، فأرفضهم؟ قال: إذا يرفضكم الله جميعا قال: فكيف أصنع؟ قال: تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير. 3 - وعنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن عبيد الله قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء. 4 - وعنه، عن علي بن الحكم، عن خطاب الاعور، عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): صلة الارحام تزكي الاعمال (4) وتنمي الاموال وتدفع البلوى و تيسر الحساب وتنسئ في الاجل (5).
(1) النساء: 2. تساءلون أي يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك بالله، وأصله تتسائلون. والارحام اما عطف على الله أي اتقوا الارحام أن تقطعوها كما ورد في الحديث أو على محل الجار والمجرور كقولك: مررت بزيد وعمروا كما قيل وقرئ بالجر. ورحم الرجل قريبه المعروف
بنسبه وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه (في). (2) أي قرنها باسمه في الامر بالتقوى. (3) " توثبا على " في القاموس الوثب: الظفر وواثبه: ساوره، توثب في ضيعتي: استولى عليها ظلما. وقال: شتمه يشتمه ويشتمه شتما: سبه والاسم: الشتيمة. والرفض: الترك. (4) أي تنميها في الثواب أو تطهرها من النقائص أو تصيرها مقبولة كأنها تمدحها وتصفها بالكمال (آت). (5) أي تؤخر الاجل، النساء بالفتح: التأخير. -
[ 151 ]
5 - وعنه، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اوصي الشاهد من امتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وإن كانت منه على مسيرة سنة، فإن ذلك من الدين. 6 - وعنه، عن علي بن الحكم، عن حفص، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صلة الارحام تحسن الخلق وتسمح الكف وتطيب النفس (1) وتزيد في الرزق وتنسئ في الاجل. 7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن الرحم معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني (2) وهي رحم آل محمد وهو قول الله عز وجل: " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل (3) " ورحم كل ذي رحم. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن يونس بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم تقول: يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه، ومن قطعني في الدنيا
فاقطع اليوم ما بينك وبينه. 9 - عنه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الاذى عنها، وصلة الرحم منسأة في الاجل، محببة في الاهل (4). 10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن فضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن الرحم معلقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني.
(1) السماحة: الجود ونسبتها الى الكف على المجاز لصدورها منها غالبا. وقوله: " تطيب النفس " أي تجعلها سمحة بالبذل والعفو والاحسان (آت). (2) هذا تشبيه للمعقول بالمحسوس واثبات لحق الرحم على أبلغ وجه. (3) الرعد: 27. (4) في بعض النسخ [ محبة ].
[ 152 ]
11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول، حافتا الصراط (1) يوم القيامة الرحم والامانة، فإذا مر الوصول للرحم، المؤدي للامانة نفذ إلى الجنة وإذا مر الخائن للامانة، القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفأ به (2) الصراط في النار. 12 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن قرط، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صلة الارحام (3) تحسن الخلق، وتسمح الكف، وتطيب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الاجل. 13 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن خطاب الاعور، عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): صلة الارحام تزكي الاعمال، وتدفع البلوى، وتنمي الاموال،
وتنسئ له في عمره، وتوسع في رزقه، وتحبب في أهل بيته، فليتق الله وليصل رحمه. 14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحكم الحناط قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الاعمار. 15 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أعجل الخير ثوابا صلة الرحم. 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره النساء في الاجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه. 17 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلا صلة الرحم، حتى أن الرجل
(1) أي جانباه. (2) أي تقلب، كفأت الاناء كببته وقلبته. (3) في بعض النسخ [ صلة الرحم ].
[ 153 ]
يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة، فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين. الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، مثله. 18 علي بن إبراهيم، عن ابيه، عن بعض اصحابه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) يريد البصرة، نزل
بالربذة (1) فأتاه رجل من محارب، فقال: يا أمير المؤمنين إني تحملت في قومي حمالة (2) وإني سألت في طوائف منهم المؤاساة والمعونة فسبقت إلي ألسنتهم بالنكد (3) فمر هم يا أمير المؤمنين بمعونتي وحثهم على مؤاساتي، فقال: أين هم؟ فقال: هؤلاء فريق منهم حيث ترى، قال، فنص (4) راحلته فأدلفت كأنها ظليم (5) فأدلف بعض أصحابه في طلبها فلأيا بلأي مالحقت (6)، فانتهى إلى القوم فسلم عليهم وسألهم ما يمنعهم (7) من مؤاساة صاحبهم فشكوه وشكاهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): وصل امرؤ عشيرته (8)،
(1) الربذة محركة موضع قرب المدينة، مدفن أبى ذر الغفاري. ومحارب: قبيلة (في). (2) الحمالة بالفتح: ما يتحمله الانسان من غيره من دية أو غرامة، مثل أن يقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل فيتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين، والتحمل أن يحملها عنهم على نفسه (آت). (3) أي بالشدة والغلظ والعسر (لح) (4) بالنون والصاد المهملة أي حركها واستقصى سيرها (في). (5) أي مشت مشى المقيد وفوق الدبيب كأنها الذكر من النعام " فأدلف " أي تقدم. " في طلبها " أي في طلب الراحلة وقيل: أي الجماعة المشهودين، أو طلب بقية القوم والحاقهم بالمشهودين (في). (6) اللأى كالسعي: الابطاء والاحتباس وما مصدرية يعني فأبطا عليه السلام. واحتبس بسبب ابطاء لحوق القوم وفى بعض النسخ " فلأيا " على التثنية بضم الرجل معه (عليه السلام). أو بالنصب على المصدر (في). (7) " ما " استفهامية وضمير الغائب في يمنعهم وصاحبهم لتغليب بيان الحكاية على زمان المحكى. (8) " وصل امرؤ " أمر في صورة الخبر وكذا قوله: " وصلت العشيرة " والنكرة هنا للعموم نحوها في قولهم: " انجز حر ما وعد " (آت).
[ 154 ]
فإنهم أولى ببره وذات يده ووصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر وأدبرت عنه دنيا (1) فإن المتواصلين المتباذلين مأجورون، وإن المتقاطعين المتدابرين موزورون، [ قال ] ثم بعث راحلته وقال: حل (2). 19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لن يرغب المرء عن عشيرته (3) وإن كان ذا مال وولد، وعن مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم، هم أشد الناس حيطة (4) من ورائه وأعطفهم عليه وألمهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الامور، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحدة ويقبض عنه منهم أيدي كثيرة ومن يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة، ومن بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته، ولسان الصدق للمرء يجعله الله في الناس خيرا من المال يأكله ويورثه، لا يزدادن أحدكم كبرا وعظما في نفسه ونأيا عن عشيرته، إن كان موسرا في المال، ولا يزدادن أحدكم في أخيه زهدا ولا منه بعدا، إذا لم يرمنه مروة وكان معوزا في المال (5) ولا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدها بمالا ينفعه إن أمسكه ولا يضره إن استهلكه. 20 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سليمان بن هلال قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن آل فلان يبر بعضهم بعضا ويتواصلون،
(1) " إن عثر به " الباء للتعدية. يقال عثر كضرب ونصر وعلم وكرم أي كبا وسقط. (2) " حل " في أكثر النسخ بالحاء المهملة: زجر للناقة إذا حثثتها على السير. وقيل: هو بالتشديد أي حل العذاب على أهل البصرة لانه كان متوجها إليهم ولا يخفى ما فيه وفى بعض النسخ بالخاء المعجمة أي خل سبيل الراحلة، كأن السائل كان آخذا بغرز راحلته وهو المسموع عن المشايخ رضى الله عنهم (آت). (3) نهى مؤكد مؤبد في صورة النفى. " ان كان ذو مال وولد " يعني فلا يتكل عليهما فانهما
لا يغنيانه عن العشيرة. وعشيرة الرجل قبيلته (آت). (4) أي محافظة وحماية وذبا عنه. (5) المعوز بكسر الواو: الذي لا شئ معه من المال.
[ 155 ]
فقال: إذا تنمى أموالهم وينمون، فلا يزالون في ذلك حتى يتقاطعوا، فإذا فعلوا ذلك انقشع عنهم (1). 21 - عنه، عن غير واحد، عن زياد القندي، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة، فيصلون ارحامهم فتنمى أموالهم وتطول أعمارهم، فكيف إذا كانوا أبرارا بررة. 22 - وعنه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، يقول الله تبارك وتعالى: " واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا ". 23 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال قال: وقع بين أبي عبد الله (عليه السلام) وبين عبد الله بن الحسن كلام حتى وقعت الضوضاء بينهم (2) واجتمع الناس فافترقا عشيتهما بذلك وغدوت في حاجة، فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول: يا جارية قولي لابي محمد [ يخرج ] قال: فخرج فقال: يا أبا عبد الله ما بكر بك؟ (3) فقال: إني تلوت آية من كتاب الله عز وجل البارحة فأقلقتني، قال: وما هي؟ قال: قول الله جل وعز ذكره: " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (4) " فقال: صدقت لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله جل وعز قط فاعتنقا وبكيا (5). 24 - وعنه، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن سنان قال: قلت لابي عبد الله
(1) أي إنكشف وزال نمو الاموال والانفس عنهم.
(2) الضوضاء: أصوات الناس وجلبتهم. (3) ما بكر بك من البكور. وفى بعض النسخ [ ما يكربك ] من الاكراب وهو الاسراع. (4) الرعد: 21. (5) الظاهر ان هذا كان لتنبيه عبد الله وتذكيره بالاية ليرجع ويتوب والا فلم يكن ما فعله (عليه السلام) بالنسبة إليه قطعا للرحم بل كان عين الشفقة عليه لينزجر عما أراده من الفسق بل الكفر لانه كان يطلب البيعة منه عليه السلام لولده الميشوم كما مر [ ج 1 ص 358 ] أو شيئا آخر مثل ذلك واى أمر كان إذا تضمن مخالفته ومنازعته (عليه السلام) كان على حد الشرك بالله وأيضا مثله (صلوات الله عليه) لا يغفل عن هذه الامور حتى يتذكر بتلاوة القرآن، فظهر أن ذلك على وجه المصلحة ليتذكر عبد الله عقوبة الله ويترك مخالفة إمامه شفقة عليه. ولعل التورية في قوله: " أقلقتنى " القلق لعبدالله لا لنفسه لكن فيه دلالة على حسن رعاية الرحم وإن كان بهذه المثابة وكان فاسقا ضالا فتدبر (آت).
[ 156 ]
(عليه السلام): إن لي ابن عم أصله فيقطعني وأصله فيقطعني حتى لقد هممت لقطيعته إياي أن أقطعه أتأذن لي قطعه؟ قال: إنك إذا وصلته وقطعك وصلكما الله عز وجل جميعا وإن قطعته وقطعك قطعكما الله. 25 - عنه، عن علي بن الحكم، عن داود بن فرقد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إني احب أن يعلم الله أني قد أذللت رقبتي في رحمي وأني لابادر أهل بيتي، أصلهم قبل أن يستغنوا عني. 26 - عنه، عن الوشاء، عن محمد بن فضيل الصيرفي، عن الرضا (عليه السلام) قال: إن رحم آل محمد الائمة (عليهم السلام) لمعلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ثم هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين، ثم تلا هذه الآية: " واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ".
27 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل (1) " فقال: قرابتك. 28 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان وهشام بن الحكم ودرست بن أبي منصور، عن عمر بن يزيد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل "؟ قال: نزلت في رحم آل محمد عليه وآله السلام وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشئ: إنه في شئ واحد. 29 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن علي، عن أبي جميلة عن الوصافي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره أن يمد الله في عمره وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، فإن الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق (2) تقول: يا رب صل من وصلني واقطع من قطعني، فالرجل ليرى بسبيل خير إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوي به إلى أسفل قعر في النار (3).
(1) الرعد: 21. (2) ذلق كنصر وفرح وكرم فهو ذيلق وذلق بالفتح وكصرد وعنق أي حديد بليغ. (3) أي تسقطه في أسفل قعور النار التى يستحقها مثله وربما يحمل على المستحل ويمكن حمله على من قطع رحم آل محمد عليهم السلام (آت).
[ 157 ]
30 - علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسن بن علي، عن صفوان عن الجهم بن حميد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): تكون لي القرابة على غير أمري، ألهم علي حق؟ قال: نعم حق الرحم لا يقطعه شئ وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان: حق الرحم وحق الاسلام. 31 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار
قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب. 32 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الصمد بن بشير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة وهي منسأة في العمر وتقي مصارع السوء (1) وصدقة الليل تطفئ غضب الرب. 33 - علي، عن ابيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن صلة الرحم تزكي الاعمال وتنمي الاموال وتيسر الحساب وتدفع البلوى وتزيد في الرزق. (باب البر بالوالدين) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " وبالوالدين إحسانا (2) " ما هذا الاحسان؟ فقال: الاحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين (3) أليس يقول الله عز وجل: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (4) " قال: ثم قال أبو عبد الله
(1) الصرع: الطرح على الارض والمصرع يكون مصدرا واسم مكان ومصارع السوء كناية عن الوقوع في البلايا العظيمة الفاضحة الفادحة (آت). (2) الاسراء: 23. (3) " وإن كانا مستغنيين " أي يمكنهما تحصيل ما احتاجا إليه بمالهما (آت). (4) " لن تنالوا البر " ظاهر الخبر أن المراد بالبر في الاية بر الوالدين ويمكن ان يكون المراد اعم منه ويكون ايرادها لشمولها بعمومها لها وعلى التقديرين الاستشهاد اما لاصل البر أو لان اطلاق الاية شامل للانفاق قبل السؤال وحال الغنى لعدم التقييد فيها بالفقر والسؤال (آت).
[ 158 ]
(عليه السلام) وأما قول الله عز وجل: " إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما (1) " قال: إن أضجراك فلا تقل لهما: اف، ولا تنهرهما إن ضرباك، قال: " وقل لهما قولا كريما " قال: إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم، قال " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " قال: لا تملا عينيك (2) من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما. 2 - ابن محبوب، عن خالد بن نافع البجلي، عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أوصني فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان، و والديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الايمان. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يأتي يوم القيامة شئ مثل الكبة (4) فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنة، فيقال: هذا البر. 4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: أي الاعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله عز وجل. 5 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن درست بن أبي منصور، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سأل رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(1) أي لا تزجرهما باغلاظ وصياح. (2) الظاهر لا تملا بالهمزة كما في مجمع البيان وتفسير العياشي وأما على ما في بعض نسخ الكتاب [ لا تمل ] فلعله ابدلت الهمزة حرف علة ثم حذفت بالجازم فهو بفتح اللام المخففة ولعل الاستثناء
في قوله " الا برحمة " منقطع والمراد بملئ العينين حدة النظر (آت). (3) الظاهر ان والديك منصوب بفعل مقدر يفسره الفعل المذكور والكلام يفيد الحصر و التأكيد إن قدر المحذوف بعده والتأكيد فقط إن قدر قبله كذا قيل وأقول: يمكن أن يقدر فعل آخر أي وراع والديك فأطعهما بصيغة الامر من باب علم ونصر (آت). (4) الكبة: الدفعة في القتال؟ والحملة في الحرب والصدمة.
[ 159 ]
ما حق الوالد على ولده؟ قال: لا يسميه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله ولا يستسب له (1). 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الله بن مسكان، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال - وأنا عنده - لعبد الواحد الانصاري في بر الوالدين في قول الله عز وجل: " وبالوالدين إحسانا " فظننا أنها الآية التى في بني إسرائيل " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه [ وبالوالدين إحسانا ] " فلما كان بعد سألته فقال: هي التي في لقمان " ووصينا الانسان بوالديه (حسنا) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " إن ذلك أعظم [ من ] أن يأمر بصلتهما وحقهما على كل حال " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم "؟ فقال: لا بل يأمر بصلتهما وإن جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلا عظما (2). 7 - عنه، عن محمد بن علي، عن الحكم بن مسكين، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين، يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيرا كثيرا. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: قلت لابي الحسن الرضا (عليه السلام): أدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما
وتصدق عنهما، وإن كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق. 9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يارسول الله من أبر؟ قال:
(1) أي لا يفعل ما يصير سببا لسب الناس له كأن يسبهم أو آباءهم وقد يسب الناس والد من يفعل فعلا شنيعا قبيحا (آت). (2) قال المجلسي (ره) في مرآة العقول: " هذا الحديث ضعيف وهو من الاخبار العويصة الغامضة التى سلك كل فريق من الاماثل فيها واديا فلم يأتو بعد الرجوع بما يسمن أو يغنى من جوع و فيه إشكالات لفظية ومعنوية " فذكر رحمه الله الاشكالات الواردة ثم ذكر ما خطر بباله في معنى الحديث ثم شرع في ماقاله المشايخ العظام مفصلا، من أراد الاطلاع فليراجع هناك.
[ 160 ]
امك، قال: ثم من؟ قال: امك، قال: ثم من؟ قال: امك، قال: ثم من؟ قال: أباك. 10 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إنى راغب في الجهاد نشيط (1) قال: فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): فجاهد في سبيل الله فإنك إن تقتل تكن حيا عند الله ترزق وإن تمت فقد وقع أجرك على الله وإن رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت، قال: يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقر مع والديك فوالذي نفسي بيده لانسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة. 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن معاوية ابن وهب، عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانيا فأسلمت وحججت فدخلت.
على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: إني كنت على النصرانية وإني أسلمت، فقال: وأي شئ رأيت في الاسلام (2)؟ قلت: قول الله عز وجل: " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء (3) " فقال: لقد هداك الله، ثم قال: اللهم اهده - ثلاثا - سل عما شئت يا بني فقلت: إن أبي وامي على النصرانية وأهل بيتي، وامي مكوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ فقال يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا ولا يمسونه، فقال: لا بأس (4) فانظر امك فبرها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي تقوم بشأنها ولا تخبرن أحدا أنك أتيتني حتى تأتيني بمنى
(1) في المصباح نشط في عمله من باب تعب: خف وأسرع، فهو نشيط. (2) أي من الحجة والبرهان حتى صار سببا لاسلامك. (3) الشورى: 52 أي ان الله ألقى الهداية في قلبى وهداني للاسلام كما هو مضمون الاية الكريمة فصدقه (عليه السلام) بقوله: لقد هداك الله، ثم قال: اللهم اهده أي زد في هدايته أو أثبته عليها. (4) تجويزه عليه السلام الاكل في آنية أهل الكتاب معهم لا يدل على طهارتهم وطهارة طعامهم مع مباشرتهم له بالرطوبة ولا عدم سراية النجاسة لامكان أن يأكل في آنيتهم طعاما طاهرا مع عدم مباشرتهم لما يأكله برطوبة وإن كان خلاف الظاهر، فلا ينافى ما هو المشهور فتوى وله رواية في نجاستهم ونجاسة ما باشروه بالرطوبة (لح).
[ 161 ]
إن شاء الله قال: فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان (1)، هذا يسأله وهذا يسأله، فلما قدمت الكوفة ألطفت لامي وكنت اطعمها وافلي (2) ثوبها ورأسها و أخدمها فقالت لي: يا بني ماكنت تصنع بي هذا وأنت على ديني فما الذي أرى عنك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟ فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبي؟ فقلت: لا ولكنه ابن نبي، فقالت: با بني إن هذا نبي إن هذه وصايا الانبياء، فقلت: يا امه (3) إنه ليس يكون بعد نبينا نبي ولكنه ابنه
فقالت: يا بني دينك خير دين، اعرضه علي فعرضته عليها فدخلت في الاسلام وعلمتها، فصلت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت: يا بني أعد علي ما علمتني فأعدته عليها، فأقرت به وماتت، فلما أصبحت كان المسلمون الذين غسلوها وكنت أنا الذي صليت عليها ونزلت في قبرها. 12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إسماعيل بن مهران، جميعا، عن سيف بن عميرة، عن عبد الله بن مسكان، عن عمار بن حيان (4) قال: خبرت أبا عبد الله (عليه السلام) ببر إسماعيل ابني بي، فقال: لقد كنت احبه وقد ازددت له حبا، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتته اخت له من الرضاعة (5) فلما نظر إليها سر بها وبسط ملحفته (6) لها فأجلسها عليه ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها، ثم قامت وذهبت وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله صنعت باخته ما لم تصنع به وهو رجل؟! فقال: لانها كانت أبر بوالديها منه.
(1) كان التشبيه في كثرة إجتماعهم وسؤالهم ولطفه (عليه السلام) في جوابهم وكونهم عنده بمنزلة الصبيان في إحتياجهم إلى المعلم (آت). (2) في القاموس فلا رأسه يفليه كيفلوه: بحثه عن القمل كفلاه (آت). (3) أصله يا اماه. (4) المذكور في رجال الشيخ من اصحاب الصادق (عليه السلام) عمار بن جناب بالجيم والنون والباء (آت). (5) إخته وأخوه (صلى الله عليه وآله) من الرضاعة هما ولدا حليمة السعدية. (6) في القاموس الملحفة والملحف بكسرهما ما يلتحف به.
[ 162 ]
13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد الله بن مسكان، عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام)
إن أبي قد كبر جدا وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة؟ فقال: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقمه بيدك فإنه جنة لك غدا. 14 - عنه، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، عن جابر قال: سمعت رجلا يقول لابي عبد الله (عليه السلام): إن لي أبوين مخالفين؟ فقال برهما كما تبر المسلمين ممن يتولانا (1) 15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ثلاث لم يجعل الله عز وجل لاحد فيهن رخصة: أداء الامانة إلى البر والفاجر والوفاء بالعهد للبر والفاجر وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين. 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من السنة والبر أن يكنى الرجل باسم أبيه (2). 17 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، وعلي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد جميعا، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل وسأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن بر الوالدين فقال: ابرر امك ابرر امك ابرر امك ابرر أباك ابرر أباك ابرر أباك وبدأ بالام قبل الاب. 18 - الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إني قد ولدت بنتا وربيتها حتى إذا بلغت فألبستها و حليتها ثم جئت بها إلى قليب فدفعتها في جوفه وكان آخر ما سمعت منها وهي تقول يا أبتاه (3)
(1) " كما تبر المسلمين " بصيغة الجمع أي للاجنبي المؤمن حق الايمان وللوالدين المخالفين حق الولادة فهما متساويان في الحق ويمكن أن يقرء بصيغة التثنية أي كما تبرهما لو كانا مسلمين فيكون التشبيه في اصل البر لا في مقداره لكنه بعيد (آت). (2) في بعض النسخ [ بأسم ابنه ].
(3) القليب: البئر العادية القديمة، " وهى تقول " جملة حالية ومفعول تقول محذوف أي وهى تقول ما قالت أو ضمير راجع إلى " ما " وقوله: يا أبتاه خبر كان (آت).
[ 163 ]
فما كفارة ذلك؟ قال: ألك ام حية؟ قال: لا، قال: فلك خالة حية؟ قال: نعم، قال: فابررها فإنها بمنزلة الام يكفر عنك ما صنعت، قال أبو خديجة: فقلت لابي عبد الله (عليه السلام): متى كان هذا؟ فقال: كان في الجاهلية وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين. 19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان ابن سدير، عن أبيه قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): هل يجزي الولد والده؟ فقال: ليس له جزاء إلا في خصلتين يكون الوالد مملوكا فيشتريه ابنه فيعتقه أو يكون عليه دين فيقضيه عنه. 20 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عمرو ابن شمر، عن جابر (1) قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إني رجل شاب نشيط واحب الجهاد ولى والدة تكره ذلك؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ارجع فكن مع والدتك فوالذي بعثني بالحق [ نبيا ] لانسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل الله سنة. 21 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن سنان عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العبد ليكون برا بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقا، وإنه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل بارا. (باب) * (الاهتمام بامور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم) *
1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم. 2 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنسك الناس نسكا أنصحهم جيبا (2)
(1) كذا. (2) يعنى أشدهم عبادة أكثرهم أمانة. يقال: رجل ناصح الجيب أي أمين لا غش فيه، والجيب الصدر والقلب. ورجل ناصح الجيب أي نقى القلب.
[ 164 ]
وأسلمهم قلبا لجميع المسلمين. 3 - علي بن إبراهيم، عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن سفيان عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليك بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن محمد بن القاسم الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من لم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم. 5 - عنه، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة، عن عمه عاصم الكوزي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من أصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سرورا. 7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحب الناس إلى الله؟ قال: أنفع الناس للناس.
8 - عنه، عن علي بن الحكم، عن مثنى بن الوليد الحناط، عن فطر بن خليفة، عن عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه (صلوات الله عليهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من رد عن قوم من المسلمين عادية [ ماء ] (1) أو نارا وجبت له الجنة. 9 - عنه، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " وقولوا للناس حسنا (2) " قال: قولوا للناس حسنا ولا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو (3)؟.
(1) لفظة " ماء " ليست في اكثر النسخ والعادية المتجاوز من الحد والتاء للمبالغة (لح). (2) البقرة: 83. (3) يعنى لا تقولوا لهم الا خيرا، ما تعلمون فيهم الخير وما لم تعلموا فيهم الخير، فاما إذا علمتم أنه لا خير فيهم وانكشف لكم عن سوء ضمائرهم بحيث لا يبقى لكم مرية فلا عليكم ان لا تقولوا خيرا. و " ما " يحتمل الموصولية والاستفهام والنفى (في).
[ 165 ]
10 - عنه، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في قول الله عز وجل: " وقولوا للناس حسنا " قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم. 11 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في قول الله عز وجل: " وجعلني مبارك أينما كنت (1) " قال: نفاعا. (باب اجلال الكبير) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، رفعه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا.
3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن أبان، عن الوصافي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): عظموا كباركم وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشئ أفضل من كف الاذى عنهم. (باب) * (اخوة المؤمنين بعضهم لبعض) * 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما المؤمنون إخوة بنو أب وام (2) وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.
(1) مريم: 31. (2) " بنو أب وأم " اريد بالاب روح الله الذى نفخ منه في طينة المؤمن وبالام الماء العذب والتربة الطيبة كما مر في أبواب الطينة لا آدم وحواء كما يتبادر إلى بعض الاذهان لعدم اختصاص الانتساب اليهما بالايمان الا ان يقال: تباين العقائد صار مانعا عن تأثير تلك الاخوة لكنه بعيد ويمكن أن يكون المراد اتحاد آبائهم الحقيقية الذين احيوهم بالايمان والعلم.
[ 166 ]
2 - عنه، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان، عن جابر الجعفي قال: تقبضت بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي، وصديقي، فقال: نعم يا جابر إن الله عز وجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجري فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لابيه وامه. فإذا أصاب روحا من تلك الارواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لانها منها (1). 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا
يغشه ولا يعده عدة فيخلفه. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعدة من أصحابنا، عن سهل ابن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن لاشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها. 5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي عمير، عن حفص بن البختري قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ودخل عليه رجل فقال لي: تحبه؟ فقلت: نعم، فقال لي ولم لا تحبه وهو أخوك وشريكك في دينك وعونك على عدوك ورزقه على غيرك. 7 - أبو علي الاشعري، عن الحسين بن الحسن، عن محمد بن اورمة، عن بعض أصحابه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: المؤمن أخو المؤمن لابيه وامه لان الله عز وجل خلق المؤمنين من
(1) لا يقال: على هذا يلزم ان يكون المؤمن محزونا دائما لانا نقول: يحتمل أن يكون للتاثير شرائط اخرى تفقد في بعض الاحيان كان يكون ارتباط هذا الروح ببعض الارواح اكثر من بعض.
[ 167 ]
طينة الجنان وأجرى في صورهم من ريح الجنة، فلذلك هم إخوة لاب وام. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه.
9 - أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن رجل، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: المؤمنون خدم بعضهم لبعض، قلت: وكيف يكونون خدما بعضهم لبعض؟ قال: يفيد بعضهم بعضا.... الحديث (1). 10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل البصري، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن نفرا من المسلمين خرجوا إلى سفر لهم فضلوا الطريق فأصابهم عطش شديد فتكفنوا (2) ولزموا اصول الشجر فجاءهم شيخ وعليه ثياب بيض فقال قوموا فلا بأس عليكم فهذا الماء، فقاموا وشربوا وارتووا، فقالوا: من أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا من الجن الذين بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، فلم تكونوا تضيعوا بحضرتي. 11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله [ ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه ] قال ربعي: فسألني رجل من أصحابنا بالمدينة فقال: سمعت فضيل يقول ذلك؟ قال فقلت له: نعم، فقال: [ ف ] اني سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يغشه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه.
(1) " الحديث " أي إلى تمام الحديث إشارة إلى انه لم يذكر تمام الخبر (آت). (2) أي اتخذوا الكفن ولبسوه وفى بعض النسخ [ فتكنفوا ] بتقديم النون على الفاء أي اختاروا الكنف وهو الجانب (لح).
[ 168 ]
(باب) * (فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه) *
1 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وسئل عن إيمان من يلزمنا حقه واخوته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل؟ فقال: إن الايمان قد يتخذ على وجهين أما أحدهما فهو الذي يظهر لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت، حقت ولايته واخوته إلا أن يجيئ منه نقض للذي وصف من نفسه وأظهره لك، فإن جاء منه ما تستدل به على نقض الذي أظهر لك، خرج عندك مما وصف لك وأظهر، وكان لما أظهر لك ناقضا إلا أن يدعي أنه إنما عمل ذلك تقية ومع ذلك ينظر فيه فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يقبل منه ذلك، لان للتقية مواضع، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتقى مثل [ أن يكون ] قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله فكل شئ يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز (1). (باب) * (في ان التواخى لم يقع على الدين وانما هو التعارف) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لم تتواخوا على هذا الامر وإنما (2) تعارفتم عليه.
(1) كلمة " أما " التفصيلية المقتضية للتكرار لظهور القسم الاخر من هذا القسم والقسم الاخر هو ما يعرف بالصحبة. (2) في بعض النسخ [ ولكن تعارفتم ] ولعل المراد أن المؤاخاة على هذا الامر والاخوة في الدين كانت ثابتة بينكم في عالم الارواح ولم تقع في هذا اليوم وهذه الدار وانما الواقع في هذه الدار هو التعارف على هذا الامر الكاشف عن الاخوة في ذلك العالم: ويؤيده قوله (عليه السلام): " الارواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف " قيل معناه أن الارواح خلقت مجتمعة على قسمين مؤتلفة ومختلفة كالجنود التى تقابل بعضها بعضا
ثم فرقت في الاجساد فإذا كان الائتلاف والمؤاخاة اولا كان التعارف والتآلف بعد الاستقرار في البدن وإذا كان التناكر والتخالف هناك كان التنافر والتناكر هنا (لح).
[ 169 ]
2 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان وسماعة، جميعا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لم تتواخوا على هذا الامر [ و ] إنما تعارفتم عليه. (باب) * (حق المؤمن على أخيه وأداء حقه) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي حعفر (عليه السلام) قال: من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرج عنه كربته ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده. 2 - عنه، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير الهجري، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال له؟ سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب، قلت له: جعلت فداك وماهي؟ قال: يا معلى إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل، قال: قلت له: لا قوة إلا بالله، قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكرة له ما تكره لنفسك، والحق الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره، والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك، والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته، والحق الخامس [ أن ] لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى، والحق السادس أن يكون لك خادم وليس لاخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه، والحق السابق أن تبر قسمه (1) وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت
أن له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك.
(1) الظاهر أن قسمه بفتحتين وهو اسم من الاقسام وأن المراد ببر قسمه قبوله: واصل البر الاحسان ثم استعمل في القبول، يقال بر الله عمله إذا قبله كانه احسن إلى عمله بان قبله ولم يرده كذا في الفائق وقبول قسمه وإن لم يكن واجبا شرعا لكنه مؤكد لئلا يكسر قلبه ولا يضيع حقه (لح)
[ 170 ]
3 - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف، عن أبيه سيف، عن عبد الاعلى بن أعين قال: كتب [ بعض ] أصحابنا يسألون أبا عبد الله (عليه السلام) عن أشياء وأمروني أن أسأله عن حق المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلما جئت لاودعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟ فقال: إني أخاف أن تكفروا، إن من أشد ما افترض الله على خلقه ثلاثا: إنصاف المرء من نفسه حتى لا يرضى لاخيه من نفسه إلا بما يرضى لنفسه منه، ومؤاساة الاخ في المال، وذكر الله على كل حال، ليس سبحان الله والحمد الله ولكن عند ما حرم الله عليه فيدعه. 4 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل، عن مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال، ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حق المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ولا يكتسي ويعرى أخوه، فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم وقال: أحب لاخيك المسلم ما تحب لنفسك وإذا احتجت فسله وإن سألك فأعطه لا تمله خيرا ولا يمله لك (1) كن له ظهرا، فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه فإنه منك وأنت منه فإن كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسأل سميحته (2) وإن أصابه خير فاحمد الله وإن ابتلي فأعضده وإن تمحل له فأعنه (3) وإذا قال الرجل لاخيه:
اف انقطع ما بينهما من الولاية وإذا قال: أنت عدوي كفر أحدهما، فإذا اتهمه انماث الايمان في قلبه (4) كما ينماث الملح في الماء، وقال: بلغني أنه قال: إن المؤمن ليزهر
(1) الظاهر انه من امليته بمعنى تركته واخرته والاملاء (فرو گذاشتن ومهلت دادن ودرازا كشيدن مدت). ولامه ياء وأما الاملال بمعنى (ملول كردن) فبعيد (لح). وقال الفيض (ره) في الوافى: لعل المراد بقوله " لا تمله خيرا ولا يمل لك " لا تسأمه من جهة اكثارك الخير ولا يسأم هو من جهة اكثاره الخير لك. يقال مللته ومللت منه إذا سأمه. انتهى. (2) أي بالعفو عن التقصير ومساهلته بالتجاوز لئلا يستقر في قلبه فيوجب التنافر والتباغض وفى بعض النسخ [ تسل سخيمته ]. والسل إنتزاعك الشئ واخراجه في رفق والسخيمة: الحقد أي تستخرج حقده وغضبه برفق. (3) " تمحل له " أي كيد. يقال: رجل محل أي ذو كيد ومحل بفلان إذا سعى به إلى السلطان والمحال بالكسر الكيد (في). وفى القاموس " تمحل " وقع في شدة (4) أي يذاب. مثت الشئ - اميثه واموثه فانماث إذا دفته في الماء.
[ 171 ]
نوره لاهل السماء كما تزهر نجوم السماء لاهل الارض وقال: إن المؤمن ولي الله يعينه (1) ويصنع له ولا يقول عليه إلا الحق ولا يخاف غيره. 6 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له (2) إذا غاب، ويسمته إذا عطس (3)، و يجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات. عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة مثله. 7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما حق المؤمن على المؤمن؟ قال:
إن من حق المؤمن على المؤمن المودة له في صدره، والمؤاساة له في ماله، والخلف له في أهله، والنصرة له على من ظلمه، وإن كان نافلة في المسلمين (4) وكان غائبا أخذ له بنصيبه وإذا مات، الزيارة إلى قبره وأن لا يظلمه وأن لا يغشه وأن لا يخونه وأن لا يخذله وأن لا يكذبه وأن لا يقول له اف، وإذا قال له: اف فليس بينهما ولاية، وإذا قال له: أنت عدوي فقد كفر أحدهما، وإذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن أبي علي صاحب الكلل (5)، عن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله (عليه السلام) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع
(1) أي: الله يعين المؤمن " ويصنع له " أي يكفى مهماته. " ولا يقول عليه " أي لا يقول المؤمن على الله. " إلا الحق " إلا ما علم أنه حق (آت). (2) أي يكون خالصا طالبا لخيره، دافعا عنه الغيبة وسائر الشرور (آت). (3) كذا وفى المصباح التسميت: ذكر الله على الشئ وتسميت العاطس الدعاء له. (4) النافلة: الغنيمة والعطية. (5) " صاحب الكلل " أي كان يبيعها والكلل جمع كلة بالكسر فيهما وفى القاموس الكلة بالكسر: الستر الرقيق وغشاء رقيق يتوقى به من البعوض. وصوفه حمراء في رأس الهودج.
[ 172 ]
أبا عبد الله (عليه السلام) وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضا فرآه أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم، قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا، قال: هو على مثل ما أنت عليه (1) قلت: نعم، قال: فاذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال: نعم، قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه، ثم دخلت عليه بعد فسألته، فقلت: أخبرني عن حق المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده، قلت: بلى جعلت فداك فلم أزل اردد عليه، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك، ثم
نظر إلي فرأى ما دخلني، فقال: يا أبان أما تعلم أن الله عز وجل قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ قلت: بلى جعلت فداك، فقال: أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنما أنت وهو سواء إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر. 9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال: ابتداء منه يا ابن أبي يعفور قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله عز وجل وعن يمين الله (2) فقال ابن أبي يعفور وما هن جعلت فداك؟ قال: يحب المرء المسلم لاخيه ما يحب لاعز أهله، ويكره المرء المسلم لاخيه ما يكره لاعز أهله، ويناصحه الولاية (3)، فبكى ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية؟ قال: يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه (4) ففرح لفرحه إن هو فرح وحزن لحزنه إن هو حزن وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه وإلا دعا الله له، قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاث لكم (5) وثلاث لنا أن تعرفوا فضلنا وأن تطؤوا عقبنا وأن تنتظروا
(1) أي من التشيع ويدل على جواز قطع طواف الفريضة لقضاء حاجة المؤمن كما ذكره الاصحاب (آت) (2) أي قدام عرشه وعن يمين عرشه أو كناية عن نهاية القرب والمنزلة عنده تعالى (آت). (3) مناصحة الولاية: خلوص المحبة عن الغش والعمل بمقتضاها (آت). (4) يعني إذا صار منه بحيث يحب له ما يحب لاعز أهله ويكره له ما يكره لاعز أهله " بثه همه " أي نشره وأظهره فإذا بثه همه فرح لفرحه وحزن لحزنه. (5) أي ثلاث من المذكورات لكم: الحب والكراهة والمناصحة، وثلاثة لنا 1 - أن تعرفوا فضلنا أي على سائر الخلق بالامامة والعصمة ووجوب الطاعة، أو نعمتنا عليكم بالهداية والتعليم والنجاة من النار واللحوق بالابرار 2 - وان تطؤوا عقبنا أي تتابعونا في الاقوال والافعال ولا تخالفونا. 3 - وأن تنتظروا عاقبتنا أي ظهور قائمنا وعود الدولة إلينا في الدنيا أو الاعم منها ومن الآخرة. (آت)
[ 173 ]
عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله عز وجل فيستضيئ بنورهم من هو أسفل منهم وأما الذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش مما يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور: وما لهم لا يرون وهم عن يمين الله؟ فقال: يا ابن أبي يعفور إنهم محجوبون بنور الله، أما بلغك الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: إن لله خلقا عن يمين العرش بين يدي الله وعن يمين الله وجوههم أبيض من الثلج وأضوء من الشمس الضاحية (1)، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الذين تحابوا في جلال الله. 10 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل رجل فسلم، فسأله كيف من خلفت من إخوانك؟ قال: فأحسن الثناء وزكى وأطرى (2)، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة، قال: و كيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم (3)؟ قال: قليلة، قال: فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنك لتذكر أخلاقا قل ما هي فيمن عندنا، قال: فقال: فكيف تزعم (4) هؤلاء أنهم شيعة. 11 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن أبي إسماعيل قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثير فقال: [ ف ] هل يعطف الغني على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيئ؟ ويتواسون؟ فقلت: لا، فقال: ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا. 12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: كان أبو جعفر (صلوات الله عليه) يقول: عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهم (5) بعضكم بعضا ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإياكم و البخل، كونوا عباد الله المخلصين. 13 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن عمر بن
(1) أي المرتفعة في وقت الضحى.
(2) أطريت فلانا مدحته بأحسن مما فيه وقال الجوهري: الاطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. (3) المراد به حسن النظر والالتفات إلى الفقراء. (4) في بعض النسخ [ يزعم ]. (5) في القاموس جهمه كمنعه وسمعه: استقبله بوجه كريه.
[ 174 ]
أبان، عن سعيد بن الحسن قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أيجيئ أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلا شئ إذا، قلت: فالهلاك إذا، فقال: إن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد (1). 14 - علي بن إبراهيم، عن الحسين بن الحسن، عن محمد بن أورمة، رفعه، عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن حق المؤمن، فقال: سبعون حقا لا اخبرك إلا بسبعة، فإني عليك مشفق أخشى ألا تحتمل، فقلت: بلى إن شاء الله، فقال: لا تشبع ويجوع ولا تكتسي ويعرى، وتكون دليله وقيمصه الذي يلبسه (2) ولسانه الذي يتكلم به وتحب له ما تحب لنفسك وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهد فراشه وتسعى في حوائجه بالليل والنهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية الله عزوجل. 15 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف (3) والمؤاساة لاهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل: " رحماء بينكم (4) " متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الانصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله). 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حق على المسلم إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه وحق
على إخوانه إذا قدم أن يأتوه.
(1) أي لم يكمل عقولهم بعد. ويختلف التكليف باختلاف مراتب العقول. كما مر انما يداق الله العباد على قدر ما آتاهم من العقول (آت). (2) أي تكون محرم اسراره ومختصا به غاية الاختصاص أو المعنى تكون ساتر عيوبه. (3) في بعض النسخ [ والتعاقد على التعاطف ]. (4) إشارة إلى سورة الفتح آية: 29.
[ 175 ]
(باب التراحم والتعاطف) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لاصحابه: اتقوا الله وكونوا إخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن كليب الصيداوي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تواصلوا وتباروا وتراحموا وكونوا إخوة بررة كما أمركم الله عز وجل. 3 - عنه، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا. 4 - عنه، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لاهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل: " رحماء بينهم " متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الانصار على عهد رسول الله (عليه السلام).
(باب زيارة الاخوان) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن [ علي ] ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من زار أخاه لله لا لغيره التماس موعد الله وتنجز ما عند الله وكل الله به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت وطابت لك الجنة. 2 - عنه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) اودعه فقال: يا خثيمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم وأن يشهد حيهم جنازة
[ 176 ]
ميتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا (1) بعضهم بعضا حياة لامرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا، يا خيثمة أبلغ موالينا أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع وأن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره (2). 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حدثني جبرئيل (عليه السلام) أن الله عز وجل أهبط إلى الارض ملكا، فأقبل ذلك الملك يمشي حتى وقع (3) إلى باب عليه رجل يستأذن على رب الدار، فقال له الملك، ما حاجتك إلى رب هذه الدار؟ قال: أخ لي مسلم زرته في الله تبارك وتعالى، قال له الملك، ما جاء بك إلا ذاك؟ فقال: ما جاء بي إلا ذاك، فقال: إني (4) رسول الله إليك وهو يقرئك السلام ويقول: وجبت لك الجنة وقال الملك: إن الله عز وجل يقول: أيما مسلم زار مسلما فليس إياه زار، إياي زار وثوابه علي الجنة. 4 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي النهدي، عن الحصين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من زار أخاه في الله قال الله عز وجل: إياي زرت وثوابك
علي، ولست أرضى لك ثوابا دون الجنة. 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من زار أخاه في جانب المصر (5) ابتغاء وجه الله فهو زوره (6)، وحق على الله أن يكرم زوره. 6 - عنه، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)
(1) اللقيا بضم اللام وسكون القاف اسم من اللقاء. (2) أي أظهر مذهبا صحيحا ولم يعمل بمقتضاه، (3) في بعض النسخ [ دفع ]. (4) في بعض النسخ [ قال فانى ]. (5) ناحية من البلد، داخلا كان أو خارجا وهو كناية عن بعد المسافة بينهما (آت). (6) " فهو زوره " أي زائره وقد يكون جمع زائر والمفرد هنا أنسب وإن امكن أن يكون المراد هو من زوره. قال في النهاية الزور: الزائر وهو في الاصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم وقد يكون الزور جمع زائر كركب وراكب (آت).
[ 177 ]
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من زار أخاه في بيته قال الله عز وجل له: أنت ضيفي و زائري، علي قراك (1) وقد أوجبت لك الجنة بحبك إياه. 7 - عنه، عن علي بن الحكم، عن إسحاق بن عمار، عن أبي غرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من زار أخاه في الله في مرض أو صحة، لا يأتيه خداعا ولا استبدالا (2)، وكل الله به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه أن: طبت وطابت لك الجنة فأنتم زوار الله وأنتم وفد الرحمن (3) حتى يأتي منزله، فقال له يسير (4): جعلت فداك وإن كان المكان بعيدا (5)؟ قال: نعم يا يسير وإن كان المكان مسيرة سنة، فإن الله جواد والملائكة كثيرة، يشيعونه حتى يرجع إلى منزله. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي [ بن ] النهدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من زار أخاه في الله ولله جاء يوم القيامة يخطر بين قباطي من
نور (6)، ولا يمر بشئ إلا أضاء له حتى يقف بين يدي الله عز وجل، فيقول الله عز وجل له: مرحبا، وإذا قال: مرحبا أجزل الله عز وجل له العطية. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن بشير (7)، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العبد المسلم إذا خرج من بيته زائرا أخاه لله لا لغيره، التماس وجه الله، رغبة فيما عنده، وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه إلى أن يرجع إلى منزله: ألا طبت وطابت لك الجنة. 10 - الحسين بن محمد [ عن أحمد بن محمد ] عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد،
(1) القرى: ما يعد للضيف (في). (2) الاستبدال أن يتخذ منه بدلا، يعنى لا يأتيه لخداع أو عوض أو غرض؟ دنيويين بل إنما يأتيه لله وفى الله (في). والخداع بكسر الخاء. (3) الوفد بالفتح جمع وافد وهو الوارد القادم. (4) كأنه الدهان الذى قد يعبر عنه بيسير (آت). (5) في بعض النسخ [ فان كان ] فان شرطية والجزاء محذوف أي يفعلون ذلك أيضا. (6) " يخطر " يعنى يتمايل ويمشى مشية المعجب وفى بعض النسخ [ يخطو ] والقبط بالكسر: أهل مصر وإليهم ينسب الثياب البيض المسماة بالقباطى. (في) (7) في بعض النسخ [ يسير ].
[ 178 ]
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عز وجل أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة. 11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
إن لله عز وجل جنة لا يدخلها إلا ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحق، ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله. 12 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكا فيضع جناحا في الارض وجناحا في السماء يظله، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبار تبارك وتعالى أيها العبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبيي، حق علي إعظامك، سلني اعطك، ادعني اجبك، اسكت أبتدئك، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله، ثم يناديه تبارك و تعالى أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك قد أوجبت لك جنتي وشفعتك في عبادي. 13 - صالح بن عقبة، عن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لزيارة المؤمن في الله خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، ومن أعتق رقبة مؤمنه وقى كل عضو عضوا من النار حتى أن الفرج يقي الفرج. 14 - صالح بن عقبة، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم، يأمنون بوائقه (1) ولا يخافون غوائله ويرجون ما عنده، إن دعوا الله أجابهم وإن سألوا أعطاهم وإن استزادوا زادهم وإن سكتوا ابتدأهم. 15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب قال: سمعت أبا حمزة يقول: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) (2) يقول: من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره، يطلب
(1) جمع البائقة وهى الداهية والشر ويقرب منه الغائلة (في). (2) لو كان العبد الصالح موسى الكاظم (عليه السلام) كما هو الظاهر يدل على إن أبا حمزة الثمالى أدرك أيام امامته (عليه السلام) واختلف علماء الرجال في ذلك والظاهر انه أدرك ذلك لان بدء امامته (عليه السلام) في سنة ثمان واربعين ومائة والمشهور ان وفات أبى حمزة في سنة خمسين ومائة لكن قد مر مثله في أول الباب عن أبى حمزة عن أبى عبد الله (عليه السلام) فيمكن أن يكون هو المراد بالعبد
الصالح أو يكون اشتباها من الرواة (آت).
[ 179 ]
به ثواب الله وتنجز ما وعده الله عز وجل الله وكل عز وجل به سبعين ألف ملك، من حين يخرج من منزله حتى يعود إليه ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنة، تبوأت (1) من الجنة منزلا. 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لقاء الاخوان مغنم جسيم وإن قلوا. (باب المصافحة) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون عن يحيى بن زكريا، عن أبي عبيدة قال: كنت زميل (2) أبي جعفر (عليه السلام) وكنت أبدأ بالركوب، ثم بركب هو فإذا استوينا سلم وساءل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح، قال: وكان إذا نزل نزل قبلي فإذا استويت أنا وهو على الارض سلم وساءل مسألة من لا عهد له بصاحبه، فقلت: يا ابن رسول الله إنك لتفعل شيئا ما يفعله أحد من قبلنا وإن فعل مرة فكثير، فقال: أما علمت ما في المصافحة، إن المؤمنين يلتقيان، فيصافح أحدهما صاحبه، فلا تزال الذنوب تتحات (3) عنهما كما يتحات الورق عن الشجر، والله ينظر إليهما حتى يفترقا. 2 - عنه، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي خالد القماط، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمنين إذا التقيا وتصافحا ادخل الله يده بين أيديهما، فصافح أشدهما حبا لصاحبه. 3 - ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب، عن السميدع (4)، عن مالك ابن أعين الجهني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله عز وجل يده بين أيديهما وأقبل بوجهه على أشدهما حبا لصاحبه، فإذا أقبل الله عز
(1) بواه الله منزلا أي اسكنه اياه وتبوأت منزلا: اتخذته والتنوين في " منزلا " كانه للتعظيم. (2) الزميل: الرديف، العديل، الرفيق. والمزاملة: المعادلة. (3) أي تساقط. (4) في رجال الشيخ " السميدع الهلالي " من أصحاب الصادق (عليه السلام). وفى التقريب السميدع بفتح أوله والميم وسكون الياء وفتح الدال هو ابن واهب بن سوار بن رهدم الجرمى البصري، ثقة في التاسعة (آت) وفى بعض النسخ [ عن أبى السميدع ].
[ 180 ]
وجل بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذنوب كما يتحات الورق من الشجر. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال، إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أقبل الله عز وجل عليهما بوجهه وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر. 5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبيدة الحذاء قال: زاملت أبا جعفر (عليه السلام) في شق محمل من المدينة إلى مكة فنزل في بعض الطريق، فلما قضى حاجته وعاد قال: هات يدك يا أبا عبيدة فناولته يدي فغمزها حتى وجدت الاذى في أصابعي، ثم قال: يا أبا عبيدة ما من مسلم لقي أخاه المسلم فصافحه وشبك أصابعه (1) في أصابعه إلا تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق من الشجر في اليوم الشاتي (2). 6 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا مالك أنتم شيعنا [ أ ] لا ترى أنك تفرط في أمرنا، إنه لا يقدر على صفة الله فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفتنا وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إن المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق من الشجر، حتى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.
7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمد ابن فضيل، عن أبي حمزة قال: زاملت أبا جعفر (عليه السلام) فحططنا الرحل (3)، ثم مشى قليلا، ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة فقلت؟ جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل؟! فقال: أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه نظر الله إليهما بوجهه فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه ويقول للذنوب: تتحات عنهما، فتتحات - يا أبا حمزة -
(1) كان المراد بالتشبيك هنا أخذ أصابعه بأصابعه فانهما حينئذ تشبهان الشبكة، لا ادخال الاصابع في الاصابع كما زعم (آت). (2) اليوم الشاتى: الشديد البرد وهو كناية عن يوم الريح للزومه لها غالبا. (3) أي وضعنا الرحل. والرحل كل شئ يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن جمعه ارحل ورحال ورحل الشخص مأواه في الحضر، ثم اطلق على امتعة المسافر لانها هناك مأواه (آت)
[ 181 ]
كما يتحات الورق عن الشجر فيفترقان وما عليهما من ذنب. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن حد المصافحة، فقال: دور نخلة. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمرو بن الافرق (1)، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا. 10 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه (2)، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد (3)، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه آله): إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه، فإن الله عز وجل أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة. 11 - عنه، عن محمد بن علي، عن ابن بقاح، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن
شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار (4). 12 - عنه، عن موسى بن القاسم، عن جده معاوية بن وهب أو غيره، عن رزين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان المسلمون إذا غزوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومروا بمكان كثير الشجر ثم خرجوا إلى الفضاء نظر بعضهم إلى بعض فتصافحوا. 13 - عنه، عن أبيه، عمن حدثه، عن زيد بن الجهم الهلالي، عن مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا صافح الرجل صاحبه فالذي يلزم التصافح أعظم أجرا من الذي يدع، ألا وإن الذنوب ليتحات فيما بينهم حتى لا يبقى ذنب. 14 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فنظر إلي بوجه قاطب (5) فقلت: ما الذي غيرك لي؟ قال: الذي غيرك لاخوانك، بلغني يا إسحاق أنك أقعدت ببابك
(1) في بعض النسخ [ عمرو الافرق ] وفى فهرست الشيخ [ عمر بن الافرق ]. (2) في بعض النسخ [ أصحابنا ]. (3) في بعض النسخ [ عثمان بن يزيد ]. (4) بان تقولوا: غفر الله لك مثلا. (5) القطوب: العبوس وقبض مابين العينين. (في)
[ 182 ]
بوابا، يرد عنك فقراء الشيعة، فقلت: جعلت فداك إني خفت الشهرة، فقال: أفلا خفت البلية، أوما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عز وجل الرحمة عليهما فكانت تسعة وتسعين (1) لاشدهما حبا لصاحبه. فإذا توافقا (2) غمرتهما الرحمة فإذا قعدا يتحدثان قال الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستر الله عليهما، فقلت: أليس الله عز وجل يقول: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (3) "؟ فقال: يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم السر يسمع ويرى. 15 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: ما صافح رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا قط فنزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده منه (4) 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن الله عز وجل لا يوصف وكيف يوصف وقال في كتابه: " وما قدروا الله حق قدره (5) " فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك، وإن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يوصف وكيف يوصف عبد احتجب الله عز وجل بسبع (6) وجعل طاعته في الارض كطاعته [ في السماء ] فقال: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (7) " ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، وفوض إليه، وإنا لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس وهو الشك، والمؤمن لا يوصف وإن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر. 17 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن فضيل ابن عثمان، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا التقى المؤمنان فتصافحا أقبل الله بوجهه عليهما وتتحات الذنوب عن وجوههما حتى يفترقا.
(1) في بعض نسخ الحديث [ تسعون ] وهو الانسب. وليس في بعض نسخ الحديث " فكانت ". (2) في بعض النسخ [ تواقفا ]. (3) ق: 18. (4) يدل على استحباب عدم نزع اليد قبل صاحبه كما مر (آت). (5) الحج، 74. (6) اختلف الشراح في معنى السبع على وجوه ولا يخلو الجميع من التشويش والخبط راجع مرآة العقول ص 179 من المجلد الثاني. (7) الحشر، 7.
[ 183 ]
18 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تصافحوا فإنها تذهب بالسخيمة (1).
19 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لقي النبي (صلى الله عليه وآله) حذيفة، فمد النبي (صلى الله عليه وآله) يده فكف حذيفة يده، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا حذيفة بسطت يدي إليك فكففت يدك عني؟ فقال حذيفة: يا رسول الله بيدك الرغبة (2) ولكني كنت جنبا فلم احب أن تمس يدي يدك وأنا جنب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أما تعلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر. 20 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن بكربن محمد، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل لا يقدر (3) أحد قدره وكذلك لا يقدر قدر نبيه وكذلك لا يقدر قدر المؤمن، إنه ليلقى أخاه فيصافحه فينظر الله إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا، كما تتحات الريح الشديدة الورق عن الشجر. 21 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رفاعة (4) قال: سمعته يقول: مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة. (باب المعانقة) 1 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا.
(1) السخيمة: الحقد والحسد. (2) " بيدك الرغبة " كان الباء بمعنى " في " أي يرغب جميع الخلق في مصافحة يدك الكريمة (آت). (3) على بناء الفاعل كيضرب " قدره " منصوب ومفعول مطلق للنوع أي حق قدره (آت). (4) رفاعة بن موسى الاسدي النخاس روى عن أبى عبد الله وأبى الحسن (عليهما السلام) وكان ثقة في حديثه.
[ 184 ]
أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره (1) عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه، ثم باهى بهما الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في، حق علي ألا اعذبهما بالنار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه (2) وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل (3) فإن مات فيما بينهما اعفي من الحساب وإن كان؟؟ يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان له مثل أجره. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمه، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلا وجه الله ولا يريدان غرضا من أغراض الدنيا قيل لهما: مغفورا لكما فاستأنفا (4) فإذا أقبلا على المسألة قالت الملائكة بعضها لبعض: تنحوا عنهما فإن لهما سرا وقد ستر الله عليهما. قال إسحاق: فقلت: جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال الله عز وجل: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (5) " قال: فتنفس أبو عبد الله (عليه السلام) الصعداء ثم بكى حتى اخضلت دموعه لحيته وقال: يا إسحاق إن الله تبارك وتعالى إنما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما وإنه وإن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السر وأخفى.
(1) " يزوره " حال مقدرة. " عارفا " حال محققة عن فاعل خرج، وكان المراد بعرفان حقه أن يعلم فضله وأن له حق الزيارة والرعاية والاكرام فيرجع إلى أنه زاره لذلك وان الله تعالى جعل له حقا عليه، لا للاغراض الدنيوية (آت). (2) " خطاه " بالضم قال الجوهرى: الخطوة بالضم مابين القدمين وجمع القلة خطوات و
خطوات والكثير خطا. والخطوة بالفتح المرة الواحدة والجمع خطوات بالتحريك وخطاء. (3) ذكر الليلة يمكن أن يكون ايماء إلى أن الزيارة الكاملة هي أن يتم عنده إلى الليل أو لان العرب تضبط التواريخ بالليالى أو لانهم كانوا للتقية يتزاورون بالليل. (4) استأنف الشئ أخذ فيه وابتدأ ومنه استأنف الدعوى أي أعادها في مجلس الاستيناف. (5) ق: 18.
[ 185 ]
(باب التقبيل) 1 - أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لكم لنورا (1) تعرفون به في الدنيا، حتى أن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا [ يد ] رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من اريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله). 3 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي (2)، عن علي بن مزيد صاحب السابري قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فتناولت يده فقبلتها، فقال: أما إنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن يونس ابن يعقوب قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ناولني يدك اقبلها فأعطانيها، فقلت: جعلت فداك رأسك ففعل فقبلته، فقلت: جعلت فداك رجلاك، فقال: أقسمت أقسمت، أقسمت ثلاثا وبقي شئ، وبقي شئ، وبقي شئ (3). 5 - محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن (عليه السلام)
(1) في بعض النسخ [ نورا ]. (2) بفتح النون وسكون الراء نسبة إلى نرس، نهر حفره نرس بن بهرام بنواحي الكوفة. (3) " أقسمت " يمكن أن يكون على صيغة المتكلم ويكون إخبارا، أي حلفت أن لا أعطي رجلي أحدا يقبلها اما لعدم جوازه أو لعدم رجحانه أو للتقية وقوله: " بقى شئ " استفهام على الانكار، أي هل بقى احتمال الرخصة والتجويز بعد القسم. ويمكن أن يكون انشاء للقسم ومناشدة أي اقسم عليك أن تترك ذلك للوجوه المذكورة وهل بقى بعد مناشدتي إياك من طلبك التقبيل شئ أو لم يبق بعد تقبيل اليد والرأس شئ تطلبه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: " بقى شئ " التعريض بيونس وأمثاله أي بقى شئ آخر سوى هذه التواضعات الرسمية والتعظيمات الظاهرية وهو السعي في تصحيح العقائد القلبية ومتابعتنا في جميع اعمالنا وأقوالنا وهى أهم من هذا الذى تهتم به لانه (عليه السلام) كان يعلم انه سيضل ويصير فطحيا (آت - ملخصا).
[ 186 ]
قال: من قبل للرحم ذا قرابة فليس عليه شئ، وقبلة الاخ على الخد وقبلة الامام بين عينيه. 6 - وعنه، عن أحمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن أبي الصباح مولى آل سام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس القبلة على الفم إلا للزوجة [ أ ] والولد الصغير. (باب تذاكر الاخوان) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: شيعتنا الرحمآء بينهم (1)، الذين إذا خلوا ذكروا الله [ إن ذكرنا من ذكر الله ] إنا إذا ذكرنا ذكر الله وإذا ذكر عدونا ذكر الشيطان 2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تزاوروا فإن في
زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكرا لاحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض (2) فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم. 3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الوشاء، عن منصور بن يونس عن عباد بن كثير قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني مررت بقاص يقص (3) وهو يقول: هذا المجلس [ الذي ] لا يشقى به جليس، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هيهات هيهات، أخطأت (4) أستاههم الحفرة، إن لله ملائكة سياحين، سوى الكرام الكاتبين، فإذا مروا بقوم
(1) " الرحماء " جمع رحيم أي يرحم بعضهم بعضا. " الذين " خبر بعد خبر أو صفة للرحماء. (2) " تعطف بعضكم على بعض " لا شتمالها على حقوق المؤمنين بعضهم على بعض ولان الاهتمام برواية أحاديثنا يوجب رجوع بعضكم إلى بعض، (3) القاص راوي القصص والمراد هنا القصص الكاذبة الموضوعة (آت). (4) الخطا: ضد الصواب والخطأ (عند أبي عبيد) الذهاب إلى خلاف الصواب مع قصد الصواب (وعند غيره): الذهاب إلى غير الصواب مطلقا وغير عمد. والاستاه بفتح الهمزة والهاء أخيرا جمع الاست بالكسر وهى حلقة الدبر وأصل الاست: سته بالتحريك وقد يسكن التاء حذفت الهاء وعوضت عنها الهمزة والمراد بالحفرة الكنيف الذى يتغوط فيه وكأن هذا كان مثلا سائرا يضرب لمن استعمل كلاما في غير موضعه أو أخطأ خطاء فاحشا (آت).
[ 187 ]
يذكرون محمدا وآل محمد قالوا: قفوا فقد أصبتم حاجتكم، فيجلسون، فيتفقهون معهم فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن المستورد النخعي، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ; إن من الملائكة الذين في السماء ليطلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد قال: فتقول:
أما ترون إلى هؤلاء في قلتهم وكثرة عدوهم يصفون فضل آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: فتقول الطائفة الاخرى من الملائكة: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. 5 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: أتخلون وتتحدثون وتقولون ما شئتم؟ فقلت: إي والله إنا لنخلو ونتحدث ونقول ما شئنا، فقال: أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن، أما والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم، وإنكم على دين الله ودين ملائكته فأعينوا بورع واجتهاد. 6 - الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى، جميعا، عن علي بن محمد بن سعد (1)، عن محمد بن مسلم، عن أحمد بن زكريا، عن محمد بن خالد بن ميمون، عن عبد الله بن سنان، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا إلا حضر من الملائكة مثلهم، فإن دعوا بخير أمنوا وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاها وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين، فإن تكلموا تكلم الشيطان بنحو كلامهم وإذا ضحكوا ضحكوا معهم وإذا نالوا من أولياء الله (2) نالوا معهم فمن ابتلي من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه، فإن غضب الله عز وجل لا يقوم له شئ ولعنته لا يردها شئ، ثم قال (صلوات الله عليه):
(1) في بعض النسخ [ محمد بن اسماعيل ] وفى بعضها [ محمد بن سعيد ]. (2) أي سبوهم وقالوا فيهم ما لا يليق بهم (في).
[ 188 ]
فإن لم يستطع فلينكر بقلبه وليقم، ولو حلب شاة أو فواق ناقة (1). 7 - وبهذا الاسناد، عن محمد بن سليمان، عن محمد بن محفوظ، عن أبي المغرا قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ليس شئ أنكى (2) لابليس وجنوده من زيارة
الاخوان في الله بعضهم لبعض، قال: وإن المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدد (3) حتى أن روحه لتستغيث من شده ما يجد من الالم فتحس ملائكة السماء وخزان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب إلا لعنه، فيقع خاسئا (4) حسيرا مدحورا. (باب) * (ادخال السرور على المؤمنين) * 1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر - عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سر مؤمنا فقد سرني ومن سرني فقد سر الله. 2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن رجل من أهل الكوفة يكنى أبو محمد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة وصرف القذى (5) عنه حسنة، وما عبد الله بشئ أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان عن عبيد الله بن الوليد الوصافي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن فيما ناجى الله عز
(1) " حلب شاة " حلب مصدر منصوب بظرفية الزمان بتقدير زمان حلب وكذا الفواق و كأنه اقل من الحلب أي يقوم لاظهار حاجة وعذر ولو بأحد هذين المقدارين من الزمان قال في النهاية: فيه أنه قسم الغنائم يوم بدر عن فواق أي في قدر فواق ناقة وهو ما بين الحلبتين من الراحة وتضم فاؤه وتفتح وذلك لانها تحلب ثم تراح حتى تدر ثم تحلب (آت). (2) في القاموس نكى العدو وفيه نكاية: قتل وجرح. (3) خدد لحمه وتخدد هزل ونقص. (4) خسأت الكلب كمنعت: طردته. وحسر حسرا تعب وأعيا. والدحر: الطرد.
(5) القذى جمع قذاة وهو ما يقع في العين.
[ 189 ]
وجل به عبده موسى (عليه السلام) قال: إن لي عبادا ابيحهم جنتي واحكمهم فيها (1) قال: يا رب ومن هؤلاء الذين تبيحهم جنتك وتحكمهم فيها؟ قال: من أدخل على مؤمن سرورا، ثم قال: إن مؤمنا كان في مملكة جبار فولع (2) به فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك فأظله وأرفقه وأضافه فلما حضره الموت أوحى الله عزوجل إليه وعزتي وجلالي لو كان [ لك ] في جنتي مسكن لاسكنتك فيها ولكنها محرمة على من مات بي مشركا ولكن يا نار هيديه (3) ولا تؤذيه ويؤتى برزقه طرفي النهار، قلت: من الجنة؟ قال: من حيث شاء الله. 4 - عنه، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن إبراهيم، عن علي بن أبي علي، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهم) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أحب الاعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمنين. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: قال: أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام) أن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنتي، فقال داود: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة، قال داود: يا رب حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سرورا أنه عليه أدخله فقط بل والله علينا، بل والله على رسول الله (صلى الله عليه وآله). 7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن أحب الاعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمن،
(1) أحكمهم من التحكيم أي أجعلهم فيها حكاما. (2) ولع: استخف. (3) هيديه أي ازعجيه وافزعيه وحركيه واصلحيه.
[ 190 ]
شبعة مسلم (1) أو قضاء دينه. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل: إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم (2) أمامه، كلما رأى المؤمن هولا من أحوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن وابشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل، حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيحاسبه حسابا يسيرا ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه فيقول له المؤمن: يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك، فيقول من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عز وجل منه لابشرك. 9 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن السياري، عن محمد بن جمهور قال: كان النجاشي (3) وهو رجل من الدهاقين عاملا على الاهواز وفارس فقال بعض أهل عمله لابي عبد الله (عليه السلام): إن في ديوان النجاشي علي خراجا وهو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا قال: فكتب إليه أبو عبد الله (عليه السلام) " بسم الله الرحمن الرحيم سر أخاك يسرك الله " قال: فلما ورد الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه فلما خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبد الله (عليه السلام) فقبله ووضعه على عينيه وقال له: ما حاجتك؟ قال: خراج علي في ديوانك، فقال له: وكم هو؟ قال: عشرة آلاف درهم، فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه ثم أخرجه منها (4) وأمر أن يثبتها له لقابل ثم قال له: سررتك؟ فقال: نعم جعلت فداك ثم أمر له بمركب وجارية و
غلام وأمر له بتخت ثياب (5) في كل ذلك يقول له: هل سررتك؟ فيقول: نعم جعلت
(1) " شبعة " بفتح الشين إما بالنصب بنزع الخافض أي بشبعة أو بالرفع بتقدير هو شبعة أو بالجر بدلا أو عطف بيان للسرور والمراد بالمسلم هنا المؤمن وكان تبديل المؤمن به للاشعار بأنه يكفى ظاهر الايمان لذلك وذكرهما على المثال (آت). (2) " يقدم " أي يتقدم كما في قوله في قصة فرعون: " يقدم قومه يوم القيامة " و لفظة " امامه " تأكيده (في). (3) النجاشي بفتح النون وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها أفصح وهو أبو التاسع لاحمد بن على بن أحمد بن العباس صاحب الرجال: والدهقان معرب يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر وعلى من له مال وعقار وداله مكسور (لح). (4) أي أخرج اسمه من دفاتر الديوان. (5) التخت: وعاء يصان فيه الثياب.
[ 191 ]
فداك، فكلما قال: نعم زاده حتى فرغ (1) ثم قال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه وارفع إلي حوائجك قال: ففعل وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك فحدثه الرجل بالحديث على جهته فجعل يسر بما فعل، فقال الرجل: يا ابن رسول الله كأنه قد سرك ما فعل بي؟ فقال: إي والله لقد سر الله ورسوله. 10 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن فضال عن منصور، عن عمار بن أبي اليقظان، عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن حق المؤمن على المؤمن، قال: فقال: حق المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك، لو حدثتكم لكفرتم (2) إن المؤمن إذا خرج من قبره، خرج معه مثال من قبره، يقول له: أبشر بالكرامة من الله والسرور، فيقول له: بشرك الله بخير، قال: ثم يمضي معه يبشره بمثل ما قال وإذا مر بهول قال: ليس هذا لك وإذا مر بخير قال
هذا لك فلا يزال معه يؤمنه مما يخاف ويبشره بما يحب حتى يقف معه بين يدي الله عز وجل فإذا أمر به إلى الجنه قال له المثال: أبشر فان الله عز وجل قد امر بك إلى الجنة، قال، فيقول: من أنت رحمك الله تبشرني من حين خرجت من قبري وآنستني في طريقي وخبرتني عن ربي؟ قال: فيقول: أنا السرور الذي كنت تدخله على إخوانك في الدنيا خلقت منه لابشرك واونس وحشتك. محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال مثله. 11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحب الاعمال إلى الله سرور [ الذي ] تدخله على المؤمن، تطرد عنه (2) جوعته، أو تكشف عنه كربته. 12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أدخل على مؤمن سرورا خلق الله عز وجل من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان،
(1) فرغ أي النجاشي من العطاء. (2) الكفر هنا بمعنى الفسق. (3) الطرد: الابعاد.
[ 192 ]
ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره [ يلقاه ]، فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول يبشره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان. 13 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن عبد الله ابن سنان قال: كان رجل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقرأ هذه الآية " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا (1) " قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فما ثواب من أدخل عليه السرور؟ فقلت: جعلت فداك عشر حسنات
فقال: إي والله وألف ألف حسنة. 14 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن أورمة، عن علي بن يحيى، عن الوليد بن العلاء، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أدخله على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد وصل ذلك إلى الله وكذلك من أدخل عليه كربا. 15 - عنه، عن إسماعيل بن منصور، عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما مسلم لقي مسلما فسره سره الله عز وجل. 16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أحب الاعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمن: إشباع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء دينه. (باب) * (قضاء حاجة المؤمن) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن بكار بن كردم (2)، عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا مفضل اسمع ما أقول لك واعلم أنه الحق وافعله وأخبر به علية (3) إخوانك، قلت، جعلت فداك وما علية
(1) الاحزاب 58. بغير ما اكتسبوا أي بغير جناية استحقوا بها الايذاء. (2) كجعفر. (3) " علية إخوانك " بكسر المهملة وإسكان اللام أي شريفهم ورفيعهم جمع على كصبية و صبى (في).
[ 193 ]
إخواني؟ قال: الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثم قال: ومن قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله عز وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصابا (1) وكان المفضل
إذا سأل الحاجة أخا من إخوانه قال له: أما تشتهي أن تكون من علية الاخوان. 2 - عنه، عن محمد بن زياد قال: حدثني خالد بن يزيد، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق خلقا من خلقة انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن، ثم قال: لنا والله رب نعبده لا نشرك به شيئا (2). 3 - عنه، عن محمد بن زياد، عن الحكم بن أيمن، عن صدقة الاحدب (3)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان (4) ألف فرس في سبيل الله. علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن زياد، مثل الحديثين. 4 - علي، عن أبيه، عن محمد بن زياد، عن صندل، عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقضاء حاجة امرء مؤمن أحب إلى [ الله ] من عشرين حجة كل حجة ينفق فيها صاحبها مائة ألف. 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذاك؟ قال: إيما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسببها له، فإن قضى حاجته، كان قد قبل الرحمة بقبولها وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها فانما رد عن نفسه رحمة من الله عز وجل
(1) المراد بالنصاب في عرف أصحاب الائمة: المخالفون المتعصبون في مذهبهم فغير النصاب هم المستضعفون. (2) لعل المراد بيان انهم (عليهم السلام) لا يطلبون حوائجهم إلى أحد سوى الله سبحانه وانهم منزهون عن ذلك. أو تنبيه للمفضل وأمثاله لئلا يصيروا إلى الغلو. (3) الاحدب من خرج ظهره ودخل صدره وبطنه (في).
(4) الحملان بالضم ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة (في).
[ 194 ]
ساقها إليه وسببها له وذخر الله عز وجل تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه وإن شاء صرفها إلى غيره يا إسماعيل فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة من الله قد شرعت له فإلى من ترى يصرفها؟ قلت: لا أظن يصرفها عن نفسه، قال: لا تظن ولكن استيقن فإنه لن يردها عن نفسه، يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعا (1) ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذبا. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن أيمن، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من طاف بالبيت اسبوعا كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة - قال: وزاد فيه إسحاق بن عمار - وقضى له ستة آلاف حاجة، قال: ثم قال: و قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عد عشرا. 7 - الحسين بن محمد، عن أحمد [ بن محمد ] بن إسحاق، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله تبارك وتعالى: علي ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة. 8 - عنه، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع الله له ستة آلاف درجة حتى إذا كان عند الملتزم (2) فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة، قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف؟ قال: نعم واخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف حتى بلغ عشرا.
9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الخارقي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما
(1) الشجاع كغراب وكتاب: الحية والذكر منها أو ضرب منها صغير والجمع شجعان بالكسر والضم. (2) أي المستجار، مقابل باب الكعبة، سمى به لانه يستحب التزامه والصاق البطن به.
[ 195 ]
عند الله حتى تقضى له (1) كتب الله عز وجل له بذلك مثل أجر حجة وعمرة مبرورتين (2) وصوم شهرين من أشهر الحرم و اعتكافهما في المسجد الحرام، ومن مشى فيها بنية ولم تقض كتب الله له بذلك مثل حجة مبرورة، فارغبوا في الخير. 10 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن أورمة، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): تنافسوا في المعروف (3) لاخوانكم وكونوا من أهله، فإن للجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، فان العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكل الله عز وجل به ملكين: واحدا عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربه ويدعوان بقضاء حاجته، ثم قال: والله لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أسر بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة. 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله لان أحج حجة أحب إلي من أن اعتق رقبه ورقبة [ ورقبة ] ومثلها ومثلها حتى بلغ عشرا ومثلها ومثلها (4) حتى بلغ السبعين ولان أعول أهل بيت من المسلمين (5) أسد جوعتهم وأكسوا عورتهم فأكف وجوههم عن الناس أحب إلي من أن أحج حجة وحجة [ وحجة ] ومثلها ومثلها حتى بلغ عشرا ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين.
12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي علي صاحب الشعير، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام)
(1) " حتى تقضى " بالتاء على بناء المفعول أو بالياء على بناء الفاعل وفى بعض النسخ [ حتى يقضيها ]. (2) أي مقبولتين. (3) في النهاية التنافس من المنافسة وهى الرغبة في الشئ والانفراد به وهو من الشئ النفيس الجيد في نوعه. والمعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إلى الله والاحسان إلى الناس وحسن الصحبة مع الاهل وغيرهم من الناس. (4) الظاهر أن ضمير مثلها في الاولين راجع إلى الرقبة وفى الاخيرين إلى العشر، وقوله: " حتى بلغ " في الموضعين كلام الراوى أي قال مثلها سبع مرات في الموضعين فصار المجموع سبعين ويحتمل كونه كلام الامام (عليه السلام) ويكون " بلغ " بمعنى يبلغ (آت). (5) " لان أعول " قال الجوهرى: عال عياله يعولهم عولا وعيالة أي كفاهم وأنفق عليهم.
[ 196 ]
أن من عبادي من يتقرب إلي بالحسنة فاحكمه في الجنة، فقال موسى: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته قضيت أو لم تقض (1). 13 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي ابن جعفر قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا (2) وهو موصول بولاية الله وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلط الله عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذبا، فإن عذره الطالب (3) كان أسوء حالا. 14 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن
صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمن لترد عليه الحاجة لاخيه فلا تكون عنده فيهتم بها قلبه، فيدخله الله تبارك وتعالى بهمه الجنة. (باب) * (السعي في حاجة المؤمن) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: مشي الرجل في حاجة أخيه المؤمن يكتب (4) له عشر حسنات ويمحا عنه عشر سيئات، ويرفع له عشر درجات، قال: ولا أعلمه (5)
(1) " قضيت أو لم تقض " محمول على ما إذا لم يقصر في السعي كما مر مع ان الاشتراك في دخول الجنة والتحكيم فيها لا ينافى التفاوت بحسب الدرجات. وفي بعض النسخ [ ام لم تقض ]. (2) الضمير المنصوب في وصله راجع إلى مصدر قبل (آت). (3) " فان عذره الطالب " في المصباح عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب: رفعت عنه اللوم فهو معذور أي غير ملوم وأعذرته بالالف لغة. وقوله: " كان أسوء حالا " انما كان المعذور أسوء حالا لان العاذر لحسن خلقه وكرمه أحق بقضاء الحاجة ممن لا يعذر، فرد قضاء حاجته اشنع و الندم عليه أعضم والحسرة عليه أدوم ووجه آخر وهو أنه إذا عذره لا يشكو ولا يغتابه فبقى حقه عليه سالما إلى يوم الحساب. (4) على بناء المفعول والعائد محذوف أو على بناء الفاعل والاسناد على المجاز (آت) (5) " ولا أعلمه " أي ولا أظنه (آت).
[ 197 ]
إلا قال: ويعدل عشر رقاب وأفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام. 2 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول إن لله عبادا في الارض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، و
من أدخل على مؤمن سرورا فرح (1) الله قلبه يوم القيامة. 3 - عنه، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن رجل، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): من مشى في حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك (2) ولم يرفع قدما إلا كتب الله له حسنة وحط عنه بها سيئة ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عز وجل له بها أجر حاج ومعتمر. 4 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن هارون بن خارجة، عن صدقة عن رجل من أهل حلوان (3)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لان أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحب إلي من أن اعتق ألف نسمة وأحمل في سبيل الله على ألف فرس (4) مسرجة ملجمة. 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من مؤمن يمشي لاخيه المؤمن (5) في حاجة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة حسنة، وحط عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة وزيد بعد ذلك عشر حسنات وشفع في عشر حاجات. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم، طلب وجه الله كتب الله عز وجل له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لاقاربه وجيرانه وإخوانه
(1) في بعض النسخ [ فرج ]. (2) أي طائرين فوق رأسه حتى يظلوه لو كان لهم ظل، أو يجعلهم في ظلتهم أي في كنفهم وحمايتهم (3) في المصباح الحلوان بالضم بلد مشهور من سواد العراق وهي آخر مدن العراق وبينها وبين بغداد نحو من خمس مراحل وهي من طرف العراق من الشرق والقادسية من طرفه من الغرب وقيل سميت باسم بانيها وهو حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاع (4) أي أركب ألف إنسان على الف فرس كل منها شد عليه السرج والبس اللجام وابعثها في الجهاد و " مسرجة ملجمة " اسما مفعول من بناء الافعال (آت) (5) في بعض النسخ [ المسلم ].
[ 198 ]
ومعارفه ومن صنع إليه معروفا في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قيل له: ادخل النار فمن وجدته فيها صنع إليك معروفا في الدنيا فأخرجه بإذن الله عز وجل إلا أن يكون ناصبا. 7 - عنه، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجرى الله على يديه قضاءها كتب الله عز وجل له حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما وإن اجتهد فيها ولم يجر الله قضاءها على يديه كتب الله عز وجل له حجة وعمرة. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كفى بالمرء اعتمادا على أخيه أن ينزل به حاجته. 9 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن صفوان الجمال قال: كنت جالسا مع أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له: ميمون فشكا إليه تعذر الكراء عليه (1) فقال لي: قم فأعن أخاك، فقمت معه فيسر الله كراه، فرجعت إلى مجلسي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما صنعت في حاجة أخيك؟ فقلت: قضاها الله - بأبي أنت وامي - فقال: أما إنك أن تعين (2) أخاك المسلم أحب إلي من طواف اسبوع بالبيت مبتدئا (3) ثم قال: إن رجلا أتى الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: بأبي أنت وامي أعني على قضاء حاجة، فانتعل وقام معه فمر على الحسين (صلوات الله عليه) وهو قائم يصلي فقال له: أين كنت عن أبي عبد الله (4) تستعينه على حاجتك، قال: قد فعلت - بأبي أنت وامي - فذكر أنه معتكف، فقال له: أما إنه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا (5).
(1) الكرا بالكسر والمد: أجر المستأجر عليه وهو في الاصل مصدر كاريته والمراد بتعذر الكرا إما تعذر الدابة التى يكتريها أو تعذر من يكترى دوابه بناء على كونه مكاريا أو عدم تيسير
أجرة المكارى له وكل ذلك مناسب لحال صفوان الراوي (آت) (2) " أما " بالتخفيف و " أن " مصدرية. (3) قوله: " مبتدئا " إما حال عن فاعل " قال " أي قال (عليه السلام) ذلك مبتدئا قبل أن أسأله عن أجر من قضى حاجة أخيه، أو عن فاعل الطواف، أو هو على بناء اسم المفعول حالا عن الطواف وعلى التقديرين الاخيرين لاخراح طواف الفريضة. وقيل حال عن فاعل تعين أي تعين مبتدئا [ قبل أن يسألك الاعانة ] (آت). (4) أي اين كنت عنه في سؤاله أعانتك على قضاء حاجتك. (5) أي لو كان غير معتكف واستعان على حاجتك كان ذلك خيرا له من اعتكافه شهرا وأما بعد إعتكافه فلم يجز له الخروج.
[ 199 ]
10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن أبي جميلة، عن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال الله عز وجل: الخلق عيالي، فأحبهم إلي ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم. 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابه عن أبي عمارة (1) قال: كان حماد بن أبي حنيفة إذا لقيني قال: كرر علي حديثك، فاحدثه، قلت: روينا أن عابد بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشاء في حوائج الناس عانيا بما يصلحهم. (باب) * (تفريج كرب المؤمن) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان (2) عند جهده فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته كتب الله عز وجل له بذلك ثنتين و سبعين رحمة من الله يعجل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لافزاع يوم القيامة وأهواله.
2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أعان مؤمنا نفس الله عز وجل عنه ثلاثا وسبعين كربة، واحدة في الدنيا وثنتين وسبعين كربة عند كربه العظمى، قال: حيث يتشاغل الناس بأنفسهم. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم، عن مسمع أبي سيار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من نفس عن مؤمن كربة نفس
(1) أبو عمارة كنية لجماعة أكثرهم من أصحاب الباقر (عليه السلام) وكلهم مجاهيل وحماد بن أبي حنيفة أيضا مجهول والظاهر أنه كان يسأل تكرار هذا الحديث بعينه لالتذاذه بسماعة وليؤثر فيه فيحثه على العمل به (آت). (2) اللهفان صفة مشبهة كاللهثان وفى النهاية فيه اتقوا دعوة اللهفان وهو المكروب. يقال: لهف يلهف لهفا فهو لهفان ولهف فهو ملهوف. وفى القاموس اللهثان: العطشان وقد لهث كسمع وكغراب: حر العطش وشدة الموت ولهث كمنع لهثا ولهاثا بالضم أخرج لسانه عطشا أو تعبا أو اعياء. انتهى (آت).
[ 200 ]
الله عنه كرب الآخرة وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد (1) ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم (2). 4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام) قال: من فرج عن مؤمن فرج الله عن قلبه يوم القيامة. 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح عن ذريح المحاربي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام): يقول أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة وهو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، قال: ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة، قال: والله في عون
المؤمن ماكان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير (3). (باب اطعام المؤمن) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أشبع مؤمنا وجبت له الجنة ومن أشبع كافرا كان حقا على الله أن يملا جوفه من الزقوم، مؤمنا كان أو كافرا (4). 2 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لان اطعم رجلا من المسلمين أحب إلي من أن اطعم افقا من الناس (5)، قلت: وما الافق؟ قال: مائة ألف أو يزيدون. 3 - عنه، عن أحمد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان
(1) أي فرح القلب مطمئنا واثقا برحمة الله (آت). (2) " الرحيق المختوم " الرحيق من أسماء الخمر يريد خمر الجنة والمختوم: المصون الذى لم يبتذل لاجل ختامه. (3) في بعض النسخ [ بالخير ]. (4) أي من أشبع كافرا لكفره. (5) لعله مجاز من باب إطلاق اسم المحل على الحال لان معنى الافق: الناحية كما في الصحاح.
[ 201 ]
في ملكوت السماوات الفردوس وجنة عدن وطوبى [ و ] شجرة تخرج من جنة عدن، غرسها ربنا بيده (1). 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من رجل يدخل بيته مؤمنين فيطعمهما شبعهما (2) إلا كان ذلك أفضل من عتق نسمة. 5 - عنه، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنا
من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم. 6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الاجر في الآخرة، لاملك مقرب ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين، ثم قال: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان (3) ثم تلا قول الله عز وجل: " أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة (4) ". 7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (عليه السلام): من سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه الله بكل شربة سبعين ألف حسنة وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل. 8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن حسين بن نعيم الصحاف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أتحب إخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال: تنفع فقراءهم؟ قلت: نعم، قال: أما إنه يحق عليك (5) أن تحب من يحب
(1) عد طوبى من الجنان لان فيه من أنواع الثمار وقوله: " وشجرة " عطف على ثلاث يعني أطعمه الله من ثلاث جنان ومن شجرة في جنة عدن، غرسها الله بيده (في). (2) في القاموس الشبع بالفتح وكعنب: سد الجوع وبالكسر وكعنب اسم ما اشبعك (آت). (3) السغبان: الجائع. (4) البلد 14 - 16. والمقربة من القرابة والمتربة من التراب (في). (5) أي يجب ويلزم.
[ 202 ]
الله (1)، أما والله لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه (2)، أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت: نعم ما آكل إلا ومعي منهم الرجلان والثلاثة والاقل والاكثر، فقال أبو عبد الله.
أما إن فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك اطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم علي أعظم؟! قال: نعم إنهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك (3) وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك. 9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي محمد الوابشي قال: ذكر أصحابنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: ما أتغدى ولا أتعشى (4) إلا ومعي منهم الاثنان والثلاثة وأقل وأكثر، فقال أبو عبد الله (عليه السلام: فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك كيف وأنا اطعمهم طعامي وانفق عليهم من مالي واخدمهم عيالي فقال: إنهم إذا دخلوا عليك دخلوا برزق من الله عز وجل كثيرا وإذا خرجوا خرجوا بالمغفرة لك. 10 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن مقرن، عن عبيد الله الوصافي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لان اطعم رجلا مسلما أحب إلي من أن اعتق افقا (5) من الناس قلت: وكم الافق؟ فقال: عشرة آلاف. 11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من أطعم أخاه في الله كان له من الاجر مثل من أطعم فئاما من الناس (6)، قلت: وما الفئام [ من الناس ]؟ قال: مائة ألف من الناس. 12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن سدير الصيرفي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ما منعك أن تعتق كل يوم نسمة؟ قلت:
(1) برفع الجلالة أي يحبه الله ويحتمل النصب والاول أظهر (آت) (2) كأن غرضه (عليه السلام) أن دعوى المحبة بدون النفع كذب وان كنت صادقا في دعوى المحبة لابد أن تنفعهم (آت) (3) الباء للمصاحبة أو للتعدية وفى سائر الاخبار " برزقك ورزق عيالك " ولا يبعد أن يكون سهوا من الرواة ليكون ما بعده تأسيسا (آت).
(4) التغدى: الاكل بالغداء أي أول اليوم، والتعشى، الاكل بالعشى أي آخر اليوم وأول الليل (آت). (5) مر معنى الافق في توضيح الحديث الثاني من الباب. (6) الفئام بالفاء مهموزا: الجماعة من الناس (في).
[ 203 ]
لا يحتمل مالي ذلك، قال: تطعم كل يوم مسلما، فقلت: موسرا أو معسرا؟ قال: فقال: إن الموسر قد يشتهي الطعام. 13 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اكلة (1) يأكلها أخي المسلم عندي أحب إلي من أن اعتق رقبة. 14 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لان اشبع رجلا من إخواني أحب إلي من أن أدخل سوقكم هذا فأبتاع منها رأسا فاعتقه. 15 - عنه، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لان آخذ خمسة دراهم [ و ] أدخل إلى سوقكم هذا فأبتاع بها الطعام وأجمع نفرا من المسلمين أحب إلي من أن اعتق نسمة. 16 - عنه، عن الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل محمد بن علي (صلوات الله عليهما) ما يعدل عتق رقبة؟ قال: إطعام رجل مسلم. 17 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أرى شيئا يعدل زيارة المؤمن إلا إطعامه وحق على الله أن يطعم من أطعم مؤمنا من طعام الجنة. 18 - محمد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن
رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لان اطعم مؤمنا محتاجا أحب إلي من أن أزوره ولان أزوره أحب إلي من أن اعتق عشر رقاب. 19 - صالح بن عقبة. عن عبد الله بن محمد ويزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أطعم مؤمنا موسرا كان له يعدل رقبة من ولد إسماعيل ينقذه من الذبح، ومن أطعم مؤمنا محتاجا كان له يعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل ينقذها من الذبح.
(1) الاكلة بالضم: اللقمة ويمكن أن تكون بالفتح وهى المرة من الاكل فعلى الاول الضمير في يأكلها مفعول به وعلى الثاني مفعول مطلق.
[ 204 ]
20 - صالح بن عقبة، عن نصر بن قابوس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لإطعام مؤمن أحب إلي من عتق عشر رقاب وعشر حجج (1)، قال: قلت: عشر رقاب وعشر حجج؟ قال: فقال: يا نصر إن لم تطعموه مات أو تدلونه (2) فيجئ إلى ناصب فيسأله والموت خير له من مسألة ناصب، يا نصر من أحيى مؤمنا فكأنما أحيى الناس جميعا فإن لم تطعموه فقد أمتموه وإن أطعمتموه فقد أحييتموه. (باب من كسا مؤمنا) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب الجنة وأن يهون عليه سكرات الموت وأن يوسع عليه في قبره وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى وهو قول الله عز وجل في كتابه: " وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (3) ". 2 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كسا أحدا من
(1) " عشر حجج " عطف على العتق " عشر رقاب " أي عتق رقاب، قاله تعجبا فأزال (عليه
السلام) تعجبه بأن قال إن لم تطعموه فأما أن يموت جوعا إن لم يسأل النواصب أو يصير ذليلا بسؤال ناصب وهو عنده بمنزلة الموت بل أشد عليه منه فأطعامه سبب لحياته الصورية والمعنوية وقد قال تعالى: " من أحيى نفسا فكأنما أحيى الناس جميعا " والمراد بالنفس المؤمنة وبالاحياء أعم من المعنوية لما ورد في الاخبار الكثيرة أن تأويلها الاعظم هدايتها لكن كان الظاهر حينئذ " أو تدلوه " للعطف على الجزاء ولذا قرء بعضهم بفتح الواو على الاستفهام الانكارى و " تدلونه " بالدال المهملة واللام المشددة من الدلالة والحاصل أنه لما قال (عليه السلام) الموت لازم لعدم الاطعام كان هنا مظنة سؤال وهو أنه يمكن أن يسأل الناصب ولا يموت فأجاب (عليه السلام) بأنه أن أردتم أن تدلوه على أن يسأل ناصبا فهو لا يسأله لان الموت خير له من مسألته فلابد من أن يموت، فأطعامه أحياؤه وقرء آخر " تدلونه " بالتخفيف من الادلاء بمعنى الارسال وما ذكرناه أولا أظهر معنى وقوله: " فقد أمتموه " يحتمل الاماتة بالاضلال أو بالاذلال وكذا الاحياء يحتمل الوجهين (آت). (2) في بعض النسخ [ تذلونه فيأتي ] بالمعجمة. (3) الانبياء: 103.
[ 205 ]
فقراء المسلمين ثوبا من عري (1) أو أعانه بشئ مما يقوته (2) من معيشته وكل الله عز وجل به سبعة آلاف ملك من الملائكة، يستغفرون لكل ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن صفوان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عري أو أعانه بشئ مما يقوته من معيشته وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك من الملائكة يستغفرون لكل ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن
أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) [ قال: ] من كسا مؤمنا كساه الله من الثياب الخضر. وقال في حديث آخر: لا يزال في ضمان الله مادام عليه سلك (3). 5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقول: من كسا مؤمنا ثوبا من عري كساه الله من إستبرق الجنة ومن كسا مؤمنا ثوبا من غنى لم يزل في ستر من الله ما بقي من الثوب خرقة. (باب) * (في الطاف المؤمن واكرامه) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين ابن هاشم، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أخذ من وجه (4) أخيه
(1) بضم العين وسكون الراء خلاف اللبس والفعل كرضى. (2) في أكثر النسخ بالتاء وهو المسكة من الرزق. والضمير المنصوب في يقوته راجع إلى الفقير والضمير في قوله: " من معيشته " الظاهر رجوعه إلى المعطى ويحتمل رجوعه إلى الفقير أيضا وأما إرجاع الضميرين معا إلى المعطى فيحتاج إلى تكلف في يقوته وفى بعض النسخ [ يقويه ] بالياء من التقوية فالاحتمال الاخير لا تكلف فيه والكل محتمل (آت). (3) السلك بالكسر: الخيط يخاط بها والجمع سلوك. (4) في بعض النسخ [ في وجه ].
[ 206 ]
المؤمن قذاة (1) كتب الله عز وجل له عشر حسنات، ومن تبسم في وجه أخيه كانت له حسنة. 2 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال لاخيه المؤمن: مرحبا كتب الله تعالى له مرحبا إلى يوم القيامة.
3 - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنما أكرم الله عز وجل 4 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن نصر بن إسحاق، عن الحارث ابن النعمان، عن الهيثم بن حماد، عن أبي داود، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما في امتي عبد ألطف أخاه في الله بشئ من لطف إلا أخدمه الله من خدم الجنة. 5 - وعنه، عن أحمد بن محمد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك. 6 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن مما خص الله عز وجل به المؤمن أن يعرفه بر إخوانه وإن قل، وليس البر بالكثرة وذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (ثم قال:) ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون (2) " ومن عرفه الله عز وجل بذلك أحبه الله ومن أحبه الله تبارك وتعالى وفاه أجره يوم القيامة بغير حساب، ثم قال: يا جميل ارو هذا الحديث لاخوانك، فانه ترغيب في البر.
(1) القذى جمع قذاة وهو ما يقع في العين أو في الشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك. (2) الممتحنة: 10 أي يوق شح نفسه بوقاية الله وتوفيقه ويحفظها عن البخل والحرص.
[ 207 ]
7 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليتحف أخاه التحفة، قلت:
وأي شئ التحفة؟ قال: من مجلس ومتكأ وطعام وكسوة وسلام، فتطاول الجنة (1) مكافأة له ويوحي الله عز وجل إليها: أني قد حرمت طعامك على أهل الدنيا إلا على نبي أو وصي نبي، فإذا كان يوم القيامة أوحى الله عز وجل إليها: أن كافئي أوليائي بتحفهم فيخرج منها وصفاء ووصائف (2) معهم أطباق مغطاة بمناديل من لؤلؤ، فإذا نظروا إلى جهنم وهولها وإلى الجنة وما فيها طارت عقولهم وامتنعوا أن يأكلوا فينادي مناد من تحت العرش أن الله عز وجل قد حرم جهنم على من أكل من طعام جنته فيمد القوم أيديهم فيأكلون. 8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة. 9 - الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى، جميعا، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد ابن أسلم، عن محمد بن علي بن عدي قال: أملا علي محمد بن سليمان، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت، فما أحسن مؤمن إلى مؤمن ولا أعانه إلا خمش وجه إبليس (3) وقرح قلبه. (باب في خدمته) 1 - محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إسماعيل بن أبان، عن صالح بن أبي الاسود، رفعه، عن أبي المعتمر قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما مسلم خدم قوما من المسلمين إلا أعطاه الله مثل عددهم خداما في الجنة.
(1) أي تمتد وترتفع لارادة مكافاته واطعامه في الدنيا (آت). (2) في المصباح، الوصيف الغلام دون المراهق والوصيفة الجارية كذلك والجمع وصفاء و وصائف مثل كريم وكرماء وكرائم. (3) أي خدشه ولطمه وضربه وقطع عضوا منه، وقرح بالقاف من باب التفعيل كناية عن شدة
الغم واستمراره (آت) وقال الفيض (ره) القرح بضم القاف والمهملتين: الالم وقرح قلبه أي ألمه. (4) أي ما فعل ذلك ألا أعطاه الله أو لفظة " إلا " زائدة.
[ 208 ]
(باب نصيحة المؤمن) 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان عن عيسى بن أبي منصور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه (1). 2 - عنه، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب (2). 3 - ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة. 4 - ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه (3). 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه (4) بالنصيحة لخلقه. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه.
(1) المراد بنصيحة المؤمن للمؤمن إرشاده إلى مصالح دينه ودنياه وتعليمه إذا كان جاهلا وتنبيهه إذا كان غافلا والذب عنه وعن أعراضه إذا كان ضعيفا وتوقيره في صغره وكبره وترك حسده وغشه ودفع الضرر عنه وجلب النفع إليه ولو لم يقبل نصيحته سلك طريق الرفق حتى يقبلها ولو
كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الامر بالمعروف والنهى عن المنكر على وجه المشروع (آت) (2) " في المشهد والمغيب " أي في وقت حضوره بنحو ما مر وفى غيبته بالكتابة أو الرسالة وحفظ عرضه والدفع عن غيبته وبالجملة رعاية جميع المصالح له ودفع المفاسد عنه على أي وجه كان (آت). (3) هذا جامع لجميع أفراد النصيحة. (4) إما من المشى حقيقة أو كناية عن شدة الاهتمام والباء في قوله: " بالنصيحة " للملابسة أو السببية وفى بعض النسخ [ بخلقه ].
[ 209 ]
(باب) * (الاصلاح بين الناس) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان عن حماد بن أبي طلحة عن حبيب الاحول قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا. عنه، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله. 2 - عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لان اصلح بين اثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين. 3 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن مفضل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي (1). 4 - ابن سنان، عن أبي حنيفة سابق الحاج (2) قال: مر بنا المفضل وأنا وختني (3) نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثم قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتى إذأ أستوثق كل واحد منا من صاحبه، قال: أما إنها ليست من مالي ولكن أبو عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع
رجلان من أصحابنا في شئ أن اصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله (عليه السلام). 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن معاوية بن عمار،
(1) " فافتدها " كان الافتداء هنا مجاز فان المال يدفع المنازعة كما أن الدية تدفع الدم أو كما أن الاسير يفتدى بالفداء كذلك كل منهما يفتدى من الاخر بالمال فالاسناد إلى النار على المجاز (آت) (2) أبو حنيفة اسمه سعيد بن بيان و " سابق " صححه في الايضاح وغيره بالباء الموحدة وفى أكثر النسخ بالياء من السوق وعلى التقريرين إنما لقب بذلك لانه كان يتأخر عن الحاج ثم يعجل بجمعية الحاج من الكوفة ويوصلهم إلى عرفة في تسعة ايام أو في اربعة عشر يوما وورد لذلك ذمه في الاخبار ولكن وثقه النجاشي وروى في الفقيه عن أيوب بن أعين قال: سمعت الوليد بن صبيح يقول لابي عبد الله (عليه السلام): إن أبا حنيفة رأى هلال ذى الحجة بالقادسية و شهد معنا عرفة، فقال: مالهذا صلاة مالهذا صلاة (آت) (3) الختن: زوج بنت الرجل وزوج أخته أو كل من كان من قبل المرأة. والتشاجر: التنازع.
[ 210 ]
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المصلح ليس بكاذب (1). 6 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل " ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس (2) " قال: إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل علي يمين ألا أفعل. 7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن معاوية ابن وهب أو معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: أبلغ عني كذا وكذا - في أشياء أمر بها - قلت: فأبلغهم عنك وأقول عني ما قلت لي وغير الذي قلت؟
قال: نعم إن المصلح ليس بكذاب [ إنما هو الصلح ليس بكذب ] (3). (باب) * (في احياء المؤمن) * 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله عز وجل: " من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا (4) "؟ قال: من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها. 2 - عنه، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن فضيل بن يسار قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): قول الله عز وجل في كتابه: " ومن أحياها فكأنما أحيا
(1) يعنى إذا تكلم بما لا يطابق الواقع فيما يتوقف عليه الاصلاح لم يعد كلامه كذبا (في). (2) البقرة: 224 وقوله: " عرضه.. الخ " أي حاجزا لما حلفتم عليه. (3) ذهب بعض الاصحاب إلى وجوب التورية في هذه المقامات ليخرج عن الكذب (آت). (4) الاية في المائدة - 32 هكذا " من اجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس.. الخ " فما في الخبر على النقل بالمعنى والاكتفاء ببعض الاية لظهورها وتطبيق التأويل المذكور في الخبر على قوله تعالى: " بغير نفس أو فساد في الارض " يمكن ان يكون دلالة الاية على المذكور في الاية دلالة مطابقية وعلى التأويل المذكور في الخبر دلالة التزامية ولذا قال (عليه السلام) من اخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما احياها ولم يصرح بان هذا هو المراد بالاية
[ 211 ]
الناس جميعا "؟ قال: من حرق أو غرق، قلت: فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال: ذاك تأويلها الاعظم. محمد بن يحيى، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبان مثله.
3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أبي خالد القماط، عن حمران قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أسألك؟ - أصلحك الله - فقال: نعم، فقلت: كنت على حال وأنا اليوم على حال اخرى كنت أدخل الارض فأدعو الرجل والاثنين والمرأة فينقذ الله من شاء (1) وأنا اليوم لا أدعو أحدا؟ فقال: وما عليك أن تخلي بين الناس وبين ربهم (2) فمن أراد الله أن يخرجه من ظلمة إلى نور أخرجه، ثم قال: ولا عليك إن آنست من أحد خيرا أن تنبذ إليه الشئ نبذا (3) قلت: أخبرني عن قول الله عز وجل: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال: من حرق أو غرق، ثم سكت، ثم قال: تأويلها الأعظم أن: دعاها فاستجابت له. (باب) * (في الدعاء للاهل إلى الايمان) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن سليمان بن خالد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن لي أهل بيت وهم يسمعون مني أفأدعوهم إلى هذا الامر؟ فقال: نعم إن الله عز وجل يقول في كتابه " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة (4) ".
(1) في بعض النسخ [ من يشاء ]. (2) أي لا باس عليك أو على الاستفهام أي أي ضرر عليك في ان تخلى بينهم وبين ربهم، (3) النبذ. طرحك الشئ. امامك أو وراءك. (4) التحريم: 6.
[ 212 ]
(باب) * (في ترك دعاء الناس) * (1)
1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن كليب بن معاوية الصيداوي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إياكم والناس (1)، إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة فتركه وهو يجول لذلك ويطلبه، ثم قال: لو أنكم إذا كلمتم الناس قلتم: ذهبنا حيث ذهب الله (2) واخترنا من اختار الله، واختار الله محمدا واخترنا آل محمد (صلى الله عليه وعليهم) (3).
(1) أي احذروا دعوتهم في زمن شدة التقية وعلل ذلك بأن من كان قابلا للهداية واراد الله ذلك نكت في قلبه نكتة من نور، وهو كناية عن انه يلقى في قلبه ما يصير به طالبا للحق متهيئا لقبوله (آت) (2) أي امر الله بالذهاب إليه " اخترنا من اختار الله " أي اخترنا الامامة من اهل بيت اختارهم الله فان النبي (صلى الله عليه وآله) مختار الله والعاقل يحكم بان اهل بيت المختار إذا كانوا قابلين للامامة اولى من غيرهم وهذا دليل اقناعي تقبله طباع اكثر الخلق (آت) اقول بل المراد: ذهبنا إلى بيت ذهب الله إليه وهو بيت عبد المطلب واخترنا من ذلك البيت من اختاره الله وهو محمد فلما مضى محمد (صلى الله عليه وآله) لم نرجع ولم نخرج من ذلك البيت بل أقمنا في ذلك البيت المختار منه محمد (صلى الله عليه وآله) واخترنا بعده آله الاقربين على غيرهم. (3) ظاهر هذه الاخبار كما يفسره الخبر الرابع: وكما يدل عليه العلة المذكورة فيها اعني النكتة القلبية: ان المعرفة من صنع الله وان الانسان لا صنع له فيها أي ان المعرفة غير اختيارية بل مستندة إلى اسباب الهية غير اختيارية للانسان فلا في اختيار الداعي ان يصنع المعرفة في قلب المدعو المنكر: ولا في اختيار المدعو ان يعتقد بالحق من غير وجود الاسباب الالهية. ومحصل ما يظهر من هذه الاخبار وغيرها مما ينافيها بظاهرها: ان الله سبحانه خلق الانسان على دين الفطرة أي انه لو خلى وطبعه اذعن بالحق واعترف به ثم انه لو وقع في مجرى معتدل في الحياة رسخت في نفسه صفات وملكات حسنة كالعدل والانصاف ونحوهما وتمايل إلى الحق اينما وجده وكان على اهل العلم والايمان ان يدعوا مثل هذا الانسان حتى يتشرف بمعرفة تفاصيل
الحق كما اعترف في نفسه باجماله وهذا هو المراد بالايات والاخبار الدالة على وجوب الدعوة والتبليغ وان وقع في مجرى الهوى والشهوات ومباغضة الحق رسخت في نفسه ملكة العصبية الجاهلية والعناد والطغيان، وهو المراد بالنكتة السوداء وزالت عنه صفة الانصاف والميل إلى الحق، و امتنع تأثير الكلام الحق فيه، ولا يزيد المخاصمة والاصرار الا بعدا وعنادا. قوله (عليه السلام). " لو انكم إذا.. الخ " " لو " حرف تمن والمراد ليتكم إذا كلمتم الناس لم تقولوا: يجب عليكم كذا عقلا ويستحيل كذا عقلا حتى يصروا في الخصام ويشتد بذلك اصرارهم على الباطل، بل قلتم: أن ديننا دين الله ومذهبنا مذهب من اختاره الله فلعل ذلك يوقظ روح الانصاف والاذعان منهم (الطباطبائى).
[ 213 ]
2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن ثابت أبي سعيد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا ثابت مالكم وللناس، كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم، فوالله لو أن أهل السماء وأهل الارض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا، كفوا عن الناس ولا يقول أحدكم: أخي وابن عمي وجاري، فإن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه، فلا يسمع بمعروف إلا عرفه ولا بمنكر إلا أنكره، ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره (1). 3 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن مروان، عن الفضيل قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ندعوا الناس إلى هذا الامر؟ فقال: يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه حتى أدخله في هذا الامر طائعا أو كارها (2). 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس،
فإنه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء ولا تخاصموا بدينكم الناس فإن المخاصمة ممرضة للقلب (3) إن الله عز وجل قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء (4) " وقال: " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (5) " ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ولا سواء، وإنني سمعت أبي يقول: إذا كتب الله على عبد أن
(1) مر الحديث في المجلد الاول اواخر كتاب التوحيد ص 165 ولسيدنا العلامة الطباطبائى - مد ظله - بيان في ذيله وكذا الحديث الاتى، من اراد الاطلاع فليراجع هناك. (2) في بعض النسخ [ أو مكرها ]. (3) أي لا تجادلوا مجادلة يكون غرضكم فيها المغالبة والمعاندة بالقاء الشبهات الفاسدة لا ظهور الحق فان المخاصمة على هذا الوجه يمرض القلب بالشك والشبهة والاغراض الباطلة وان كان غرضكم اجبارهم على الهداية فانها ليست بيدكم كما قال الله تعالى: " انك لا تهدى... " الايات (4) القصص: 56. (5) يونس: 99.
[ 214 ]
يدخله في هذا الامر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (1). 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن ابن اذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق قوما للحق (2) فإذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وإذا مر بهم الباب من الباطل أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وخلق قوما لغير ذلك فإذا مر بهم الباب من الحق أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وإذا مر بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها سمعه وقلبه حتى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء، فأظلم لها سمعه وقلبه، ثم تلا هذه الآية " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء (3) ". 7 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله. (باب) * (أن الله انما يعطى الدين من يحبه) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران، عن عمر بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا الصخر إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض، ولا يعطي هذا الامر إلا صفوته من خلقه، أنتم والله
(1) وكر الطائر: عشه وان لم يكن فيه. (2) كان اللام للعاقبة أي عالما بانهم يختارون الحق أو يختارون خلافه وان كانوا لا يعرفونه (آت) (3) الانعام: 125.
[ 215 ]
على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل، لا أعني علي بن الحسين ولا محمد بن علي و إن كان هؤلاء على دين هؤلاء (1). 2 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عاصم ابن حميد، عن مالك بن أعين الجهني قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي دينه إلا من يحب.
3 - عنه، عن معلى، عن الوشاء، عن عبد الكريم بن عمر والخثعمي، عن عمر ابن حنظلة، وعن حمزة بن حمران، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر ولا يعطي الايمان إلا صفوته من خلقه. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن أبي سليمان عن ميسر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الدنيا يعطيها الله عز وجل من أحب ومن أبغض وإن الايمان لا يعطيه إلا من أحبه. (باب سلامة الدين) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن أيوب بن الحر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فوقاه الله سيئات ما مكروا (2) ".
(1) الحب انجذاب خاص من المحب نحو المحبوب ليجده، ففيه شوب من معنى الانفعال، وهو بهذا المعنى وان امتنع ان يتصف به الله سبحانه لكنه تعالى يتصف به من حيث الاثر كسائر الصفات من الرحمة والغضب وغيرهما، فهو تعالى يحب خلقه من حيث انه يريد ان يجده وينعم عليه بالوجود وبالرزق ونحوهما وهو تعالى يحب عبده المؤمن من حيث انه يريد ان يجده ولا يفوته فينعم عليه بنعمة السعادة والعاقبة الحسنى. فالمراد بالمحبة في هذه الروايات المحبة الخاصة قوله " لا اعني على بن الحسين... الخ " أي ان المراد بآبائى آبائى الاقربون والابعدون جميعا لا خصوص آبائى الادنون، وهو كناية عن ان الدين الحق واحد، ودين ابراهيم ومذهب اهل البيت دين واحد لا أن هذا المذهب شعبة من شعب دين الحق (الطباطبائى) (2) المؤمن 40 والضمير في " وقاه " راجع إلى مؤمن آل فرعون حيث توكل على الله وفوض امره إلى الله تعالى حين اراد فرعون قتله بعد ان اظهر ايمانه بموسى (عليه السلام) ووعظهم ودعاهم إلى الايمان (آت)
[ 216 ]
فقال: أما لقد بسطوا عليه (1) وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه. 2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن أبي جميلة قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لاصحابه: اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة، فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازله فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، واعلموا أن الهالك من هلك دينه والحريب من حرب دينه (2)، ألا وإنه لا فقر بعد الجنة، الا وإنه لا غنى بعد النار، لا يفك أسيرها ولا يبرء ضريرها (3). 3 - علي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن فضيل ابن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: سلامة الدين وصحة البدن خير من المال و المال زينة من زينة الدنيا حسنة. محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن يونس ابن يعقوب، عن بعض أصحابه قال: كان رجل يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) من أصحابه فغبر زمانا (4) لا يحج فدخل عليه بعض معارفه، فقال له: فلان ما فعل (5)؟ قال: فجعل يضجع الكلام (6) يظن أنه إنما يعني الميسرة والدنيا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) كيف دينه؟ فقال: كما تحب، فقال: هو والله الغنى.
(1) أي سلطوا عليه والملائكة باسطوا ايديهم أي مسلطون عليهم. وفى بعض النسخ [ قسطوا ]. (2) في المصباح حرب حربا من باب تعب اخذ جميع ماله، فهو حريب وحرب على بناء المفعول فهو محروب. (3) " ضريرها أي من عمى عينه فيها أو من ابتلى فيها بالضر، وفى القاموس الضرير: الذاهب البصر والمريض المهزول وكل ما خالطه ضر. (4) غبر غبورا: مكث وفى بعض النسخ [ فصبر زمانا ]. وفى بعضها [ فغبر زمان ]. (5) أي كيف حاله ولم تقاعد عن الحج.
(6) قوله: " يضجع الكلام " أي يقصر فيه وفى اداء المقصود صريحا، من ضجع في الامر تضجيعا إذا وهن فيه وقصر (لح). وفى بعض النسخ [ فظن ]. وقوله: " انما يعنى الميسرة والدنيا " يعنى تقاعده عن الحج لفقدهما (لح)
[ 217 ]
(باب التقية) 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا (قال: بما صبروا على التقية) ويدرؤن بالحسنة السيئة (1) " قال: الحسنة التقية والسيئة الاذاعة. 2 - ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عمر الاعجمي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شئ إلا في النبيذ والمسح على الخفين (2). 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): التقية من دين الله. قلت: من دين الله؟ قال: إي والله من دين الله ولقد قال يوسف: " أيتها العير إنكم لسارقون " والله ما كانوا سرقوا شيئا ولقد قال إبراهيم: " إني سقيم " والله ما كان سقيما. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعا، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن حسين بن أبي العلاء عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الارض شئ أحب إلي من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة (3) فلو قد كان ذلك كان هذا (4).
(1) القصص: 54: وصدر الاية " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا مسلمين * اولئك يؤتون... الاية ". (2) ذلك لعدم مسيس الحاجة إلى التقية فيها إلا نادرا. (في) أو يكون نفى التقية فيهما باعتبار رعاية زمان هذا الخطاب ومكانه وحال المخاطب وعلمه (عليه السلام) بانه لا يضطر إليهما. (3) الهدنة: السكون والصلح والموادعة بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين. (4) " فلو قد كان ذلك " أي ظهور القائم. وقوله: " وكان هذا " أي ترك التقية (آت).
[ 218 ]
5 - أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر عن جابر المكفوف، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اتقوا على دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له، إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شئ إلا أكلته ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت لاكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم (1) في السر والعلانية، رحم الله عبدا منكم كان على ولايتنا. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " قال: الحسنة: التقية والسيئة: الاذاعة (2)، وقوله عز وجل: " ادفع بالتي هي أحسن السيئة (3) " قال: التي هي أحسن التقية، " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (4) ". 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم. عن أبي عمرو الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا عمرو أرأيتك لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدثهما وأدع الآخر، فقال: قد أصبت يا أبا عمر وأبى الله إلا أن يعبد سرا (5) أما والله لئن فعلتم
ذلك إنه [ ل ] خير لي ولكم، [ و ] أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية. 8 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن درست الواسطي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الاعياد ويشدون الزنانير (6) فأعطاهم الله أجرهم مرتين. 9 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن حماد بن واقد
(1) نحله القول كمنعه: نسبه إليه. ونحل فلانا: سابه. وفى بعض النسخ [ نجلوكم ] بالجيم وفى القاموس نجل فلانا ضربه بمقدم رجله وتناجلوا: تنازعوا. (2) أذاع الخبر: أفشاه. (3) قوله (عليه السلام): " السيئة " بعد قوله عز وجل: " ادفع بالتى هي أحسن " تفسير له، إذ ليس في هذا الموضع من القرآن (في). (4) فصلت: 34. (5) أي في دولة الباطل. (6) الزنانير جمع زنار.
[ 219 ]
اللحام قال: استقبلت أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق فأعرضت عنه بوجهي ومضيت، فدخلت عليه بعد ذلك، فقلت: جعلت فداك إني لالقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشق عليك فقال لي: رحمك الله ولكن رجلا لقيني أمس في موضع كذا وكذا فقال: عليك السلام يا أبا عبد الله، ما أحسن ولا أجمل (1). 10 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لابي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يروون أن عليا (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرؤوا مني، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي (عليه السلام)، ثم قال: إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم ستدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد، ولم يقل: لا تبرؤوا مني. فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال: والله ما ذلك عليه وماله إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن
بالايمان، فأنزل الله عز وجل فيه " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان " فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) عندها: يا عمار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عز وجل عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا. 11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إياكم أن تعملوا عملا يعيرونا به، فإن ولد السوء يعير والده بعمله، وكونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا عليه شينا صلوا في عشائرهم (2). وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ولا يسبقونكم إلى شئ من الخير فأنتم أولى به منهم والله ما عبد الله بشئ أحب إليه من الخبء قلت: وما الخبء (3)؟ قال: التقية. 12 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القيام للولاة، فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): التقية من ديني ودين أبائى ولا إيمان لمن لا تقية له. 13 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به.
(1) أي لم يفعل حسنا ولا جميلا. (2) يعنى عشائر المخالفين لكم في الدين. (3) الخبء: الاخفاء والستر.
[ 220 ]
14 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [ كان ] أبي (عليه السلام) يقول: وأي شئ أقر لعيني من التقية، إن التقية جنة المؤمن. 15 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مروان قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ما منع ميثم رحمه الله من التقية، فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان (1) ". 16 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن شعيب الحداد
عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية. 17 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن محمد ابن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلما تقارب هذا الامر (2) كان أشد للتقية. 18 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سام ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له 19 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: التقية ترس الله بينه وبين خلقه (3). 20 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن أحمد بن حمزة، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): خالطوهم بالبرانية وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الامرة صبيانية (4).
(1) النحل: 106. (2) أي خروج القائم. (3) " ترس الله " أي يمنع الخلق من عذاب الله أو من البلايا النازلة. (4) في النهاية في حديث سلمان " من أصلح جوانيه أصلح الله برانيه " أراد بالبرانى العلانية والالف والنون من زيادات النسب كما قالوا في صنعاء صنعاني وأصله من قولهم: خرج فلان برا أي خرج إلى البر والصحراء وليس من قديم الكلام وفصيحه وقال أيضا في حديث
[ 221 ]
21 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن زكريا المؤمن، عن عبد الله ابن أسد، عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): رجلان من أهل الكوفة اخذا فقيل لهما: ابرئا من أمير المومنين فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلي سبيل الذي
برئ وقتل الآخر؟ فقال: أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرء فرجل تعجل إلى الجنة. 22 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): احذروا عواقب العثرات (1). 23 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي ابن النعمان، عن ابن مسكان، عن عبد الله بن أبي يعقور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: التقى ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين الله عز وجل به فيما بينه وبينه، فيكون له عزا في الدنيا ونورا في الآخرة وإن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلا في الدنيا وينزع الله عز وجل ذلك النور منه. (باب الكتمان) 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: وددت والله أني افتديت خصلتين في
سلمان: إن لكل امرئ جوانيا وبرانيا: أي باطنا وظاهرا وسرا وعلانية وهو منسوب إلى جو البيت وهو داخله وزيادة الالف والنون للتأكيد انتهى. والامرة بالكسر: الامارة والمراد بكونها صبيانية كون الامير صبيا أو مثله في قلة العقل والسفاهة. أو المعنى أنه لم يكن بناء الامارة على امر حق بل كانت مبنية على الاهواء الباطلة كلعب الاطفال. والنسبة إلى الجمع تكون على وجهين أحدهما أن يكون المراد النسبة إلى الجنس فيرد إلى المفرد والثانى أن تكون الجمعية ملحوظة فلا يرد وهذا من الثاني إذ المراد التشبيه بامارة يجمع عليها الصبيان (آت). (1) أي في ترك التقية كما فهمه الكليني (ره) أو الاعم (آت).
[ 222 ]
الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النزق وقلة الكتمان (1).
2 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن أبي اسامة زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أمر الناس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما (2) على غير شئ: الصبر والكتمان. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن عمار، عن سليمان ابن خالد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله. 4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخلنا عليه جماعة، فقلنا: يا ابن رسول الله إنا نريد العراق فأوصنا، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ليقو شديدكم ضعيفكم وليعد غنيكم على فقيركم ولا تبثوا سرنا (3) ولا تذيعوا أمرنا، وإذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلا فقفوا عنده، ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم و اعلموا أن المنتظر لهذا الامر له مثل أجر الصائم القائم ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيدا ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيدا. 5 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عبد الاعلى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط، من احتمال
(1) في القاموس نزق الفرس كسمع وضرب ونصر نزقا ونزوقا: نزا، أو تقدم خفة ووثب. و أنزقه ونزقه غيره وكفرح وضرب: طاش وخف عند الغضب والاناء والغدير: امتلا إلى رأسه. وناقة نزاق ككتاب: سريعة ونازقا نزاقا ومنازقة وتنازقا: تشاتما، ومكان نزق محركة قريب ونازقه: قاربه وانزق: أفرط في ضحكه وسفه بعد حلم. انتهى. وقوله: " ببعض لحم ساعدى " يعنى وددت أن أذهب تينك الخصلتين عن الشيعة ولو انجر الامر إلى أن يلزمنى أن اعطى فداء عنهما بعض لحم ساعدى. والمراد بالكتمان إخفاء أحاديث الائمة وأسرارهم عن المخالفين عند خوف
الضرر عليهم وعلى شيعتهم منه ومن كتمان اسرارهم وغوامض اخبارهم عمن لا يحتمله عقله. (2) بسببهما أي بسبب تضييعهما (آت). (3) أي الاحكام المخالفة لمذهب العامة عندهم. " ولا تذيعوا امرنا " أي أمر إمامتهم (آت).
[ 223 ]
أمرنا ستره وصيانته من غير أهله فأقرئهم السلام وقل لهم: رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلى نفسه (1)، حدثوهم بما يعرفون واستروا عنهم ما ينكرون، ثم قال: والله ما الناصب لنا حربا بأشد علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره، فإذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه وردوه عنها، فإن قبل منكم وإلا فتحملوا عليه بمن يثقل عليه ويسمع منه، فان الرجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتى تقضى له، فالطفوا في حاجتى كما تلطفون في حوائجكم فإن هو قبل منكم وإلا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم ولا تقولوا: إنه يقول ويقول، فإن ذلك يحمل علي وعليكم، أما والله لو كنتم تقولون ما أقول لاقررت أنكم أصحابي، هذا أبو حنيفة له أصحاب، وهذا الحسن البصري له أصحاب، وأنا امرؤ من قريش، قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمت كتاب الله وفيه تبيان كل شئ بدؤ الخلق وأمر السماء وأمر الارض وأمر الاولين وأمر الآخرين وأمر ما كان وأمر ما يكون، كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني. 6 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الربيع بن محمد المسلي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: ما زال سرنا مكتوما حتى صار في يد [ ي ] ولد كيسان (2) فتحدثوا به في الطريق وقرى السواد (3). 7 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم للذي (4) إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله إشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري
لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا اسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا. 8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن يحيى، عن حريز، عن معلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا معلى اكتم أمرنا
(1) الجر: الجذب كالاجترار وقوله: " حدثوهم " بيان لكيفية اجترار مودة الناس. (2) المراد بولد كيسان أولاد المختار الطالب بثار السبط المفدى الحسين (عليه السلام) وقيل: المراد بولد كيسان أصحاب الغدر والمكر الذين ينسبون أنفسهم في الشيعة وليسوا منهم (آت). (3) في الصحاح سواد الكوفة: قراها. (4) في بعض النسخ [ الذى ].
[ 224 ]
ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا وجعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنة، يا معلى من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النار، يا معلى إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية، يا معلى إن المذيع لامرنا كالجاحد له (1). 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن مروان بن مسلم عن عمار قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أخبرت بما أخبرتك به أحدا؟ قلت: لا إلا سليمان بن خالد، قال: أحسنت أما سمعت قول الشاعر: فلا يعدون سري وسرك ثالثا * * ألا كل سر جاوز اثنين شائع 10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا عن مسألته فأبى وأمسك، ثم قال: لو أعطيناكم كلما (2) تريدون كان شرا لكم واخذ برقبة صاحب هذا الامر، قال أبو جعفر (عليه السلام): ولاية الله أسرها إلى جبرئيل (عليه السلام) وأسرها جبرئيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأسرها محمد إلى علي وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم
تذيعون ذلك، من الذي أمسك حرفا سمعه؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكا لنفسه مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه، فاتقوا الله (3) ولا تذيعوا حديثنا، فلو لا أن الله يدافع عن أوليائه وينتقم لاوليائه من أعدائه، أما رأيت ما صنع الله بآل برمك وما انتقم الله لابي الحسن (عليه السلام) وقد كان بنو الاشعث على خطر
(1) كأنه (عليه السلام) كان يخاف على معلى القتل لما يرى من حرصه على الاذاعة ولذلك أكثر من نصيحته بذلك ومع ذلك لم تنجع نصيحته فيه وانه قد قتل بسبب ذلك (في). (2) في بعض النسخ [ كما ]. (3) " فاتقوا الله " من كلام الرضا (عليه السلام) وجواب لولا محذوف يعني لولا مدافعة الله و انتقامه لنا لما بقى منا أثر بسبب أذاعتكم حديثنا. " أما رايت " بيان للمدافعة والانتقام واراد بما صنع الله إستئصالهم بسبب عداوتهم لابي الحسن (عليه السلام) واعانتهم على قتله وأراد بابى الحسن أباه موسى (عليه السلام) (في).
[ 225 ]
عظيم (1) فدفع الله عنهم بولايتهم لابي الحسن وأنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل الله لهم فعليكم بتقوى الله، ولا تغرنكم [ الحياة ] الدنيا، ولا تغتروا بمن قد امهل له، فكأن الامر قد وصل إليكم. 11 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عمر بن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) طوبى لعبد نومة (2)، عرفه الله ولم يعرفه الناس، اولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة، ليسوا بالمذاييع البذر (3) ولا بالجفاة المرائين. 12 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الاصبهاني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): طوبى لكل عبد نومة لا يؤبه له يعرف الناس ولا يعرفه الناس، يعرفه الله منه (4) برضوان، اولئك مصابيح الهدى
ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة ويفتح لهم باب كل رحمة، ليسوا بالبذر المذاييع ولا الجفاة المرائين وقال: قولوا الخير تعرفوا به واعملوا الخير تكونوا من أهله ولا تكونوا عجلا (5) مذاييع، فإن خياركم الذين إذا نظر إليهم ذكر الله وشراركم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة، المبتغون للبرآء المعايب. 13 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عمن أخبره قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم، فانه لا يصبيكم أمر تخصون به أبدا ولا تزال الزيدية لكم وقاء أبدا. 14 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن (صلوات الله عليه) قال: إن كان في يدك هذه شئ فان استطعت أن لا تعلم هذه فافعل ; قال: وكان عنده إنسان
(1) الخطر بالتحريك: الاشراف على الهلاك (في). (2) النومة بضم النون وإسكان الواو وفتحها: الخامل الذكر الذي لا يؤبه له أي لا يبالى به. (3) المذاييع جمع مذياع وهو من لا يكتم السر. والبذر بالضم: جمع البذور والبذير وهو النمام ومن لا يستطيع كتم سره والبذر ككتف: كثير الكلام. والجفاة: جمع الجافي وهو الكز الغليظ السيئ الخلق كأنه جعله لانقباضه مقابلا لمنبسط اللسان الكثير الكلام والمراد النهى عن طرفي الافراط والتفريط ولزوم الوسط (في). (4) أي من لدنه. (5) عجل ككتب: جمع عجول وهو المستعجل.
[ 226 ]
فتذاكروا الاذاعة، فقال: احفظ لسانك تعز، ولا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل. 15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال، إن أمرنا مستور مقنع بالميثاق (1)
فمن هتك علينا أذله الله 16 - الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى، جميعا، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد بن مسلم، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح وهمه لامرنا عبادة وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله، قال لي محمد بن سعيد: اكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئا أحسن منه. (باب) * (المؤمن وعلاماته وصفاته) * 1 - محمد بن جعفر، عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن داهر، عن الحسن ابن يحيى، عن قثم أبي قتادة الحراني، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قام رجل يقال له: همام - وكان عابدا، ناسكا، مجتهدا - إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه؟ فقال: يا همام المؤمن هو الكيس الفطن، بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شئ صدرا (2) وأذل شئ نفسا، زاجر عن كل فان (3)، حاض على كل حسن (4)،
(1) المقنع اسم مفعول على بناء التفعيل أي مستور أصله من القناع. " بالميثاق " أي بالعهد الذى أخذ الله ورسوله والائمة (عليهم السلام) أن يكتموه عن غير أهله (آت). منقول في النهج باختلاف كثير. (2) في بعض النسخ [ قدرا ]. (3) " زاجر " أي نفسه أو غيره. (4) " حاض " أي حريص.
[ 227 ]
لا حقود ولا حسود، ولا وثاب (1)، ولاسباب، ولاعياب، ولا مغتاب، يكره الرفعة
ويشنأ السمعة (2) طويل الغم (3)، بعيد الهم، كثير الصمت (4)، وقور (5) ذكور، صبور، شكور، مغموم بفكره (6)، مسرور بفقره، سهل الخليقة، لين العريكة (7)، رصين الوفاء، قليل الاذى، لا متأفك (8) ولا متهتك. إن ضحك لم يخرق، وإن غضب لم ينزق (9)، ضحكه تبسم، واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم. كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة، لا يبخل، ولا يعجل، ولا يضجر، ولا يبطر (10)، ولا يحيف في حكمه، ولا يجور في علمه (11)، نفسه أصلب من الصلد، ومكادحته أحلى من الشهد (12)، لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا
(1) أي لا يثب في وجوه الناس بالمنازعة والمعارضة. (2) أي يبغض الرياء. (3) لما يستقبله من سكرات الموت واحوال القبر واحوال الاخرة. وقوله: " بعيد الهم " اما تأكيد للفقرة السابقة لان الهم والغم متقاربان أو المراد بالهم القصد، أي هو عالي الهمة، لا يرضى بالدون من الدنيا الفانية (4) أي عما لا يعنيه. (5) أي ذو وقار ورزانة: لا يستعجل في الامور ولا يبادر في الغضب ولا تجره الشهوات إلى ما لا ينبغى فعله. (6) أي بسبب فكره في امور الاخرة. قوله: " مسرور بفقره " لعلمه بقلة خطره ويسر الحساب في الاخرة وقلة تكاليف الله فيه (7) " سهل الخليقة " أي ليس في طبعه خشونة وغلظة، والعريكة كسفينة، النفس ورجل لين العريكة: سلس الخلق منكسر النخوة. وقال لجوهري العريكة: الطبيعة. والرصين (بالصاد) المهملة) كامين: المحكم الثابت. (8) كانه مبالغة في الافك بمعنى الكذب أي لا يكذب كثير أو المعنى لا يكذب على الناس و في بعض النسخ [ مستأفك ] أي لا يكذب على الناس فيكذبوا عليه فكأنه طلب منهم الافك. وقيل المتأفك من لا يبالي أن ينسب إليه الافك.
(9) نزق: خف عند الغضب. (10) البطر: شدة الفرح والطغيان. (11) الحيف: الجور والظلم. وقوله: " لا يجور في علمه " أي لا يظلم أحدا بسبب علمه و ربما يقرء بالزاى أي لا يتجاوز عن العلم الضرورى إلى غيره. (12) " نفسه أصلب من الصلد " أي من الحجر الصلب، كناية عن شدة تحمله للميثاق أو عن عدم عدوله عن الحق. وقوله: " مكادحته أحلى من الشهد " الكدح: السعي ويحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في تحصيل المعيشة والامور الدنيوية لمساهلته فيها حسن لطيف. والجشع محركة: أشد الحرص وأسوؤه أو أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك. والهلوع: الجزوع.
[ 228 ]
متكلف ولا متعمق (1)، جميل المنازعة، كريم المراجعة. عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر (2)، خالص الود، وثيق العهد، وفي العقد شفيق، وصول، حليم، خمول (3) قليل الفضول، راض عن الله عز وجل، مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ناصر للدين، محام عن المؤمنين كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه (4)، ولا ينكي الطمع قلبه، ولا يصرف اللعب حكمه، ولا يطلع الجاهل علمه، قوال، عمال، عالم حازم، لا بفحاش ولا بطياش (5)، وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لا بختال (6) ولا بغدار، ولا يقتفي أثرا، (7) ولا يحيف بشرا، رفيق بالخلق، ساع في الارض، عون للضعيف غوث للملهوف، لا يهتك سترا ولا يكشف سرا، كثير البلوى، قليل الشكوى، إن
(1) " صلف " الصلف ككتف: التكلم بما يكره صاحبك والتمدح بما ليس عندك أو مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا ويقال له بالفارسية: لاف زدن. والمتكلف: المتعرض لما لا يعنيه وقوله " ولا متعمق " أي لا يبالغ في الامور الدنيوية. (2) أي لا يتكبر على الغير ولا يعد نفسه كبيرا. وقوله: " خالص الود " أي محبته خالصة لله
أو محبته خالصة لكل من يوده غير مخلوطة بالخديعة والنفاق وكأن هذا أظهر. (3) في القاموس الشفق: حرص الناصح على صلاح المنصوح وهو مشفق وشفيق. وحاصله انه ناصح ومشفق على المؤمنين وقيل: خائف من الله والاول أظهر. وقوله: " خمول " في أكثر النسخ بالخاء المعجمة أي أنه خامل الذكر غير مشهور بين الناس وكانه مخمول على انه لا يحب الشهرة ولا يسعي فيها، وفى بعض النسخ بالحاء المهملة والمراد به الحلم، تأكيدا والمراد بالحليم العاقل أو المراد انه يتحمل مشاق المؤمنين (آت). (4) عدم الخرق كناية عن عدم التأثير فيه، كأنه لم يسمعه. وقوله " لا ينكى الطمع قلبه " أي لا يؤثر في قلبه ولا يستقر فيه وفيه: اشعار بان الطمع يورث جراحة القلب جراحة لا تبرء. وقوله: " لا يصرف اللعب حكمه " أي لا يلتفت إلى اللعب لحكمته. وقوله: " قوال " أي كثير القول لما يحسن قوله، كثير الفعل والعمل بما يقوله وقوله: " عالم ". قيل هو: ناظر إلى قوله: " قوال " وقوله: " حازم " ناظر إلى قوله: " عمال " والحزم: رعاية العواقب وفى القاموس الحزم: ضبط الامر والاخذ فيه بالثقة. (5) الطيش: النزق والخفة، طاش يطيش فهو طايش وطياش، وذهاب العقل، والطياش من لا يقصد وجها واحدا. (6) في بعض النسخ [ لا بختار ]. وفى القاموس الختر. الغدر والخديعة أيضا بمعناه. (7) أي لا يتبع عيوب الناس أو لا يتبع أثر من لا يعلم حقيقته. وقوله: " لا يحيف بشرا " بالحاء المهملة وفى بعض النسخ بالخاء المعجمة.
[ 229 ]
رأى خيرا ذكره، وإن عاين شرا ستره، يستر العيب، ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذره (1)، ولا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين، رصين تقي، نقي، زكي، رضي (2)، يقبل العذر ويجمل الذكر، ويحسن بالناس الظن، ويتهم على الغيب نفسه (3) يحب في الله بفقه وعلم، ويقطع في الله بحزم وعزم
لا يخرق به فرح، ولا يطيش به مرح (4)، مذكر للعالم، معلم للجاهل، لا يتوقع له بائقة (5)، ولا يخاف له غائلة، كل سعي أخلص عنده من سعيه، وكل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه، شاغل بغمه، لا يثق بغير ربه، غريب وحيد جريد [ حزين ]، يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه ولا ينتفم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه، مجالس لاهل الفقر، مصادق لاهل الصدق، مؤازر لاهل الحق. عون للقريب، أب لليتيم، بعل للارملة (6)، حفي بأهل المسكنة، مرجو لكل كريهة، مأمول لكل شدة، هشاش، بشاش (7)، لا بعباس ولا بجساس، صليب، كظام، بسام، دقيق النظر عظيم الحذر (8) [ لا يجهل وإن جهل عليه يحلم ] لا يبخل وإن بخل عليه صبر، عقل فاستحيى،
(1) أي لا يطلع على نصح لاخيه فيتركه بل يذكره له والجنح في القاموس بالكسر: الجانب والكنف والناحية ومن الليل الطائفة منه ويضم والحيف: الجور والظلم. والحاصل أنه لا يدع شيئأ من الظلم يقع منه أو من غيره على أحد، بل يصلحه. أو لا يصدر منه شئ من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه. وفى بعض النسخ [ جنف ] مكان حيف وهو بالتحريك: الميل والجور. (2) " رصين " بالمهملة أي المحكم الثابت والحفى بحاجة صاحبه وفى بعض النسخ بالمعجمة وهو تصحيف. وقوله: " زكى " أي طاهر من العيوب. وفي بعض النسخ بالذال أي يدرك المطالب العلية من المبادى الخفية بسهولة وقوله: " يجمل الذكر " أي يذكرهم بالجميل. (3) في بعض النسخ [ على العيب ]. (4) " لا يخرق به فرح " أي لا يصير الفرح سببا لخرقه وسفهه وقوله: " لا يطيش به مرح " أي لا يصير شدة فرحه سببا لنزقه وخفته وذهاب عقله أو عدوله عن الحق وميله إلى الباطل. (5) البائقة: الداهية والغائلة ايضا الداهية. (6) الارملة: المرأة التى لا زوج لها والحفى البر اللطيف. وقوله، " مرجو لكل كريهة " أي يأمله الناس لدفع كل شدة. (7) الهشاشة: الارتياح والخفة للمعروف. والبشاشة: طلاقة الوجه. وقوله: " بعباس "
أي كثير العبوس. وقوله: " بجساس " أي كثير التجسس. وقوله: " صليب " أي متصلب شديد في امور الدين. (8) في بعض النسخ [ عظيم الخطر ].
[ 230 ]
وقنع فاستغنى، حياؤه يعلو شهوته، ووده يعلو حسده، وعفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، ولا يلبس إلا الاقتصاد، مشيه التواضع، خاضع لربه بطاعته، راض عنه في كل حالاته، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة، نظره عبرة، سكوته فكرة، وكلامه حكمة، مناصحا متباذلا متواخيا، ناصح في السر والعلانية، لا يهجر أخاه، ولا يغتابه، ولا يمكر به، ولا يأسف على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، ولا يفشل في الشدة، ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم، والعقل بالصبر، تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقعا لاجله (1)، خاشعا قلبه، ذاكرا ربه، قانعة نفسه، منفيا جهله، سهلا أمره، حزينا لذنبه، ميتة شهوته، كظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالذي قدر له، متينا صبره، محكما أمره، كثيرا ذكره، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به، ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له، بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده تكبرا ولا عظمة، ولا دنوه خديعة ولا خلابة (2)، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البر. قال: فصاح همام صيحة، ثم وقع مغشيا عليه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد كنت أخافها عليه وقال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل:
فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن لكل أجلا لا يعدوه وسببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنما نفث (3) على لسانك شيطان. 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد الله بن غالب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال:
(1) أي منتظرا له. (2) خلبه كنصره خلبا وخلابه: خدعه. (3) النفث: النفخ.
[ 231 ]
وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الاعداء ولا يتحامل للاصدقاء (1)، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والصبر أمير جنوده، والرفق أخوه واللين والده. 3 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: المؤمن يصمت ليسلم، وينطق ليغنم، لا يحدث أمانته الاصدقاء ولا يكتم شهادته من البعداء (2) ولا يعمل شيئا من الخير رياء ولا يتركه حياء، إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون، لا يغره قول من جهله ويخاف إحصاء ما عمله. 4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض من رواه، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن له قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين وحرص في فقه، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، وعلم في حلم، وكيس في رفق وسخاء في حق، وقصد في غنى، وتجمل في فاقة، وعفو في قدرة، وطاعة لله في نصيحة، و انتهاء في شهوة، وورع في رغبة، وحرص في جهاد، وصلاة في شغل، وصبر في شدة، وفي الهزاهز وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، ولا يغتاب ولا يتكبر، ولا يقطع الرحم وليس بواهن، ولا فظ ولا غليظ، ولا يسبقه بصره، ولا يفضحه بطنه، ولا يغلبه فرجه، ولا يحسد الناس، يعير ولا يعير، ولا يسرف، ينصر المظلوم ويرحم
المسكين، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، لا يرغب في عز الدنيا ولا يجزع من ذلها، للناس هم قد أقبلوا عليه وله هم قد شغله، لا يرى في حكمه نقص، ولا في رأيه وهن، ولا في دينه ضياع (3)، يرشد من استشاره، ويساعد من ساعده، ويكيع عن الخنا والجهل (4).
(1) أي لا يحتمل الوزر لاجلهم أو يتحامل عنهم ما لا يطيق الاتيان به من الامور المشاقة فيعجز عنها والاول أظهر. (2) في بعض النسخ [ من الاعداء ]. (3) أي دينه متين لا يضيع بالشكوك والشبهات ولا بارتكاب المعاصي. (4) يكيع كيبيع بالياء المثناة التحتانية وفى نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية وفى بعضها بالنون والكل متقاربة المعنى، قال في القاموس: كعت عنه أكيع وأكاع عنه كيعا وكيعوعة اذاهبته وجبنت عنه وقال: كنع عن الامر: كمنع: هرب وجبن. وقال: كتع كمنع: هرب وفى النهاية الخنا: الفحش في القول. والجهل مقابل العلم أو السفاهة (آت)
[ 232 ]
5 - عنه، عن بعض أصحابنا رفعه، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: مر أمير المؤمنين (عليه السلام) بمجلس من قريش، فإذا هو بقوم بيض ثيابهم (1)، صافية ألوانهم، كثير ضحكهم، يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم (2)، ثم مر بمجلس للاوس والخزرج فإذا قوم بليت منهم الابدان، ودقت منهم الرقاب واصفرت منهم الالوان، وقد تواضعوا بالكلام، فتعجب علي (عليه السلام) من ذلك ودخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وامي إني مررت بمجلس لآل فلان ثم وصفهم ومررت بمجلس للاوس والخزرج فوصفهم، ثم قال: وجميع مؤمنون، فأخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن؟ فنكس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم رفع رأسه فقال: عشرون خصلة في المؤمن فإن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه، إن من أخلاق المؤمنين يا علي: الحاضرون الصلاة، والمسارعون إلى الزكاة والمطعمون المسكين، الماسحون رأس اليتيم، المطهرون أطمارهم (3) المتزرون
على أوساطهم (4): الذين إن حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا تكلموا صدقوا، رهبان بالليل، اسد بالنهار (5)، صائمون النهار، قائمون الليل (6)، لا يؤذون جارا ولا يتأذى بهم جار، الذين مشيهم على الارض هون وخطاهم إلى بيوت الارامل وعلى أثر الجنائز، جعلنا الله وإياكم من المتقين. 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من سرته حسنته وساءته سيئته (7) فهو مؤمن.
(1) بيض بالكسر جمع أبيض ويحتمل فيه وفى نظائره الجر والرفع. (2) " يشيرون بأصابعهم " إستهزاء وإشارة إلى عيوبهم. (3) أي ثيابهم البالية بالغسل أو بالتشمير (آت) (4) أي يشدون المئزر على وسطهم إحتياطا لستر العورة فأنهم كانوا لا يلبسون السراويل أو المراد شد الوسط بالازار كالمنطقة ليجمع الثياب. وقيل. هو كناية عن الاهتمام في العبادة. (آت). (5) الرهبان يكون واحدا وجمعا وفسر الرهبانية في قوله تعالى: " ورهبانية ابتدعوها " بصلاة الليل. و " أسد بالنهار " أي شجعان في الجهاد. (6) " قائمون الليل " الفرق بينه وبين " رهبان بالليل " ان الرهبان إشارة إلى التضرع و والرهبة أو التخلي، وترهب وقيام الليل للصلاة لا يستلزم شيئا من ذلك (آت). (7) في بعض النسخ [ سرته حسنة وساءته سيئة ].
[ 233 ]
7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن الحسن بن [ ز ] علان، عن أبي إسحاق الخراساني، عن عمرو بن جميع العبدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شيعتنا هم الشاحبون (1)، الذابلون، الناحلون، الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن. 8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني،
عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى وأهل الخير وأهل الايمان وأهل الفتح والظفر. 9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بزرج، عن مفضل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إياك والسفلة، فإنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر. 10 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن شيعة علي كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه (2)، أهل رأفة وعلم وحلم، يعرفون بالرهبانية، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع و الاجتهاد. 11 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن صفوان الجمال، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما المؤمن، الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له (3). 12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن ابن
(1) في النهاية الشاحب، المتغير اللون والجسم. وفى بعض النسخ [ السائحون ] أي هم الملازمون للمساجد. وذبلت بشرته أي قل ماء جلده وذهبت نضارته. وفى الصحاح النحول: الهزال وجمل ناحل أي مهزول. (2) في القاموس الخمصة: الجوعة والمخمصة المجاعة. الذبل: اليابسة الشفه. (3) في بعض النسخ [ من ماله ] بكسر اللام.
[ 234 ]
مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا سليمان أتدري من المسلم؟ قلت: جعلت فداك أنت أعلم، قال: المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده، ثم قال: وتدري من المؤمن؟ قال: قلت: أنت أعلم، قال: [ إن ] المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تعنته (1). 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق. 14 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي البختري (2) رفعه قال: سمعته يقول: المؤمنون هينون لينون (3) كالجمل الانف إذا قيد انقاد، وإن انيخ على صخرة استناخ (4).
(1) أي إذا لم يقدر على نصرته يجب عليه أن يعتذر منه برده رد جميل ولا يدفعه دفعة تلقيه تلك الدفعة في العنت والمشقة ويحتمل أن يكون كناية عن مطلق الضرر الفاحش (آت) (2) هو وهب بن وهب القرشى عامى ضعيف وهو راوي الصادق ((عليه السلام) وتزوج (عليه السلام) بامه فالظاهر كون ضمير " سمعته " راجعا إلى الصادق (عليه السلام) فالمراد بالرفع نسبة الحديث إليه (عليه السلام) ويحتمل أن يكون الرفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وضمير سمعته إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان دأب هذا الراوى لكونه عاميا رفع الحديث، يقول عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن على (عليهم السلام) ويؤيده أن الحديث نبوى روته العامة أيضا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) (آت). (3) في النهاية " المسلمون هينون لينون " هما بالتخفيف والتشديد معا قال ابن الاعرابي: العرب تمدح بالهين اللين مخففين وتذم بهما مثقلين وهين فيعل من الهون وهو السكينة و الوقار والسهولة فعينه واو وشئ هين وهين أي سهل. وفيه: المؤمون هينون لينون كالجمل الانف أي المانوف وهو الذى عقر الخشخاش انفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذى به. وقيل:
الانف الذلول. (4) كناية عن نهاية انقياده في الامور المشروعة وعدم استصعابه فيها وقال الجوهرى أنخت الجمل فاستناخ: ابركته فبرك.
[ 235 ]
15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة من علامات المؤمن: العلم بالله، ومن يحب ومن يكره (1). 16 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المؤمن كمثل شجرة لا يتحات ورقها في شتاء ولا صيف، قالوا: يا رسول الله وما هي؟ قال: النخلة (2). 17 عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن اورمة، عن [ أبي ] إبراهيم الاعجمي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن حليم لا يجهل، وإن جهل عليه يحلم، ولا يظلم وإن ظلم غفر، ولا يبخل وإن بخل عليه صبر (3). 18 - عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن منذر بن جيفر (4)، عن آدم أبي الحسين اللؤلوئي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن من طاب مكسبه، وحسنت خليقته، وصحت سريرته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، وكفى الناس شره وأنصف الناس من نفسه. 19 - أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي، عن أبي كهمس، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا انبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفهسم، وأموالهم، ألا انبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر السيئات وترك ما حرم الله والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة. 20 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن مفضل
ابن عمر، عن أبي أيوب العطار، عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنما شيعة علي الحلماء، العلماء، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم. 21 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب،
(1) أي من يحبه الله ويكرهه. (2) يعنى أنه مستقيم الاحوال ينتفع منه دائما. (3) في بعض النسخ [ لا ينجل ] وهو الطعن والشق ونجل الناس: شارهم. (4) كذا وفى الايضاح جفير بالجيم المفتوحة والفاء بعدها ثم الياء المنقطة تحتها نقطتين ثم الراء.
[ 236 ]
عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله، ثم قال: أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا (1)، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين أقدامهم وجباهم (2)، يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون، مشفقون. 22 - عنه، عن السندي بن محمد، عن محمد بن الصلت، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح وأقبل على الناس بوجهه، فقال: والله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما يخالفون بين جباههم وركبهم، كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر (3)، كأنما القوم باتوا غافلين (4)، قال: ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض (صلوات الله عليه). 23 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن المفضل ابن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أردت أن تعرف أصحابي فانظر إلى من اشتد
ورعه وخاف خالقه ورجا ثوابه، وإذا رأيت هؤلاء فهؤلاء أصحابي. 24 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن عمرو بن الاشعث، عن عبد الله بن حماد الانصاري، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): شيعتنا
(1) الشعث: تفرق الشعر وعدم اصلاحه ومشطه وتنظيفه. والاغبر: المتلطخ بالغبار و الركب ما بين اسافل اطراف الفخذ والمعزى خلاف الضان من الغنم. يحتمل أن يكون تلك الاحوال لشدة فقرهم وعدم قدرتهم على ازالتها فالمدح على صبرهم على الفقر. أو المعنى أنهم لا يهتمون بازالتها زائدا على المستحب. أو يقال، إذا كان تركها لشدة الاهتمام بالعبادة وخوف الاخرة يكون ممدوحا (آت). (2) المراوحة بين الاقدام والجباه أن يقوم على القدمين مرة ويضع الجبهة على الارض اخرى ليواصل الراحة إلى كل منهما. (3) مادوااى اضطربوا. (4) في بعض النسخ [ ماتوا غافلين ]. كأنهم بسبب غفلتهم أموات غير أحياء.
[ 237 ]
المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا. 25 - عنه، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان، عن عيسى النهر يري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعفى نفسه بالصيام والقيام، قالوا: بآبائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله؟ قال: إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لولا
الآجال التي قد كتبت عليهم لم تقر أرواحهم (1) في أجسادهم خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب. 26 - عنه، عن بعض أصحابه من العراقيين، رفعه قال: خطب الناس الحسن ابن علي (صلوات الله عليهما) فقال: أيها الناس أنا اخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي مالا يجد ولا يكثر إذا وجد، كان خارجا من سلطان فرجه، فلا يستخف له عقله ولا رأيه (2)، كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمد يده إلا على ثقة لمنفعة، كان لا يتشهى ولا يتسخط ولا يتبرم (3)، كان أكثر دهره صماتا، فإذا قال بذ القائلين (4) كان لا يدخل في مراء، ولا يشارك في دعوى، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا (5) وكان لا يغفل عن إخوانه، ولا يخص نفسه بشئ دونهم، كان ضعيفا
(1) في بعض النسخ [ لم تستقر ]. (2) استخفه: إستثقله، استجهله، ازاله عن الحق والصواب. والجهالة بفتح الجيم خلاف العلم والعقل. وقوله: " فلا يمد يده " أي إلى اخذ شئ كناية عن عدم ارتكاب الامور الا على ثقة واعتماد بأن ينفعه نفعا عظيما في الاخرة أو في الدنيا ايضا إذا لم يضر بالاخرة. (3) " لا يتشهى " أي لا يكثر شهوة الاشياء (آت). وفي القاموس البرم: السامة والضجر و وأبرمه فبرم كفرح وتبرم: أمله فمل أي لا يمل ولا يسأم من حوائج الخلق وكثرة سؤالهم وسوء معاشرتهم (4) في النهاية بذ القائلين أي سبقهم وغلبهم يبذهم بذا. (5) في المصباح أدلى بحجته أثبتها فوصل بها إلى دعواه وفى القاموس أدلى بحجته حضرها
[ 238 ]
مستضعفا فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا (1)، كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا (2)، كان يفعل ما يقول ويفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزه أمران (3)
لا يدري أيهما أفضل نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكو وجعا إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير إلا من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرم ولا يتسخط ولا يتشكي ولا يتشهي ولا ينتقم ولا يغفل عن العدو، فعليكم بمثل هذه الاخلاق الكريمة، إن أطقتموها، فإن لم تطيقوها كلها فأخذ القليل خير من ترك الكثير. ولا حول ولا قوة إلا بالله. 27 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مهزم، وبعض أصحابنا، عن محمد بن علي، عن محمد بن إسحاق الكاهلي ; وأبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن ربيع بن محمد، جميعا، عن مهزم الاسدي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مهزم شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه (4)، ولا شحناؤه بدنه (5) ولا يمتدح بنا معلنا ولا يجالس لنا عائبا ولا يخاصم لنا قاليا، إن لقي مؤمنا أكرمه وإن لقي جاهلا هجره، قلت: جعلت فداك فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة (6) قال: فيهم التمييز وفيهم التبديل وفيهم التمحيص، تأتي عليهم سنون تفنيهم وطاعون يقتلهم واختلاف يبددهم، شيعتنا من لايهر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولا
واليه بماله دفعه ومنه و " تدلوا بها إلى الحكام " أي لا يدلي بحجته حتى يجد قاضيا. أو المعنى انه ليس من عادته إذا ظلمه أحد أن يبث الشكوى عند الناس كما هو دأب أكثر الخلق بل يصير إلى أن يجد حاكما يحكم بينه وبين خصمه. (1) قوله: " كان ضعيفا مستضعفا " منشأ الاول كثرة الصيام والقيام بالصلاة و سائر العبادات ومنشأ الثاني تواضعه للمؤمنين وعدم مجادلته وتغلبه عليهم حتى استضعفوه وعدوه ضعيفا وان كان قويا في نفس الامر (لح). وفى بعض النسخ [ غاديا ] بالمعجمة. (2) أي كان من عادته الحسنة ان لا يسرع بملامة أحد إذا قصر في حقه لامكان ان يكون له عذر وليس المقصود اللوم بعد الاعتذار (لح). (3) كذا في اكثر النسخ بالباء الموحدة والزاى على بناء الافتعال أي استلبه وغلبه واخذه
قهرا، كناية عن شدة ميله اليهما وحصول الدواعى في كل منهما (آت). (4) لخفاء صوته الدال على لين طبعه. وفى بعض النسخ [ لا يعلو ]. (5) أي لا يتجاوز عداوته بدنه أي يعادى نفسه ولا يعادى غيره وفى بعض النسخ [ يديه ] أي لا تغلب عليه عداوته بل هي بيده واختياره. والامتداح بمعنى التمدح كما في بعض النسخ. (6) المتشيعة: الذين يدعون التشيع وليس لهم معناه وعلاماته.
[ 239 ]
يسأل عدونا وإن مات جوعا. قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء؟ قال: في أطراف الارض، اولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، ومن الموت لا يجزعون، وفي القبور يتزاورون وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لن تختلف قلوبهم وإن اختلف بهم الدار، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا المدينة وعلي الباب وكذب من زعم أنه يدخل المدينة لا من قبل الباب وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا (صلوات الله عليه). 28 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت اخوته. 29 - عنه، عن ابن فضال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الله بن الحسن، عن امه فاطمة بنت الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان: إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له (1). 30 - عنه، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن لاهل الدين علامات يعرفون بها: صدق الحديث وأداء الامانة ووفاء بالعهد وصلة الارحام ورحمة الضعفاء وقلة المراقبة للنساء
- أو قال: قلة المواتاة للنساء - (2) وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الخلق واتباع العلم وما يقرب إلى الله عز وجل زلفى، طوبى لهم وحسن مآب - وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها - لا يخطر على قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ذلك ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منه ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما (3) ألا ففي هذا
(1) أي لا يأخذ. التعاطي: التناول. (2) المواتاة: الموافقة والمطاوعة. (3) انما خص الغراب بالذكر لانه أطول الطيور عمرا.
[ 240 ]
فارغبوا، إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة، إذا جن عليه الليل افترش وجهه وسجد لله عز وجل بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا. 31 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو النخعي قال: وحدثني الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن سليمان، عمن ذكره عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن خيار العباد (1) فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا اعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا وإذا غضبوا غفروا. 32 - وبإسناده، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن خياركم اولو النهى، قيل: يا رسول الله ومن اولو النهى؟ قال: هم اولو الاخلاق الحسنة والاحلام الرزينة (2) وصلة الارحام والبررة بالامهات والآباء والمتعاهدين للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ويصلون والناس نيام غافلون. 33 - عنه، عن الهيثم النهدي، عن عبد العزيز بن عمر، عن بعض أصحابه، عن
يحيى بن عمران الحلبي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أي الخصال بالمرء أجمل؟ فقال: وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مكافاة، وتشاغل بغير متاع الدنيا. 34 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه، وحلمه وصبره وحسن خلقه. 35 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن عرفة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا اخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا
(1) في بعض النسخ [ خير العباد ]. (2) الاحلام: جمع حلم بمعنى العقل أو الاناءة وعدم التسرع إلى الانتقام وهو هنا أظهر. والرزين: الثقيل وترزن في الشئ: توقر (آت).
[ 241 ]
قال: أحسنكم خلقا وألينكم كنفا، وأبركم بقرابته، وأشدكم حبا لاخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفوا، وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا والغضب. 36 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: من أخلاق المؤمن الانفاق على قدر الاقتار (1)، والتوسع على قدر التوسع، وإنصاف الناس، وابتداؤه إياهم بالسلام عليهم، 37 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقل منه (2) والمؤمن لا يستقل من دينه شئ.
38 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن إسحاق ابن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لمعيشته، لا يلسع من جحر مرتين (3). 39 - علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن سهل بن الحارث، عن الدلهاث مولى الرضا (عليه السلام) قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه، وسنة من وليه، فأما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله عز وجل: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول (4) " وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله
(1) الاقتار: ضيق المعيشة. (2) " يستقل " من القلة أي ينقص. (3) وفى رواية " لا يلدغ " واللسع واللدغ سواء. والجحر: ثقب الحية وهو إستعارة هنا أي لايدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالاولى يعتبر وهذا على وجه الخبر ويحتمل النهى وهذا من قول النبي (صلى الله عليه وآله) كما رواه مسلم في صحيحه وسبب قوله هذا أن أبا غرة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان اسر يوم بدر فسال النبي (صلى الله عليه وآله) أن يمن عليه ففعل و عاهده أن لا يحرص عليه ولا يهجوه فلما لحق باهله عاد إلى ماكان عليه فاسر يوم احد فسأله أيضا أن يمن عليه فقال النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الكلام البليغ الجامع الذى لم يسبق إليه. (1) الجن: 25 - 26.
[ 242 ]
عز وجل أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بمداراة الناس فقال: " خذ العفو وأمر بالعرف (1) " وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء. (باب) * (في قلة عدد المؤمنين) *
1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن قتيبة الاعشى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المؤمنة أعز من المؤمن والمؤمن أعز من الكبريت الاحمر، فمن رأى منكم الكبريت الاحمر؟ (2). 2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبى نجران، عن مثنى الحناط، عن كامل التمار قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الناس كلهم بهائم - ثلاثا - (3) إلا قليل من المؤمنين، والمؤمن غريب (4) - ثلاث مرات -. 3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لابي بصير: أما والله لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثا. 4 - محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن بندار، عن أبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله ابن حماد الانصاري، عن سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: والله ما يسعك القعود، فقال: ولم ياسدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لامير المؤمنين (عليه السلام) ما لك من الشيعة والانصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي، فقال: يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟ قلت: نعم، ومائتي ألف قال: مائتي ألف؟ قلت: نعم ونصف الدنيا
(1) الاعراف: 199. (2) الكبريت الاحمر هو الجوهر الذى يطلبه أصحاب الكيميا وهو الاكسير. وقوله " المؤمنة أعز " يعنى أن المؤمنة أقل وجودا من المؤمن وذلك لان المرأة الصالحة في غاية الندرة. (3) يعنى قاله ثلاث مرات. (4) في بعض النسخ [ والمؤمن عزيز ].
[ 243 ]
قال: فسكت عني ثم قال: يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع (1) قلت: نعم فأمر
بحمار وبغل أن يسرجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال: ياسدير أترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلت: البغل أزين وأنبل (2) قال: الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: ياسدير انزل بنا نصلي، ثم قال: هذه أرض سبخة (3) لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء (4) فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود، ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر (5). 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران قال: قال لي عبد صالح (صلوات الله عليه): يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني (6) أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلا واحد يعبد الله ولو كان معه غيره لاضافه الله عز وجل إليه حيث يقول: " إن إبراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (7) " فغبر بذلك ما شاء الله، ثم إن الله آنسه
(1) " يخف عليك " بكسر الخاء أي يسهل ولا يثقل وفى القاموس خف القوم: ارتحلوا مسرعين. وينبع كينصر: حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر. (2) " أزين " من الزينة. " أنبل " في القاموس النبل بالضم: الذكاء والنجابة. (3) السبخة: ارض ذات نز وملح، ما يعلو الماء كالطحلب. (4) الجدى من اولاد المعز وهو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة والجمع جداء. (5) لا ينافى هذا ما مر في المجلد الاول ص 340 من كون الثلاثين مع الصاحب لانهم اعم من الرجال الاحرار وغيرهم وأيضا المراد هنا تحقق سبعة عشر من المخلصين مع ما ذكر من عدد المتشيعة لا مطلقا. (6) أي بالاذاعة وترك التقية والضمير في آمنوا راجع إلى المدعين للتشيع (7) النحل: 120: قوله: " وما فيها " الواو للحال و " ما " نافية. " ولو كان معه غيره "
أي من أهل الايمان " لاضافة الله عز وجل إليه " لان الغرض ذكر أهل الايمان التاركين للشرك حيث قال: " ولم يك من المشركين " فلو كان معه غيره لذكره معه " إن إبراهيم كان امة " لانه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره فكان امة واحدة وكان هذا بعد وفات لوط (عليه السلام). وقوله " قانتا لله " أي مطيعا له. " حنيفا " أي مستقيما على الطاعة وطريق الحق وهو الاسلام. و قوله: " فغبر " في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة أي مكث أو مضى وذهب، فعلى الاول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم وعلى الثاني فاعله ما شاء الله وفى بعض النسخ [ فصبر ] فهو موافق للاول وفى بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني (آت - ملخصا).
[ 244 ]
بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة، أما والله إن المؤمن لقليل وإن أهل الكفر (1) لكثير أتدري لم ذاك؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك فقال: صيروا انسا للمؤمنين، يبثون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه. 6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن اورمة، عن النضر، عن يحيى بن أبي خالد القماط، عن حمران بن أعين قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا احدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والانصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة (2) قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمار؟ قال: رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا، فقلت: في نفسي ما شئ أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات (3). 7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ليس كل من قال بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا انسا للمؤمنين.
(1) الكفر هنا ما يقابل الايمان الكامل. لا ما يقابل الاسلام.
(2) يعنى أشار عليه السلام بثلاث اصابع من يده. والمراد بالثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد كما روى الكشى ص 8 باسناده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) انه قال: ارتد الناس الا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد، قال الراوى فقلت: عمار؟ قال: كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال: ان أردت الذى لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد فاما سلمان فانه عرض في قلبه أن عند امير المؤمنين (عليه السلام) اسم الله الاعظم لو تكلم به لاخذتهم الارض وهو هكذا وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسكوت ولم يأخذه في الله لومة لائم فابى الا ان يتكلم انتهى. قوله جاض أي عدل عن الحق وفى بعض النسخ بالحاء والصاد المهملتين، وحاصوا عن العدو أي انهزموا، والمراد بالناس غير أهل البيت، وبالارتداد الارتداد عن الايمان لا عن الاسلام كما يفهم من الاخبار. وفيه باسناده، عنه عن أبيه عن جده عن على (عليه السلام) قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسى والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة رحمهم الله وكان على عليه السلام يقول: وأنا إمامهم وهم الذين صلوا على فاطمة (عليها السلام). وفيه: في حديث آخر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد وأناب الناس بعد، كان اول من اناب أبو ساسان [ حصين بن منذر الوقاشى صاحب راية على عليه السلام ] وعمار وأبو عروة وشتيرة فكانوا سبعة فلم يعرف حق أمير المؤمنين (عليه السلام) الا هؤلاء السبعة. (3) قوله: " أيهات " لغة في هيهات. أي بعد عن الحق رأيك.
[ 245 ]
(باب) * (الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شئ بعده) * 1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن فضيل بن يسار، عن عبد الواحد بن المختار الانصاري قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا عبد الواحد ما يضر رجلا - إذا كان على ذا الرأي - (1) ما قال الناس له ولو قالوا: مجنون، وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد الله حتى
يجيئه الموت. 2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تبارك وتعالى: لو لم يكن في الارض إلا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج إلى أحد. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن موسى، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: ما يبالي (2) من عرفه الله هذا الامر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الارض حتى يأتيه الموت. 4 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن كليب بن معاوية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه فمن دونه (3)، المؤمن عزيز في دينه.
(1) أي على هذا الرأى وهو التشيع. (2) خبر، أو المعنى ينبغى أن لا يبالي إذا كان على هذا الامر يعنى التشيع. (3) ضمن الاستيحاش الاستيناس فعداه بالى وإنما لا ينبغى له ذلك لانه ذل، فلعل أخاه الذى ليس في مرتبته لا يرغب في صحبته (في). وفى بعض النسخ [ عمن دونه ]. وفى بعضها [ عن دونه ].
[ 246 ]
5 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه (1) فقال: يا فضيل إنني كثيرا ما أقول: ما على رجل (2) عرفه الله هذا الامر لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت، يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم، يا فضيل بن يسار إن
المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له، يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له يا فضيل ابن يسار لو عدلت الدنيا عند الله عز وجل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه ومن كان همه في كل واد لم يبال الله بأي واد هلك (3). 6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن منصور الصيقل والمعلى بن خنيس قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن (4)، إنني لاحب لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه، وإنه ليدعوني فاجيبه و إنه ليسألني فاعطيه، ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد (5).
(1) كناية عن نحافة جسمه (عليه السلام). (2) " ما " نافية أو استفهامية. (3) " في كل واد " أي من أودية الضلالة والجهالة. قوله: " لم يبال الله باى واد هلك " أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه وتركه مع نفسه وأهوائها حتى يهلك باختيار واحد من الاديان الباطلة أو كل واد من أودية الدنيا وكل شعبة من شعب اهواء النفس الامارة بالسوء من حب المال والجاه والشرف والعلو ولذة المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك من الامور الباطلة الفانية والحاصل من اتبع الشهوات النفسانية أو الاراء الباطلة ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق وطاعة الله وما يوجب قربه لم يمدده الله بنصره وتوفيقه ولم يكن له عند الله قدر ومنزلة ولم يبال باى طريق سلك ولا في أي واد هلك (آت). (4) قوله: " ما ترددت " هذا الحديث من الاحاديث المشهورة بين الفريقين ومن المعلوم انه سبحانه لم يردد التردد المعهود من الخلق في الامور التى يفسدونها فيترددون في إمضائه لجهلهم بعواقبها، أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع فلابد فيه من تأويل. راجع مرآة العقول
ج 2 ص 221. (5) فيه تضمين معنى الاستيناس لتعديته بالى، أي استوحش من الناس مستأنسا إلى أخيه.
[ 247 ]
(باب) * (في سكون المؤمن إلى المؤمن) * 1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد. (باب) * (فيما يدفع الله بالمؤمن) * 1 - محمد بن يحيى، عن علي بن الحسن التيمي (1)، عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء. 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين. 3 - علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين؟ قال: نعم ولكن يخلصون بعده (2)
(1) هو على بن الحسن بن فضال كان فطحيا لم يرو عن أبيه شيئا قال النجاشي: فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا. وقال الشيخ في الفهرست ثقة كثير العلم واسع الاخبار، جيد التصانيف غير معاند، وكان قريب الامر إلى أصحابنا الامامية
القائلين باثنى عشر وكتبه في الفقه والاخبار حسنة. (2) أي بعد الموت.
[ 248 ]
(باب) * (في أن المؤمن صنفان) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن نصير أبي الحكم الخثعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن: مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله ووفى بشرطه وذلك قول الله عز وجل: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (1) " فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة وذلك ممن يشفع ولا يشفع له ومؤمن كخامة الزرع (2)، تعوج أحيانا وتقوم أحيانا، فذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة وذلك ممن يشفع له ولا يشفع. 2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الله، عن خالد العمي عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفي لله بشروطه التي شرطها عليه، فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا وذلك من يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفئته الريح انكفأ وذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا والآخرة ويشفع له وهو على خير. 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم الانصاري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الاخوان، فقال: الاخوان صنفان: إخوان الثقة وإخوان المكاشرة (3)، فأما إخوان الثقة فهم الكف والجناح والاهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك وبدنك
(1) الاحزاب: 23. (2) الخامة من الزرع اول ما ينبت على ساق أو اللطافة الغضة منه أو الشجرة الغضة منه. (3) الكشر: ظهور الاسنان في الضحك، وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسط، والاسم الكشرة كالعشرة.
[ 249 ]
وصاف من صافاه (1) وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الاحمر، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم، فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان. (باب) * (ما أخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلى به (2)) * 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن داود ابن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته ولا ينتصف من عدوه (3) وما من مؤمن يشفي نفسه إلا بفضيحتها لان كل مؤمن ملجم (4). 2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ; ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع، أيسرها عليه (5) مؤمن يقول بقوله (6) يحسده، أو منافق يقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده، فما بقاء المؤمن بعد هذا. 3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث (7)
ولربما اجتمعت الثلاث عليه، إما بغض من يكون معه في الدار، يغلق عليه بابه
(1) أي اخلص الود لمن أخلص له الود (آت). (2) أي ما يلحقه من الهم والغم فيما ابتلى به من الامور الاربعة المذكورة في الاخبار أو على ما يلحقه من معاشرة الخلق (آت). (3) الانتصاف: الانتقام. (4) أي ليس بمطلق العنان، خليع العذار، يقول ما يشاء، ويفعل ما يريد. (5) في بعض النسخ [ أشدها ]. (6) أي يدين بدينه. (7) " ما أفلت المؤمن " أي ما تخلص وما هرب.
[ 250 ]
يؤذيه، أو جار يؤذيه، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه، ولو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله عز وجل إليه شيطانا يؤذيه ويجعل الله له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد (1). 4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود ابن سرحان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أربع لا يخلو منهن المؤمن أو واحدة منهن، مؤمن يحسده وهو أشدهن عليه، ومنافق يقفو أثره، أو عدو يجاهده أو شيطان يغويه. 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل جعل وليه في الدنيا غرضا لعدوه (2). 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فشكا إليه رجل الحاجة فقال له: اصبر
فإن الله سيجعل لك فرجا، قال: ثم سكت ساعة، ثم أقبل على الرجل فقال: أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال: - أصلحك الله - ضيق منتن وأهله بأسوء حال، قال: فإنما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة، أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن. 7 - عنه (3) عن محمد بن علي، عن إبراهيم الحذاء، عن محمد بن صغير، عن جده شعيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الدنيا سجن المؤمن فأي سجن جاء منه خير.
(1) ذكروا لتسليط الشياطين و الكفرة على المؤمنين وجوها من الحكمة، الاول: أنه كفارة لذنوبه. الثاني: انه لاختبار صبره وادراجه في الصابرين. الثالث: أنه لتزهيده في الدنيا لئلا يفتتن بها ويطمئن إليها فيشق عليه الخروج منها. الرابع: توسله إلى الحق سبحانه في الضراء وسلوكه مسلك الدعاة لدفع ما يصيبه من البلايا فيرتفع بذلك درجته. الخامس: وحشته عن المخلوقين وانسه برب العالمين راجع مرآة العقول ج 2 ص 222. (2) الغرض بالتحريك: هدف يرمى فيه، أي جعل محبه في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوه وحيله وشروره (آت). (3) ضمير " عنه " راجع إلى البرقى. ومحمد بن على هو أبو سمينة (آت).
[ 251 ]
8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن مكفر (1). وفي رواية اخرى: وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينشر في الناس والكافر مشكور. 9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من مؤمن إلا وقد وكل الله به أربعة: شيطانا يغويه يريد أن يضله، وكافرا يغتاله (2)، ومؤمنا يحسده، وهو أشدهم عليه، ومنافقا يتتبع عثراته.
10 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إذا مات المؤمن خلي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر، كانوا مشتغلين به (3). 11 - سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ماكان ولا يكون وليس بكائن مؤمن إلا وله جار يؤذيه، ولو أن مؤمنا في جزيرة من جزائر البحر لابتعث الله له من يؤذيه. 12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما كان فيما مضى ولا فيما بقي ولا فيما أنتم فيه مؤمن إلا وله جار يؤذيه.
(1) على بناء المفعول من التفعيل أي المجحود النعمة مع احسانه وهو ضد للمشكور أي لا يشكر الناس معروفه. روى الصدوق في العلل باسناده عن الحسين بن جعفر عن ابيه، عن جده على بن الحسين (عليهم السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكفرا، لا يشكر معروفه ولقد كان معروفه على القرشى والعربي والعجمي. ومن كان أعظم معروفا من رسول الله على هذا الخلق؟ وكذلك نحن أهل البيت مكفرون، لا يشكر معروفنا وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم. (2) في بعض النسخ [ يقاتله ]. (3) " خلى " من التخلية ضمن معنى الاستيلاء فعدى بعلى. يعنى يخلى بين الشياطين المشتغلين به أيام حياته وبين جيرانه بعد مماته، وربيعة ومضر قبيلتان صارتا مثلا في الكثرة (في).
[ 252 ]
13 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ما كان ولا يكون إلى أن تقوم الساعة مؤمن إلا وله جار يؤذيه. (باب)
* (شدة ابتلاء المؤمن) * 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أشد الناس بلاءا (1) الانبياء ثم الذين يلونهم، ثم الامثل فالامثل (2). 2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) البلاء وما يخص الله عز وجل به المؤمن، فقال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أشد الناس بلاء في الدنيا فقال: النبيون ثم الامثل فالامثل، ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه (3) وضعف عمله قل بلاؤه. 3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن عظيم الاجر لمع عظيم البلاء وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم. 4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن فضيل بن يسار، عن أبي
(1) البلاء: ما يختبر ويمتحن به من خير أو شر، وأكثر ما ياتي مطلقا الشر وما اريد به الخير ياتي مقيدا كما قال الله تعالى: " بلاء حسنا " واصله المحسنة. (2) أي الاشرف فالاشرف والاعلى فالاعلى في الرتبة والمنزلة (آت) ((3) السخف: الخفة في العقل وغيره. ذكره الجزرى والفعل ككرم.
[ 253 ]
جعفر (عليه السلام) قال: أشد الناس بلاء الانبياء ثم الاوصياء ثم الاماثل فالاماثل. 5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن رئاب، عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل عبادا في الارض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الارض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم ولا بلية إلا صرفها إليهم. 6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن عبيد، عن الحسين ابن علوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال - وعنده سدير -: إن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي. 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن الوليد بن علاء، عن حماد، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وثجه بالبلاء ثجا (2)، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك فهو خير لك. 8 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن زيد الزراد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا ومن سخط البلاء فله عند الله السخط. 9 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن زكريا بن الحر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما يبتلي المؤمن في الدنيا على قدر دينه - أو قال -: على حسب دينه (3). 10 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض أصحابه، عن محمد بن